الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

العربي بجيجة: أي ضمانات لتحصين مبدأ التدبير الحر

العربي بجيجة: أي ضمانات لتحصين مبدأ التدبير الحر

يمثل مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل (136) أحد أهم تجليات الحكامة الترابية التي أقرها دستور 2011، إضافة إلى كونه يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز اللامركزية الإدارية، باعتباره يمكن الجماعات الترابية من تدبير شؤونها، وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة، ولا يسمح بتدخل ممثلي السلطة المركزية في أنشطتها ومهامها إلا في الحدود التي يتيحها القانون.

وعلى هذا الأساس، فقد عمل المشرع على التأكيد على مبدأ التدبير الحر في العديد من المقتضيات الخاصة بالقانون التنظيمي للجهات، والمرتبطة أساسا بكيفيات تنظيم وتدبير شؤون المجلس الجهوي، ويرتكز تنزيل هذا المبدأ في عنصرين أساسيين:

- سلطة التداول بكيفية ديمقراطية في شؤون الجهة المقررة في (المادة 4) في حدود الاختصاصات المخولة لها، ويرتبط هذا الأس بتوفر العديد من الشروط أقرتها (المادة 244) منها: "حضور أعضاء المجلس ومشاركتهم بكيفية منتظمة في مداولات المجلس، إضافة إلى تدعيم شفافية هذه المداولات، ثم ضمان مبادئ التشاركية والمشاركة والفعالية، ينضاف إلى ذلك تكريس قاعدة التصويت العلني لاتخاذ جميع مقررات المجلس" (المادة 8). حيث حافظ القانون التنظيمي للجهات 111.14 على قاعدة "التصويت العلني" في مجالات سبق أن تضمنها القانون 96/47 المتعلق بتنظيم الجهات، كما عمل على إضافة مجالات أخرى خاصة منها تلك المرتبطة بالتصويت على اختيار رئيس المجلس والأعضاء، أو تلك المتعلقة بإقالة عضو أو عدة أعضاء من المجلس.

- تنفيذ مداولات ومقررات المجلس كرستها (المادة 4) من القانون ليتوالى ذكرها في جوانب عدة من هذا المقتضى، وقد خولت صلاحيات هذا التنفيذ لرئيس المجلس، غير أنه تم تقييدها بتوفر العديد من الشروط التي تضيق من هذه الصلاحية، والتي تتجلى في: "أن تتوافق مع الأنظمة القانونية المعمول بها، أن لا تخرج عن اختصاصات المجلس، أن لا تكون موضع تعرض من قبل والي الجهة داخل أجل 3 أيام من توصله بها، أن يؤشر عليها والي الجهة، أن لا تكون موضع بطلان من قبل المحكمة الإدارية"، كما ربط المشرع أيضا تنفيذها بمراعاة التوجهات العامة والقطاعية للدولة من جهة، والالتزام بحدود الموارد المالية المتوفرة لدى الجهة.

وهو ما من شأنه المساهمة بالتدخل في بلورة اختيارات المجالس الجهوية من قبل الولاة في كل ما يناط بالمجلس من اختصاصات، ومن ثم التأثير في كيفيات تنفيذها عبر تدخلات سلطات المراقبة، حتى تفرض ما من شأنه التأثير على استقلالية القرار الجهوي ويمس بمبدأ حرية تدبيرها لشؤونها.

لأجل ذلك، عمد المشرع على تضمين القانون التنظيمي للجهات بضمانات تحصن هذا المبدأ من تدخلات ممثلي الإدارة المركزية في الجماعات الترابية، والتي تجد أساسها في:

- احترام الآجال القانونية المقررة لتأشير الوالي على مقررات المجلس وقرارات رئيسه، ولإبداء أرائه وملاحظاته، فيما اتخذه المجلس من تدابير.

- تمتيع أعضاء المجلس بحق الرد قبل اتخاذ سلطة المراقبة (الوالي) لقراراتها، المرتبطة أساسا بما ارتكبوه من أفعال مخالفة للقانون، وذلك بعد الكتاب الذي يبلغون به من قبل والي الجهة. بينما تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إتباع هذه المسطرة في علاقتها مع أخطاء ومخالفات رئيس الجهة.

- جعل المحكمة الإدارية صاحبة الاختصاص والولاية في البت في القضايا التي يقع فيها الخلاف بين المجلس الجهوي ووالي الجهة، بعد إحالة القضية عليها سواء من قبل الوالي أو من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، كل في ما يتولاه من اختصاصات. ومن ذلك على سبيل المثال، القضايا المرتبطة بمقرارات المجلس وقرارات رئيسه (المادة 112)، أو تلك المتعلقة بعزل عضو أو رئيس المجلس أن اقتضى ذلك الأمر (المادة 67)، أو بحل المجلس الجهوي (المادة 75).

إن مبدأ التدبير الحر يشكل أحد أهم المبادئ التي أقرها دستور 2011 للارتقاء بمكانة الجماعات الترابية (خاصة الجهوية منها) في المنظومة القانونية والتدبيرية التي تحكمها، وتمثل مظاهر هذا المبدأ بشقيها (سلطة التداول بكيفية ديمقراطية في شؤون الجهة/ تنفيذ مداولات ومقررات المجلس) أبرز التجليات التي تضبطه، من خلال ارتباطها بتهيئة وتوفير ظروف الاعتراف للوحدات الترابية بالاستقلالية في تدبير شؤونها بمعزل عن تدخل سلطات الرقابة إلا في الحدود التي يتيحها القانون.

وفي ظل غياب آليات وميكانيزمات تحصن هذا المبدأ من تدخلات ولاة الجهات، فإنه يبقى غير ذي جدوى، وتنتفي معه القيمة الدستورية المنشِأة له، خاصة ما يرتبط منها بتمتيع الجماعات الترابية بكافة الصلاحيات والاختصاصات ومظاهر التدخل لتدبير شؤونها بالكيفية التي تراها مناسبة. مع ضرورة تعزيزها بما تتطلبه من توفير الموارد البشرية والمالية والتقنية المطلوبة، وحرص المشرع على رفع مستوى المراقبة الإدارية والمالية إلا في الحدود التي تفرضها النصوص القانونية والتنظيمية، مع عملها على التخلي عن الرقابة القبلية والمواكبة والاحتفاظ بالرقابة البعدية بشقيها الإداري والقضائي.