الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

مارية الشرقاوي: الأسرة المغربية بين جزر الأصل ومد العصر

مارية الشرقاوي: الأسرة المغربية بين جزر الأصل ومد العصر

الأسرة هي ركن أساسي في المجتمع، بل نواته والمنتج لكيانه الروحي والمادي. وهي المكان الطبيعي لتربية طفل سيقول كلمته غدا، فإما أن يكون مواجها للمشاكل التي تعترض المجتمع أو يكون أحد أسبابها.

والأسرة نوعان بسيطة وممتدة ، ويمكن تعريف الأولى بما اصطلح عليه بالأسرة النووية ، أي المعاصرة التي تتكون من الأب والأم والأبناء فقط، والممتدة هي التي سادت في الماضي وتتكون من الأبناء،الزوجين، الجد والجدة وقد ينضاف إليهم في بعض الحالات الإخوة والأخوات للزوج، ولكون مجرد مقال لا يسع الحديث عن جل مكونات هوية الأسرة المغربية،  سآخذ على سبيل المثال لا الحصر موضوع القيم الأخلاقية كمكون أساسي لهوية الأسرة المغربية، بالتالي هوية الوطن، باعتبار الهوية الوطنية هي  ميزات وعناصر مشتركة بين مجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى  كالأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، العادات، التقاليد والطموح وغيرها. فالأسرة المغربية استمدت قيمها الأخلاقية من التراث العربي والأمازيغي الإسلامي والحساني الصحراوي، ومن التقاليد والعادات القبلية التي سادت المغرب عبر تاريخه الطويل، وكذلك من التفاعل مع محيطه الجغرافي.

فمن أهم القيم الأخلاقية التي تميزت بها الأسرة المغربية في الماضي، نجد الحياء الذي يتجلى في توقير وتقدير واحترام الأكبر سنا، سواء كان أخا، أختا، جارا، بل حتى وإن كان شخصا عابرا، فالحياء كخلق له انعكاس كبير على العلاقات سواء داخل الأسرة أو المجتمع، لأنه يحول دون خدش الأحاسيس ويجعل العلاقات دافئة بين أفراد الأسرة وبالتالي يبن أفراد المجتمع. وكذلك من القيم الأخلاقية التي كانت سائدة نجد الصدق، الأمانة، الإيثار، التكافل، المودة والتراحم.........إلى غير ذلك من القيم الرفيعة، فكان الجميع يساهم في تربية الناشئ: الأب، الأم، الجد، الجدة، بل يساهم في التربية الجار والجارة أيضا، الشيء الذي فقدناه بامتياز في عصر الأسرة النووية، التي اختفت في ظلها العديد من مبادئ وقيم ساهمت في التربية السليمة لأطفالنا، حيث طغت النزعة الفردانية في جانبها السلبي ففاضت معها روح القيم الأخلاقية وأصبح المجتمع يعيش تخبطا يصعب التحكم في مآله ومصيره.  فالأسرة في العصر الحالي تعيش تحديات كبيرة  نتيجة التقدم العلمي والتقني في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الأمر الذي كانت له تداعيات سلبية على مقومات تماسك الأسرة، أدى إلى اهتزاز قيمها، و جعلها عرضة  للتمزق والانشقاق بين عادات وتقاليد محلية وعادات وتقاليد دخيلة أو جديدة سواء التي استحدثت داخل المجتمع المغربي نفسه، أو استوردت بفعل عولمة من أهم أبعادها البعد الثقافي و القيمي الأخلاقي انحازت فيه إلى ثقافة الغرب وما تحمله من انحلال أخلاقي وتفكك أسري باسم الحداثة وهمشت الثقافات والقيم المحلية ،مما شكل تهديدا مباشرا للهوية الثقافية و الخصوصيات المحلية والوطنية. وقد أشار إلى هده المعضلة الأستاذ طه عبد الرحمن في تعريفه للعولمة قائلا: "وأما التعريف الإجمالي للعولمة، فهو أن العولمة هي السعي إلى تحويل العالم إلى مجال واحد من العلاقات الأخلاقية، أو قل مجال علاقي أخلاقي واحد......".  وبفعل هدا الامتداد الثقافي الغربي اضطرت الأسرة المغربية التعامل مع نمطين جديدين للممارسات الثقافية والاجتماعية نتج عنه نوعان من التقاليد والعادات:

  • عادات وتقاليد مسايرة للعصر لا تؤثر سلبا على هوية الأسرة.
  • عادات وتقاليد جديدة تحمل تناقضات مع الهوية المغربية، تؤثر سلبا على الأسرة.

وهاته العادات والتقاليد الجديدة بنوعيها لم تقتحم الأسرة المغربية وبالتالي المجتمع بسهولة، بل صاحب هذا الاقتحام صراعات نفسية واجتماعية وثقافية نتجت عنها انقسامات فكرية وثقافية وإيديولوجية أيضا.

وأمام التغيرات السريعة التي يعرفها العالم برمته، نتيجة التيار الهائج للعولمة الذي تحاول من خلاله  القوى العظمى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إجبار دول العالم على تبني ثقافتها ، معتبرة إياها الأنموذج الوحيد والأصلح لكل المجتمعات،نجد في ذات الوقت بعض المجتمعات الغربية يظهر فيها من ينادي بالعودة إلى القيم والأخلاق  فبيل كلينتون مثلا في مرحلة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية قام بتعيين خمسة عشر عضواً في الهيئة الوطنية الاستشارية لإحياء "القيم الأخلاقية"، نظرا لما اعترى مجتمعهم من عنف، وانحرافات سلوكية واجتماعية، وانهيار للقيم نتج عنه ضياع الأسرة بمفهومها الأخلاقي والاجتماعي.

وبما أن الأسرة تبقى المكون الأساسي للمجتمع، فلا محالة ستؤثر فيه سلبا أو إيجابا، وبالتالي تحصين الأسرة من تحصين المجتمع، وتجدر الإشارة هنا أن علماء الفولكلور اعتبروا مقياس حضارة وهوية العائلة هي بمقدار ما تنتجه من عادات وتقاليد خاصة بها نتيجة تأثرها بالثقافات الأخرى من جهة، ومن جهة أخرى هي بمقدار ما توليه من اهتمام ومحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية واللصيقة بكيانها الروحي والمادي ومصدر هويتها الثقافية والحضارية عبر مراحل تاريخها الطويل. لدا أصبح من الواجب على الدولة المغربية بمختلف مكوناتها من مجتمع مدني، أحزاب سياسية، مؤسسات دستورية ومثقفين، تحصين الهوية المغربية تفاديا لما قد يسببه تسونامي العولمة تحت شعار الحداثة من تفكيك للثقافة الوطنية وانشقاقات وصراعات داخلية بإمكانها جعل مجتمعنا جسدا بلا روح، ضعيفا يسهل خرقه والتحكم فيه. وكذلك لنكون متناغمين مع دستور المملكة الذي نص في ديباجته على ما يلي " المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية لترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، الأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح الاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء "