السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: استشباحات حول الملكية

عبد الحميد جماهري: استشباحات حول الملكية

من يقرأ حوار الدكتور سعد الدين العثماني، الذي نشر في يومية "المساء" يكاد يجزم بأن تفاصيل الحكم في المغرب اليوم، تكاد تدور حول الدسائس، والضربات التحتية ضد حزب العدالة والتنمية من أجل أن «تخسر »علاقتها مع الملك والملكية في المغرب!

في أحسن الحالات..

وفي أسوئها، فإن هناك قرارا مؤجلا من لدن حزب العدالة والتنمية ،»بالتلكؤ« في فتح الحرب مع الملكية!

ففي التقدير الأول، يقول وزير الخارجية السابق في التشكيلة الأولى للحكومة الحالية، إن هناك» جهات تسعى عبثا وبكل الوسائل إلى خلق صراع بين حزب العدالة والتنمية والملكية..وهذا أمر لن يحدث إطلاقا».
وسنجازف بمناقشة هذا الأمر، بالرغم من أننا نتقدم محفوفين بالتهمة الجاهزة: أننا جزء من هذه الجهات الغامضة والعميقة والعاملة ليل نهار من أجل إفساد الود ودق إسفين بين عبد الإله ومحمد السادس.

أولا، لم يقدم رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية أي قرينة أو معطى في هذه المعركة الحامية الوطيس، والتي تستهدف إفساد الود بين الحزب الأول في المملكة والمؤسسة المركزية فيها.

كما أنه لم يقدم أي تحليل يعفيه من التفاصيل الصغيرة و المعطيات ومن شياطينها التي تجلس القرفصاء في هذه التفاصيل، بل كل ما هناك؛ هو تسويق قناعة، مفادها أن الحرب التي تستهدف العلاقة بين الملكية وحزب العدالة والتنمية قائمة. تماما كما يقوم العرف!! بدون الحاجة إلى وثيقة أو حجة.

ويدرك الدكتور العثماني أن قناعته وحدها لا يمكن أن تكون القاعدة والتحليل والشهادة.. والدليل في نفس الوقت لإقناع الآخرين بأن هناك بالفعل حالة بحث عن قطيعة بين الملكية وحزب العدالة والتنمية.

وكما لا يثبت هذا، فهو لا يثبت الحاجة إلى هذه القطيعة.

بمعنى آخر:ما هي الحاجة إلى وجود القطيعة فعليا؟

هل يهدد الملكية في سلطاتها؟

هل يهدد الأحزاب في وجودها؟

هل يطرح بديلا سياسيا غير مسبوق وشجاع للغاية ويملك سلطته؟

هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن نلخص الجواب عنها في: كلا!

الحكم في المغرب لا يتم داخل كهف من كهوف الفلسفة الإغريقية. ولسنا نحن إسقاطا استشباحيا (من الاشباح) لواقع لا نصل إليه، ولا أن وقائعه هي من صميم السر الإمبراطوري القديم، الذي لا تصل أصداؤه الا بعد مائة عام..!

الحكم يتم أمام انظار الناس، وحتى الاسرار التي نعتقد أو يعتقد البعض أنها قد تكون طاعنة في السرية لم تعد كذلك!

2- يستدرجنا الاقتناع بمثل هذه الفكرة الى أن حزب العدالة والتنمية هو حزب يفوق سياسيا ومن حيث المشروعية والمشروع كل الاحزاب السياسية الموجودة، سواء معه في الاغلبية أو في المعارضة.

وهو يقلب الإبدال التاريخي الذي عشناه في المغرب منذ الاستقلال: حيث أن الذي يزعج الملكية أو تزعجه الملكية هو الذي يوجد بالقرب منها في سدة الحكم!

فلا حديث هنا عن قطيعة مستندها المجتمع وقاعدته، كما هو الحال مثلا في حالة العدل والاحسان، ولا قطيعة من حيث رفض النظام برمته، كما هو حال التيارات العدمية الجديدة، ولا هو رفض لقواعد النظام بدون رفضه بالمطلق، كما هو حال اليسار الراديكالي، بل هناك مشاركة في الحكم تحت سقف واضح ومعلوم، ومتفق عليه، .. ومع ذلك فالعثماني يرى أن هناك جهات تسعى إلى دق الاسفين بينهم وبين الملكي

3- يتكلم العثماني عن جهات، في مطلق المجهول، تعمل بشكل سري، وفي جنح الظلام لخلق صراع بين الملكية والحزب الذي ينتمي اليه.. وهو بهذا اللاتحديد، الذي يضع السياسة في مصاف «المبني للمجهول»، لا يتحدث عن التغيير مثلا أو عن محاربة الفساد، والتي يمكن من خلال الحديث عنها ان نستشف المستفيدين منها، او الجيوب التي تحافظ عليها، بل يدور حديثه عن الوجود السياسي لمكون في النظام يجعل من زرع العداوة بين الملكية والحزب الحاكم برنامجا سياسيا!

4 - يقول العثماني «لا ننسى أن حزبنا تأسس على 3مبادىء هي الإسلام والوحدة الوطنية والملكية الدستورية.. وهو تطبيق لغوي، مزيد وغير منقح للشعار الوطني المغربي،الله, الوطن ,الملك.. وهو يستند في ذلك بدون أن يخلق منه ما يمكن أن نعتبره معادلة جديدة في ضبط العلاقة مع الملك .

«فلا هو ملكي اكثر من الملك، كما يقدم المستفيدون من النظام انفسهم عادة، ويسعون إلى معارضة الملك بملكيتهم الزائدة وبحبهم القاسي!

ولا هو ملكي ضد الملك، كما كان شأن المعارضة الوطنية مع حكم الحسن الثاني رحمه الله، ولا سيما في لحظات التوتر الكبرى..

والحزب الذي يبدو أنه يبحث عن المعادلة لم يجدها، لم يراكم ما يكفيه لأن يكون أكثر ملكية ولا ملكيا مضادا، والوصفة السياسية التي اختارها (ضخ الخطاب الاصولي في بنية حزب ملكي قديم مهجور) ليست وصفة يمكنها أن تكون في عداد الوصفات التي تكون ضد النظام الملكي بحيث يمكن أن نخمن خطورة ما في وجودها!

بل هي وصفة، في عمقها لترتيب استعمال الجمود الحزبي لحركة الخطيب، بدينامية الشبيبة الاسلامية المنشقة.. في ظروف لم يكن المتحكم فيها بالضرورة من اختاروا أن يدخلوا المجال السياسي.

5 - في التقدير الثاني، التأكيد على أن «بنيكران لا يفوت فرصة ليقول انه لن يدخل في صراع مع الملكية مهما كانت الظروف».. يفترض كما لو أن بنكيران، يمكنه في السياق السياسي المغربي، وبناء على دستور 2011 أن يختار المواجهة … لسبب ما!

نحن نسلم بأنه يدرك استحالة ذلك، وعليه فالمنطق يفرض أن نقول بأن المراد من كلام من هذا القبيل، هو بعيد عن التلميح إلى وجود صراع ما في حكم المحتمل، أو إن هناك قرارا مؤجلا من لدن حزب العدالة والتنمية، "بالتلكؤ" في فتح الحرب مع الملكية!

نحن، في تفصيل النوايا.. نعتقد بأنها دعوة إلى تفضيله على من سواه! وهو تكريس لتقديم«السي في»، للبقاء في مربع الحكم. وهو تقليد لا اعتقد بأنه يخدم أيا من الطرفين، لأن قضية الاستقواء بالملكية في حسم التناحرات السياسية، أو الايديولوجية، لا يمكنها أن تعطي أي نتيجة على المدى البعيد (خارج وضعية السخرة) بنفس القدر من السلبية الذي جربناه في محاولة جر الملكية إلى الاستقواء بالأحزاب نفسها!

ومن حسن حظ الملكيات القوية والتي نجحت في تجارب الانتقال إلى الديموقراطية، انها لم تكن في حاجة إلى نوعية هذه الاحزاب، لا تلك التي تستقوي بها…. ولا تلك التي تستقوى بها!

ومن غرابة اللغة أنها تعطينا نفس التركيب، سواء في حالة من يستعين بالملكية أو الذي تستعين به الملكية!

نحن في واقع الأمر أمام حالة استشباح جديدة موضوعها الملكية، وهو لا يمكن أن يفرز أي تطور سياسي أو تحليل موضوعي ملموس لواقع ملموس.. بل يزيد في اللخبطة، ويربك شبكات التحليل، لا سيما عندما يعتبر بأن من الممكن أن تلخص اللحظة السياسية في صراع مفترض، يقترب أو يبتعد، بين الحزب الذي يقود الحكومة وبين الملكية..!

ولعله تلزمنا موهبة خارقة في الخيال السياسي لكي نساير هذا الافتراض إلى نهايته.. أو الى نهايتنا، الله اعلم!