السبت 23 نوفمبر 2024
جالية

مصطفى المجاطي: المغاربة هواة في عالم الإجرام بهولندا مقارنة مع الأتراك والصينيين والهولنديين !

مصطفى المجاطي: المغاربة هواة في عالم الإجرام بهولندا مقارنة مع الأتراك والصينيين والهولنديين !

منذ ثمانينات القرن الماضي تحديدا، وبعد فشل سياسة الأقليات الذي اعترفت بها الحكومة الهولندية من خلال تقرير "بلوك"، قدمت للبرلمان الهولنديعشرات البحوث المنجزة والتقارير المصاغة. وتكونت مراكز شبابية عدة، بالإضافة إلى جمعيات ذاتية لتطويق الإجرام وسط الشباب المغربي في المدن الأربع الكبرى. وحتى لا نضع الكل في وعاء واحد، يجدر التأكيد بأن وضعية ومصير الشباب المغربي مازالا الشغل الشاغل للكثير من الفعاليات السياسية والمدنية وسط المجتمع الهولندي.

في هذا الاتجاه، وحتى نقرب الصورة للمغاربة في الداخل والخارج، سنعمل على إجراء مقابلات مع المعنيين والفاعلين مهما اختلفت الرؤى والتوجهات، وذلك لتسليط الضوء على واقع ذهب ضحيته قتلى شباب مغاربة في مقتبل العمر خاصة في السنوات الأخيرة، وشباب آخرون غرر بهم للالتحاق بساحتي الاقتتال في سوريا والعراق، منهم من اعتقل بعد العودة مباشرة إلى هولندا والبعض تمت تصفيتهم أو هم في انتظار نفس المصير. وعليه، سيكون أول ضيف تحاوره "أنفاس بريس" هو مصطفى المجاطي، قيدوم العمل الجمعوي المغربي بكل من فرنسا وهولندا. وللمعلومة، فهذا الرجل المزداد في مدينة أحفير بشرق المغرب، عمل مدرسا للغة العربية والتوجيه الاجتماعي للقادمين الجدد من بلدهم الأم وتركيا ودول أخرى، كما شغل منصب منسق لعدة مشاريع شبابية بأمستردام، وعضوا وممثل مقاطعتين لحزب اليسار الأخضر. وهو حاليا رئيس التحالف العالمي لمغاربة العالم بهولندا.

 + من هو مصطفى المجاطي، ومتى وطأت قدماك بلاد هولندا؟

-      أنا من مواليد 1954، غادرت المغرب سنة 1962 لألتحق بوالدي الذي كان يعيش في فرنسا خلال خمسينات القرن الماضي، وذلك في إطار التجمع الأسري آنذاك، إذ كنت الطفل الوحيد إلى جانب عدد قليل من أقراني القادمين من منطقة القبائل ودول أوروبا الجنوبية، كإيطاليا، البرتغال، فرنسا، إضافة إلى اليونان. وبحكم أننا كنا مرغمين على الاتصال بشرطة الأجانب للحصول على بطاقة الإقامة، شعرت وقتها بالتمييز الممارس بيننا نحن المهاجرين وأطفال فرنسا. وعلى خلفية هذا الواقع، طلب مني والدي رحمه الله، لما حصلت على شهادة الباكالوريا، دراسة شعبة الحقوق لألج فيما بعد سلك المحاماة ومن ثمة الدفاع عن قضايا الوافدين من كل مكان، مع أنه، وللأمانة، لم تكن لدي رغبة في متابعة الدروس. لهذا، وبمجرد أن حلت العطلة الصيفية عدت من حيث أتيت، أي إلى باريس. فحدث أول لقاء وتعارف مع جمعية المغاربة بفرنسا التي انشقت بدورها إلى تنسيقية الفروع لاعتبارات ايديولوجية وسياسية. حيث كانت فرنسا ساحة لعدة معارك نضالية ونقابية في معامل "رونو" و"سوشون" و"سيتروين". في إشارة إلى أنه كان للمغاربة في "جنفيلييه" دور كبير في تعبئة العمال وتوعيتهم نقابيا لحثهم على الدفاع عن حقوقهم السياسية والاجتماعية. وللتذكير، ففي ذلك الوقت كان يحكم قصر "الإيليزيه" "جسكار ديستان"، الذي عُرف بعلاقاته القوية مع المغرب، والتي أسفرت عن تنسيق أمني بين الطرفين على هامش طرد مناضلين مغاربة إلى الجزائر. وعموما، يمكن القول بأن الأوضاع اتسمت بالقمع وملاحقة الناشطين خاصة منهم النقابيون والجمعويون. هذا في الحين الذي كانت تجمعني صلات جمعوية متينة مع أحد النشطاء المغاربة يدعى محمد الوشكرادي بباريس. ومن هناك بدأت رحلتي إلى هولندا مع المناضل المرحوم أحمد الماساوي، الذي يعد أحد الفعاليات المساهمة بقوة في تصلب عود العمل الجمعوي والثقافي وأحد منشئي أرضية الشباب الديموقراطي المغربي بذلك البلد، كما أنه أبرز مؤسسي جمعية العمال المغاربة بهولندا المتشبعين بالأفكار الماركسية اللينينية. 

