الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

ليلى الشفقي: المرأة المغربية ترفع عاليا علم الوطن بجلبابها وسروالها وتنورتها

ليلى الشفقي: المرأة المغربية ترفع عاليا علم الوطن بجلبابها وسروالها وتنورتها

عندما تلقيت خبر اعتقال فتاتين بسوق انزكان بتهمة الاخلال العلني بالحياء العام، الخبر الذي تداولته مختلف المنابر الإعلامية، وانتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تخيلت شابتين بلباس البحر أو عاريتين من أي لباس تتجولان في أسواق إنزكان في وضح النهار تحت أعين البائعين والمتبضعين. تخيلت الفتاتين مختلتين عقليا وتخيلت سلطات الأمن تتدخل لإبعاد مشهد شاذ عن الشارع للحفاظ على الحياء العام.
إلا أن جملة واحدة غيرت مجرى تفكيري وأشعلت نار الغضب والاستنكار في كياني، عندما قرأت أن الأمر يتعلق بفتاتين في كامل قواهما العقلية قصدتا سوق انزكان للتبضع، ترتديان لباسا صيفيّا، لم يلق استحسان البعض فتعرضتا للتحرش اللفظي من لدن المارة وتطور الامر الى تجمهر غفير مما أدى إلى تدخل الأمن واعتقالهن.
أستنكر وبشدة كيف أمكن للأمن اعتقال الفتاتين دونما اعتقال المتحرشين الداعين إلى الفوضى والمحرضين على العنف؟؟ الأمر أشبه بفيلم سينمائي أو كاميرا خفية !!
كيف يمكن لمواطن عادي أن يجسد دور القاضي في الحياة اليومية ويقرر في سلوكات المواطنين؟
كيف يمكن لمواطن عادي أن يعنّف مواطنا آخر ويعتقل هذا الأخير عوضا عن الجاني؟
إنه ضرب من الجنون أن يفقد الفرد حريته داخل المجتمع وتضيع مكتسباته الحقوقية التي يمنحه إياها الدستور. فجأة وجدت نفسي أدافع ضد قوى طاغية خفية تُمارس عنفها في صمت. تخيلت نفسي في الغاب !!
تهمة الاخلال العلني بالحياء العام، بحثت عن معايير اللباس الذي يخل بالحياء فلم أجد لها أثرا!!
ثم بحثت عن صور الفتاتين وعن لباسهما الذي استفز المارة ولم أجد لها أثرا !!
إنها بالفعل لقضية غامضة، كل ما يتضح فيها أنها مبنية على أسس رجعية لا علاقة لها بزمن المغرب الحداثي الديمقراطي.
ما التداعيات الممكنة حدوثها في حالة عدم تصحيح الخطأ؟
وجب تصحيح الخطأ خلال الساعات القليلة التي تلت الحادثة. فاعتقال الفتاتين 24 ساعة أكد التهمة وأعلن تأسيس هيأة شرطة وقضاء الشارع وهذا في حد ذاته كارثة بكل المقاييس!!
تتبعت تفاعل المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع ما بات يعرف بقضية محاكمة التنورة التي جابت أرجاء العالم ولاحظت وجود تيارين:
الأول يستنكر ويدافع عن حرية الفرد في اختيار لباسه ، والثاني يدين الفتاتين ويحرض على ممارسة العنف ضد كل من تسول لها نفسها بارتداء التنورة، كما أنهم أفتوا في هذا العقاب حيث يشجعون الشباب على اختطاف الفتيات واغتصابهن.
هنا تكمن خطورة هذه القضية التي إن كانت خطأ فهو صراحة خطأ غبي جدا، ينم عن عدم نضج السلطات في التعامل مع مثل هذه القضايا والتي خلفت آثارا جد سلبية على سمعة الدولة المغربية على الصعيد العالمي عبر التسويق لدولة تعتقل فيها الفتيات انصياعا لرغبة مواطن غاضب استفزه موقف فتاة لم تتفاعل مع تحرشه بها فسلمها للسلطات بتهمة إخلالها العلني بالحياء.
هذه الحادثة يجب أن تجر المنظومة القضائية إلى تحديد المفاهيم مما لا يترك مجالا للسباحة في نصوص قانونية فضفاضة إذا كان المرء لا  يعذر بجهله القانون فلا يمكن متابعة الأفراد بجرائم ليسوا واعين أنهم ارتكبوها.
أما عن الفرضية التي ترجح زحف الأفكار الداعشية، فأظن أنها خطر يتربص بالمغرب لا محالة: تكفيك جولة في التعليقات على شتى المواضيع التي تعالج في العالم الافتراضي لاكتشاف عقلية دخيلة على المجتمع المغربي يجسدها شباب تائه يعاني من فراغ ثقافي قاتل في غياب الوعي والتربية والتعليم على قيم المواطنة واحترام الاخر. يستورد قوانين وفتاوى تنسب للإسلام شرعها متطرفون يستبيحون القتل والعنف، يكفرون الكل إلا أنفسهم.
نعيش حالة من التسيب يجب التأهب لها وتعبئة مختلف مكونات المجتمع من جمعيات حقوقية ووسائل إعلام لنشر الوعي لدى المواطنين، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ يجب التصدي للأفكار الهدامة بأفكار بناءة وزرع حب الوطن في الأفراد فمن يحب وطنه لا يخونه حتى في فكره.
وأود أن أشير أن الأفكار المتزمتة والمتطرفة تمس بكرامة المرأة أكثر من الرجل، وهذا تكريس للرجعية والتخلف. فيكفينا فخرا أن الفتاة المغربية تألقت في الموسم الدراسي الجاري بمعدلات مشرفة جدا حققتها خمس فتيات ومازالت المرأة المغربية ترفع عاليا علم الوطن في شتى المجالات بجلبابها وسروالها وتنورتها لايزعجها الاختلاف في اللباس لا يستفزها الاخر مادام جوهرها وكيانها يفرض وجودها.