الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أبو أيمن الفارح: الجيش المغربي في الواجهة .. أجنحة عسكرية لأحزاب سياسية

أبو أيمن الفارح: الجيش المغربي في الواجهة .. أجنحة عسكرية لأحزاب سياسية

عودة إلى الجيش

أن ترتفع بعض الأصوات في الآونة الأخيرة تطالب بتمكين أفراد المؤسسة العسكرية، الجيش، من ممارسة أهم حقوق المواطنة والمتمثل في الحق في الانتخاب، ليس أمرا يسهل فهمه، في ظل الأوضاع السياسية الخارجية والداخلية على حد سواء.

هذه الأصوات، المطالب لم تنبثق من داخل المؤسسة العسكرية، ولم تكن، يوما، مطلبا حقوقيا لجمعيات وهيآت أو ناشطين حقوقيين. وحتى إبان أوج المؤسسة العسكرية في ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي وهي تمسك بعصب السلطة، من اتصالات وبريد ووزارة الداخلية مركزيا وجهويا وقطاعات مدنية حساسة عديدة، لم يفكر كبار قادتها في استغلال الوضع والدفع بالمؤسسة العسكرية في غياهب السياسة ورفع مطالب من هذا القبيل وهذا المستوى. لأنهم يدركون خصوصية المؤسسة وحساسية المهام المنوطة بها وكذا طبيعة وتعدد شرائحها ومكوناتها، سواء على مستوى الانتماء القبلي والعرقي والجهوي أو على المستوى العقائدي والفكري. بعض هذه المعطيات شكلت، قاعدة بناء المؤامرات الانقلابية العسكرية، التي فشلت لحسن الحظ، وبعض الحركات التمردية المعزولة، والتي لم يعد خافيا مند زمن غير يسير، تورط طرف من الجسم السياسي في جزء، على الأقل، من أحداثها. تورط أملته ظروف الصراع الخاص جدا، بين القصر الملكي صاحب مشروعية مستمدة من التاريخ والدين والمنفى وحركة وطنية من مرجعية المقاومة والتحرير الوطني والتحرر العالمي.

في إطار هذا الصراع المتعدد الأطراف وفي قمة الحرب الباردة التي أقلقت العالم، عجزت مكونات الحركة الوطنية و تعذر عليها خلق وإيجاد وسائل وأدوات النضال الحقيقية، اللازمة والقادرة على قلب ميزان القوى ضد القصر المساند من فئات عريضة من الشعب وشرائح واسعة من العلماء والمتنورين والملاكين والبورجوازية الفاسية والرباطية على وجه الخصوص. هكذا حصل التذمر والإحباط الذي افتى السلوكات الانقلابية وباقي الأنشطة الملغومة.

استقواء أو احتواء

عندما ينخرط بعض الساسة الجدد، اليوم، في الدعوة إلى فسح المجال أمام أفراد المؤسسة العسكرية للانتخاب، اي اختيار ممثليهم محليا (الجماعات)، ووطنيا (البرلمان بغرفتيه) فهؤلاء الساسة يدركون، بدون شك ن وهذا هو المرجح بالنظر لطبيعة ومكانة الفاعلين، يدركون بأننا امام مؤسسة على مستوى كبير جدا من التنظيم والانضباط والتكوين، بحيث إن أدنى مستوى تعليمي لأجل الالتحاق بالمؤسسة العسكرية هو مستوى الاولى باكالوريا، في بلد لازال حوالي ربع سكانه أميون، وللأرقام دلالاتها، وتملك سلاحا وتحسن استخدامه.

زاوية الخيارات الثلاث

أمام وضع من هذا القبيل، سيكون أفراد المؤسسة العسكرية أمام ثلاثة خيارات:

ـ الخيار الأول: يصوت كل أفراد المؤسسة العسكرية في اتجاه واحد، كجسم واحد، وبنظام وانضباط، مثلما يحصل في كل الاستفتاءات حول الدستور.

ـ الخيار الثاني: يصوت كل فرد حسب قناعاته وميولاته وانتماءه القبلي والعرقي، ولن يتم هذا، بطبيعة الحال، دون نقاش داخل الاسرة وبين الاصدقاء ورفاق السلاح ومع المرؤوسين والرؤساء، بين أفراد الوحدة العسكرية الواحدة وبين أفراد وحدة عسكرية وأخرى وبين حامية عسكرية وأخرى وجهة وأخرى ولربما بين جيش وآخر أو سلاح وآخر وهلم جرا ......وعندما تجر الجيش إلى ساحة المعركة، لا تنتظر طلقات ورد.

ـ الخيار الثالث الحصيلة: وهو الاحتمال الأسوأ، إعادة إنتاج أفلام الستينيات والسبعينيات المرعبة، لكن هذه المرة بإخراج جديد وفي ظل شروط إقليمية ضامنة لفوضى ودمار وفرجة استثنائية بكل المقاييس. وسنكون كما يحلو لنا أن نكون، الأوائل، في نظام فوضوي جديد.

هذا الطرح، على بساطته، يستمد جديته ومشروعيته، لم لا، من أحداث ووقائع، ليس للصدفة وحدها دور فيها:

1ـ يتوجه فريق إلى الشمال، يتحدث عن الحكرة والتهميش، يخلط خطاب الريف بالكيف ويغازل الجيش، ينصب نفسه مدافعا عن جيش منقوص الحقوق الوطنية؟ كذا بدون مقدمات؟

2ـ يتوجه فريق آخر إلى الشرق، ليس ليخطب ود الجيش كما فعل خصومه الآخرون، في الشمال، ولكنه يتسلل إلى مواقع متقدمة في منطقة عسكرية، بهدف الاستطلاع وجس النبض.

أحداث تدل، من خلال توقيتها وقيمة وطبيعة منفذيها المعروفين بعداوتهم الكبيرة لبعضهم البعض، عن الانزلاق الخطير للعمل السياسي إلى مناطق الخطر.

هل وصلت الطبقة السياسية، مرة أخرى، إلى الباب المسدود، في سبيل تحقيق مشاريعها السياسية في صراعها من أجل السلطة، حتى تتوسل الجيش؟ هل الديمقراطية غاية أم وسيلة بالنسبة إليها؟

لقد بدأ الضباب ينقشع وستتضح الرؤيا أكثر في القادم من الأيام، عن أشكال أخرى من الابتزاز من أجل ريع سياسي والمساومة على مواقع جيدة على الخارطة الجغرافية والسياسية للبلاد.