 + وماذا عن وضعية المغاربة في هولندا آنذاك؟ 

-       كان المهاجرون كلهم سواسية بالنسبة للحكومة الهولندية. الجميع يدخل في خانة الضيف كعمال غرباء التحقوا للعمل ساعات تعدت العشرين في اليوم الواحد. وطبعا لم يكن يخرج المغاربة عن هذا التوصيف الذي يحرمهم من أي قوانين تحميهم، لأن هولندا كانت تنظر إلى مهاجريها كمياومين مؤقتين إلى درجة وجد معها هولنديون يتوسطون لاستغلال العمال الموسميين ونهب أجورهم. هذا فضلا على أن المغتربين كانوا يسكنون بأماكن لتجمع العمال في ظروف لا إنسانية وغير صحية، ولم يكن آنذاك أدنى اهتمام بأوضاعهم، بل كل الاهتمام موجه إلى العمل. 

 + وكيف تم تنظيم المغاربة للدفاع عن حقوقهم؟ 

-   حدث ذلك من خلال الحملة الأولى التي تمثلت في مطالبة السلطات المغربية بتوفير جوازات السفر للعمال ضمن ما عرف ب"معركة الجوازات" خلال إضراب السبعينات، وهو الأمر الذي استجابت له الدولة المغربية آنذاك بعد أن سلمت الوثائق الضرورية لبعضهم ممن استفادوا من تسوية الوضعية القانونية، فيما رفضت طلبات من افتقدوا شهادات عمل. ليتم اللجوء إلى إضراب عن الطعام في كنيسة "موسى وهارون" وكنيسة "الحمامة" في أمستردام. إضراب استمر سنتان ونصف، وحظي بدعم من جميع النقابات ومجلس الكنائس وشخصيات متعاطفة مع قضايا المهاجرين، أجبرت جميعها الحكومة الهولندية على الاستجابة لمطالب العمال المغاربة المشروعة. وشخصيا أعتبر تلك الحركة الاحتجاجية لبنة من لبنات تأسيس العمل الجمعوي المغربي بهولندا. إذ كان الانتقال التمهيدي من تسمية العمال الضيوف إلى العمال الأجانب في هولندا، انتقالا طبيعيا من الهجرة إلى نصف المواطنة في تلك الفترة. هذا، وللتفكير، فقد كانت الخلفية الحكومية متجهة في بداية الثمانينات إلى استقدام أبناء المهاجرين من المغرب على أساس خطة مدروسة لإقحام الطاقات المهاجرة في جميع المرافق المهنية والعمومية. وبالمناسبة، مازلت أتذكر استجواب "فريتس بولكستاين" الذي طالب فيه بضرورة تعويض أطفال المهاجرين داخل هولندا، وما أعقبه من مبادرات لمغاربة من أجل استقدام أبنائهم وأفراد أسرهم إلى هذا البلد!

 + هل من الممكن أن تحدثنا عن المهن التي زاولتها؟ 

-       للإجابة يجب التأكيد بداية على أن القانون الهولندي لم يكن يسمح للمهاجرين بمزاولة كل الوظائف، وفي نفس الوقت كان الهولنديون لا يمارسون في قطاعات معينة كالنظافة وجني الورود. لذلك كان المهاجر مرغما على عمل ثلاث سنوات في القطاعات المتحدث عنها. بعد ذلك، اشتغلت كمساعد اجتماعي بأمستردام للشباب بالموازاة مع عمل آخر كأستاذ للرياضيات في مؤسسة "نوفا"، مما أتاح لي فرصة اللقاء الأول مع مسؤول تعليمي يدعى "روني هانسون". يضاف إلى ذلك كوني اشتغلت مدرسا للتوجيه الاجتماعي واللغة العربية كلغة امتحانية بأمستردام. ومن جهة أخرى، لابد من التنبيه في هذا الصدد إلى الهوة التي بدأت تتسع بين الآباء من الجيل الأول وأبنائهم، بحكم أن القانون الهولندي يلزم التعليم إلى حدود 16 سنة، في حين كان الآباء يعتقدون بأن التدريس ليس إجباريا، وبالتالي يبقى العمل في مرتبة أهم بالنسبة لهم. ولعل مما كان يرسخ هذا الطرح هو أن الأطفال من جانبهم لم يكنوا يرغبون في متابعة تكوينهم لأن اغلبهم قدموا من أرياف شمال المغرب وشرقه، مما حدا إلى تضخم المشاكل وكبرها، وعلى أثرها ستوجه العدالة الهولندية اهتمامها إلى الشباب المغربي في وضعية صعبة. وفي هذا السياق التجأنا إلى خلق دار للشباب المغربي ودار لشابات المغربيات بالاعتماد على المرجعية الثقافية والاجتماعية والنفسية لشبابنا، ولو أننا واجهنا صعوبات كبيرة نتيجة مطالبة هولندا لنا بمظلة مؤسساتية، وهو ما تحقق فيما بعد آنذاك.

