"مهمة خاصة" تلك التي بدأها العشرات من الأئمة والوعاظ المغاربة موزعين على منابر مساجد أوروبية، تبدأ سنويا مع حلول كل شهر رمضان.
مهمة الوعظ والإرشاد وإمامة المصلين، خاصة في صلاة التراويح برمضان، يرسل المغرب لأجلها كل عام مئات الأئمة إلى أوروبا، في محاولة لتزكية الروح الإيمانية للمسلمين الجدد والمهاجرين، والتي تزداد لدى المسلمين عامة خلال شهر رمضان، المعروف بـ "موسم الطاعات".
غير أن هذه المهمة أصبحت لها أبعاد جديدة مع ما يشهده العالم من تطورات، فصارت تهدف إلى "الترويج لخطاب ديني معتدل يكافح التطرّف، ويكبح ظاهرة انضمام عدد من المسلمين الأوروبيين إلى تنظيم "داعش"، بحسب الباحث في الشأن الديني إدريس الكنبوري.
ورجح الكنبوري أن المملكة "تحاول من خلال إرسال الأئمة تسويق نموذج مغربي في التدين، ينبني على الانفتاح والتسامح، خصوصا في ظل وجود نماذج أخرى من التدين في أوروبا مثل الوهابية والسلفية والتشيع". مشيرا في هذا السياق إلى أن "عدد الملتحقين بداعش من أوروبا يفوق الملتحقين من دول إسلامية، ما يمثل مفارقة على اعتبار أنهم يعيشون في بلدان متقدمة، إلا أن ضعف تكوينهم الديني يسهل استقطابهم من قبل الجماعات المتطرفة".
وانتقد الكنبوري ما وصفه بـ" ضعف البنية التحتية المرتبطة بالشأن الديني التابعة للمغرب بالدول الأوروبية، كمراكز البحث المتخصصة في الشأن الديني على سبيل المثال، بينما إيران مثلا لديها مجموعة من مراكز البحث والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى عشرات المجلات والكتب والمواقع التي تروج للمذهب الشيعي بأوروبا".
ومن جهته، قال لحسن بن ابراهيم السكنفل، عضو المجلس العلمي الأعلى، في حديث صحفي: إن "الهدف من إرسال الأئمة والوعاظ والمرشدين إلى دول أوروبية هو الإسهام في التوعية الدينية وإحياء ليالي رمضان، بما يلزم من عبادات وتراويح وصلوات، بالإضافة إلى دروس الإرشاد الديني".
ولفت بن إبراهيم إلى أن "الأئمة المغاربة سيعملون على محاربة التطرّف ببعض الدول من خلال خطاب ديني معتدل"، معتبراً أن "هذه المبادرة تهدف إلى ملء الفراغ الذي يمكن أن يكون موجودا في بعض مساجد أوروبا".
وقال حسين العمريش، الأستاذ بكلية الشريعة بفاس، الذي خاض تجربة الوعظ بالمسجد الكبير في ستراسبورغ بفرنسا رمضان الماضي، إن "الدروس التي يقدمها الوعاظ المغاربة تهم أساسا المغتربين من جنسيتهم، وتهم أيضا جاليات بعض الدول العربية، مثل تونس والجزائر وليبيا ومصر".
وعن برنامجهم الدعوي في رمضان أوضح العمريش قائلا "يتم إلقاء الخطب والدروس الدينية في مواقيت مختلفة، بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء وبعد صلاة التراويح، وفي بعض المساجد بعد صلاة الفجر، إلا أن الحضور الكبير للجاليات يسجل قبل صلاة العشاء وبعد صلاة التراويح".
وتتوزع الدروس، حسب العمريش، على "مواضيع عامة، وقضايا الأسرة والأخلاق، بالإضافة إلى تنظيم بعض المسابقات في حفظ القرآن الكريم".
وبشأن أبرز الأسئلة والمشكلات التي يتم طرحها على الوعاظ، كشف عبد الله بنشقرون، إمام وواعظ مغربي قام بالوعظ في مساجد بفرنسا وإسبانيا وايطاليا خلال رمضان من أعوام سابقة، أن "أهم الأسئلة والمشاكل التي نتلقاها تتعلق بتعاطي الأبناء المخدرات، أو اتجاههم للتطرف، وهو ما يشكل هاجسا للآباء". موضحا أنه يضطر إلى الانفراد بالآباء أو الأبناء من أجل الإنصات إليهم وتوجيهم، "خاصة حيال المشكلات التي تتعلق بالأسرة، نظراً للتحديات التي توجد بالغرب".
أما الواعظ المغربي عبد السلام زياني، والذي قدم دروسا في مساجد ببعض الدول الأوربية مثل بلجيكا، فنوه إلى أنه "من أهم الدروس التي يتم تقديمها للجاليات المغربية والعربية، تلك التي تتعلق بالعبادات والتعاملات، وإبراز قيم رمضان، مع استحضار البيئة التي تعيش فيها هذه الشريحة".
وأضاف زياني، الأستاذ بكلية الشريعة في مدينة فاس، أن "أبرز الأسئلة التي يتم توجيهها من طرف الجاليات تتعلق بالمعاملات بالدول الأوربية مثل اقتناء منازل من البنوك الأوروبية".وبخصوص محاربة التطرف وبعض المظاهر الأخرى، قال إن "الوعاظ المغاربة يعملون على تقديم خطاب إسلامي معتدل، بطريقة مباشرة بالنظر إلى كثرة المذاهب بأوروبا"، لافتاً إلى أن "الخطاب الذي يتم توجيهه، ينبني على استحضار روح الوطن والغيرة على الدين".
(المصدر "وكالة الأناضول" بتصرف)