على إثر بلاغ وزارة الداخلية، الذي حذرت بموجبه مهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بإخلاء المساكن الخاصة، التي يحتلونها بشكل غير قانوني بحي بوخالف بطنجة، وضربت لهم أجل 24 ساعة لإفراغها الفوري تحت طائلة اللجوء إلى إجبارهم على ذلك تحت مراقبة النيابة العامة، وقيام الداخلية بتنفيذ إنذارها، جعلنا نطرح مجموعة من التساؤلات القانونية المرتبطة بالإطار والسند القانوني أو التنفيذي المبرر لعمليات الإخلاء. وهكذا فإن كان فعل الاحتلال للشقق الخاصة الذي لجأ إليه مجموعة من المهاجرين في طنجة، وبالضبط في حي بوخالف، لا جدال في وصفه بالفعل غير المشروع والمخالف للقانون، وتطاله مقتضيات القانون الجنائي المغربي، ولا مناقشة أيضا على واجب الدولة الدستوري في حماية الملكية الخاصة، وهي الحماية المعززة بقاعدة قانونية جنائية فريدة، وهي المادة 570 من القانون الجنائي .
إن الفعل غير المشروع الذي أقدم عليه المهاجرون لمساكن تابعة لملكية خاصة، لا يبرر لجوء وزارة الداخلية وولاية طنجة إلى اتباع نفس الأسلوب غير الشرعي لإنهاء فعل الاحتلال، فقط باستعمالها للسلطة العامة، الذي تراخت في تفعيله في وقته وحينه وفي زمنه لدرء قيام فعل الاحتلال والترامي ومنع تنفيذه وتمامه انجازه. والحال أن فعل الاحتلال قد أصبح واقعا قائما، وانصرمت مدة غير يسيرة من تاريخه، فإن وزارة الداخلية ولا ولاية طنجة لا تملكان حق استرداد واسترجاع اختصاص تقاعست وأحجمت عن القيام به، وكان حريا بها اتباع أسلوب القانون عن طريق السلطة القضائية، المؤهلة الوحيدة لإنهاء الفعل وإرجاع حيازة المساكن لأصحابها.
إذ لا تملك وزارة الداخلية الصفة القانونية للحلول الجماعي محل ملاك المحلات المحتلة بغض النظر عن موطنهم ومكان إقامتهم، ولو خارج المملكة، لانعدام صفتها وعلاقتها بتلك المحلات لأنها ليست محلات وأماكن عامة، ولا تعطيها، كما لا تمنح لها مسؤوليتها الدستورية في حماية الملكية الخاصة تلك الصفة. ويبقى مالكو الشقق المحتلة هم شخصيا ذوو الصفة الوحيدين للجوء إلى القضاء المختص، وهي المحكمة الابتدائية بطنجة التي تحتكر ولاية النظر تبعا لمكان تواجد المساكن المحتلة ببوخالف بطنجة، الذي يخضع لدائرة نفوذ نفس المحكمة الترابي.
واعتبارا لكون فعل الاحتلال وانتزاع الحيازة لمساكن في ملك الغير من الخواص استتب للمهاجرين، فإن الكيفية القانونية الواجب سلوكها لإرجاع المحلات من طرف المالكين وليس وزارة الداخلية ولا ولاية طنجة، تدور حول اختيار المعنيين بالأمر لمساطر قانونية حسب الحالة، منها القضاء الاستعجالي في شخص رئيس الحكمة الابتدائية بطنجة، (طبقا للفصول 149 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية)، في إطار دعوى طرد محتل أو لإعمال الحماية القانونية للعقارات المحفظة، كما يمكن لهم اللجوء إلى قضاء الموضوع أمام نفس المحكمة في إطار دعاوى الحيازة (الفصول من 166 إلى 170 من نفس القانون)، ولو أن هذه المسطرة تستغرق وقتا طويلا للتحقيق فيها، والأحكام الصادرة فيها غير مشمولة بالنفاذ المعجل. كما يحق لهم تقديم بلاغ إلى النيابة العامة في إطار دعوى انتزاع عقار من حيازة الغير وانتظار تحريك الدعوى العمومية وإقامة الدعوى المدنية التابعة لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وهي بدورها تستدعى وقتا طويلا نسبيا.
إن العبارة المستعملة في البلاغ الأول المحدد لمدة 24 ساعة للإفراغ، بالإشارة إلى الإفراغ تحت مراقبة النيابة العامة، هو تلميح إلى لجوء وزارة الداخلية إلى سلطة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطنجة لإعمال اختصاصه (الوارد في المادة 40 الفقرة 8 من قانون المسطرة الجنائية)، التي تسمح لوكلاء الملك باتخاذ إجراءات تحفظية يرونها ملائمة لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه. ومع ذلك فإن هذه المادة لا تسمح للنيابة العامة بحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إلا بشروط. ولا يملك وكيل الملك بطنجة حق إخلاء المهاجرين لمحلات احتلوها، ويأمر بإرجاعها لأصحابها، لأن ذلك يستوجب ويفرض حصول أسباب وإجراءات قانونية معينة، ومحددة في الفقرة الثامنة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية باختصاصات وكلاء الملك.
إن اختصاص النيابة العامة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه رهين بتوفر ثلاث شروط حصرية: الأول وجود حكم سابق يحمي الحيازة وقضى بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وثانيا تنفيذ ذلك الحكم والاستدلال بمحضر تنفيذه، وفي مرحلة ثالثة لجوء نفس المنفذ عليه إلى الترامي وانتزاع حيازة المحل نفسه بعد تنفيذ الحكم عليه.. وفي نازلة الحال يغيب الشرطان الأول والثاني، ولا يملك وكيل الملك بطنجة اختصاصا بإفراغ المهاجرين المحتلين للمساكن الخاصة بحي بوخالف لعدم توفر الشروط التي تسمح له بقيام ذلك الاختصاص، وإن فعل فإنه سيكون بمثابة خصم وحكم في نفس الوقت، وهو سبب سحب المشرع له لهذه الإمكانية.
إن الجهة الوحيدة التي تنعقد لها ولاية واختصاص النظر هي أجهزة رئاسة المحكمة الابتدائية بطنجة، من رئيسها في إطار القضاء المستعجل وقضاتها في إطار قضاء الموضوع والقضاء الزجري بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو المتضررين وبطلب من المالكين للشقق المحتلة وبشكل فردي، وإن أي إفراغ تم ويتم خارج تفعيل واتباع هذه المساطر القضائية يفقد عمليات الإخلاء والإفراغ الشرعية، وسيضع ذلك صورة المغرب أمام مرمى انتقاد المنظمات الحقوقية، هو في غنى عنها. وخير مثال أورده هو تصرف السلطات الإسبانية إزاء نفس الحالات بمناسبة احتلال أفواج من المهاجرين والمواطنين لمحلات في ملك الغير، ولم تتصرف تصرف وزارة الداخلية المغربية، بل إن طلبات الإفراغ تم نقلها أمام القضاء للنظر فيها..
كنت آمل أن يظهر المغرب أنه دولة المؤسسات، ويحتكم إلى المؤسسات في إطار دولة الحق والقانون، عوضا عن مقابلة فعل غير مشروع بقرار غير مشروع.