 + الكل يتحدث الآن عن الشباب المغربي والإجرام، ما رأيك في ذلك؟ 

-         صحيح أن هولندا، وللأسف، تعتبر بعض الشباب المغربي من أخطر المجرمين في هذا البلد، ومستوياتهم الدراسية لا تتعدى أصابع اليد. وللشهادة، فإن الآفاق مسدودة وظروف العيش صعبة وحتى السجون لم تعد تستطيع تصحيح واقع الشبان المغاربة، خاصة أن هولندا تعد ملتقى شبكات العالم في المخدرات. مع العلم أن مسيري الأخطبوطات هم من الصينيين والأتراك، أما المغاربة فيظلون هواة مقارنة مع السالف ذكرهم من المحترفين في عالم التصفيات الجسدية والإجرام، كما  لا يجب إغفال عامل تساهل القضاء الهولندي وأحكامه العقابية التي لا تتعدى بضع سنوات! 

 + تقع سنويا تصفيات، يذهب ضحيتها أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة أو أقل.. ما تعليقك؟ 

-         هذا جد محزن، أطفال في مقتبل العمر يقتلون، لكن يبقى السؤال الأساسي في نظري هو: أين هم الآباء؟ أين هو المجتمع؟ أين هم السياسيون المحليون والوطنيون؟. إنه إخفاق أيضا للمغاربة في تربية الأبناء داخل مجتمع غريب يتعامل ببرودة دم مع قتل الشباب. وعليه، أعتقد بأن المسؤولية مشتركة. لكن الأخطر في كل هذا هو أنه وبالموازاة مع توسع شبكة الإجرام والمخدرات في أوروبا، الذي سيسقط، لا محالة، ضحايا آخرين، يحز في النفوس تجاهل السلطات المغربية التي تلاحظ "ضاربة الطم"، وليس لديها اهتمام بالموضوع!. فنحن بمثابة يتامى في مجتمع لا يرحم. إني أحس ب"الحكرة"، لأن الحكومات المغربية المتعاقبة، تنظر إلينا كبقرة حلوب وترحب بِنَا، عفوا بأموالنا، ويقدم لنا وزير لا يعبر عن اهتمامات المهاجرين. وزير معين ومنتخب في المغرب وفي نفس الوقت نحن ممنوعون من المشاركة السياسية لبلادنا. إنها "الحكرة" ولا أريد أن أقول أكثر.. نحن أرقام لا أقل ولا أكثر...

 + يصف "خيرت فيلدرس" المغاربة بـ"المشكل"، ما رأيك في هذا القول؟ 

-       لو تحدث عن بعض المغاربة قد أجدني متفقا معه، لكن أن يضع كل المغاربة في وعاء واحد فهذا مرفوض ولا يمكن قبوله. صحيح أن هناك مغاربة مجرمون سينقلون ميدان المعارك الإجرامية إلى بلدنا، وهذا مشكل حقيقي بالنسبة لنا نحن المغاربة سواء في هولندا، بلد الإقامة، أو في وطننا الأصلي. إنما في المقابل يوجد شبان مغاربة استطاعوا الوصول إلى مراكز القرار وفي كل الميادين  المجتمعية. 

 +  ما هي وجهة نظرك في الجهاديين المغاربة الهولنديين؟ 

-       هذه آفة جديدة ابتلينا بها. والحقيقة أنه فاجأني عدد الملتحقين بما يسمى "داعش"، لأنه أًمر مخيف فعلا، خاصة وأن منهم شَباب مغاربة ترعرعوا في قلب أوروبا. وأنا كمهتم أحمل المسؤولية إلى الفكر الوهابي والسياسة الهولندية التي عملت أيضا في تغليب ما هو ديني على ما هو جمعوي في فترة التسعينات وسط بلد يدعي فصل السلطة عن الدين، مثل هكذا لا يمكن أن ينتج سوى ممارسة بأوضاع شاذة بما لها وما عليها!.