الأحد 10 نوفمبر 2024
مجتمع

انفراد.. درك تمارة يستمع لوالد ناجية من فاجعة "الشراط" عمره 361 عاما

انفراد.. درك تمارة يستمع لوالد ناجية من فاجعة "الشراط" عمره 361 عاما

استمعت عناصر الدرك الملكي التابعة لمدينة تمارة إلى أب إحدى الطفلات الناجيات من فاجعة الغرق، التي ذهب ضحيتها 11 بطل وبطلة في رياضة التكواندو بشاطئ واد الشراط، وذلك في إطار الإجراءات الأمنية الروتينية والعادية في مثل هذه الحوادث. لكن ما لم يكن عاديا واستثناء يستحق دخول كتاب "غينس" للأرقام القياسية، خلال هذه الجلسة، هو سن الرجل الذي يفوق ثلاثة قرون ونصف، وتحديدا 361 عاما بالتمام والكمال. بحيث أشار محضر الجدارمية إلى أن والد الطفلة المستمع إليه يعد من مواليد سنة 1654. الأمر الذي يستوجب من الجهات المعنية أن تستنفر مصالحها لغرض فتح تحقيق مواز وعميق يتخذ من عمر هذا الأب موضوعا له، باعتباره سيكون لا محالة إضافة نوعية لمجريات القضية الراهنة أولا، ومرجعا جديرا بالاهتمام لمختلف الباحثين الجيولوجيين من جهة ثانية، على أساس أن الشخص المعني عاصر خصوصيات موقع الحادث على مدى عشرات العقود، وشهد تطوراته التي لا يمكن أن يعطي يقينها غيره كشاهد عيان موثوق المعطيات.

وبالتالي، يلزم ومن باب الغيرة الوطنية، ألا يفلت رجال دركنا هذه الفرصة النادرة الحدوث، وينكبون فورا على تحضير أسئلة قد تكون مفتاحا لكشف تفاصيل أخرى غامضة، على غرار: كيف كان وضع الشاطئ قبل 300 عام؟ وكم من شخص ابتلعه على مدى هذه المدة؟ ثم عدد الجمعيات التي حلت بالشاطئ دون الحصول على ترخيص ولم تساءل؟ وما هي الصفات الجينية التي كان يحملها الجد الثاني عشر للمدرب مصطفى العمراني حتى يمكن الوقوف على حقيقة الاتهام الموجه إليه، هل كان نتيجة إجرام بالوراثة أم بالصدفة أم بالتعود، أم بخلفية تقديمه كبش فداء والحائط القصير السهل تجازوه؟ وأيضا كيف تعاملت مختلف الحكومات مع هذا الموقع البحري على مستوى دورها القائم والثابت لحماية المواطنين؟ وهل سبق لوزير قبل عزيز الرباح أن تورط في إهمال من هذا القبيل، أم أنه سابقة في مسلسل "إتقان إصدار الإدانات مقابل الإخفاق في تحديد المسؤوليات"؟

هذه فقط نماذج لبعض الأسئلة التي قد توحي وتلهم بتفتق غيرها لدى معدي المحاضر، الذين يبقى لهم أولا وأخيرا واسع النظر في اختيار ما يخدم مجريات البحث، أملا في أن تكون الخلاصات ذات منفعة وإفادة تسجل بفخر في تاريخنا الاستقصائي.

اللحظة، وبعد سرد كل تلك الاقتراحات التي كان ضروريا الإشارة إليها رغم التأكد من عدم إمكانية تنفيذها، وذلك حتى تكون حجة على أن المواطن كان ومازال وسيظل في خدمة العدالة الاجتماعية، ويده ممدودة على الدوام وإن لم يطلب منه ذلك. أما الخلفية الثانية وراء كتابتها مع معرفة عدم جدواها فهو الرغبة في القول بأنها كانت فعلا جاهزة قبل أن يتم الوصول إلى كون أب الطفلة الناجية ليس بعمر 361 عاما، وإنما يبلغ فقط 61 سنة. والعهدة على كاتبي المحضر الذين بدل أن يسجلوا بأنه من مواليد 1954، كتبوا 1654. ليضيفوا إلى عمر هذا الجندي المتقاعد، وبقدرة قادر، 300 سنة مجانا.

وبما أن المواطن، كما سبق التذكير، لم يوجد إلا من أجل التصفيق للإيجابي والتنديد بكل ما هو اعتباطي، وإيمانه بمثلنا الدارجي "منين ما ضربتي القرع يسيل دمو" مع التحية والتقدير لجميع "الصلعين المغاربة"، يجب توجيه "الرادار" هذه المرة لموضوع الحيثيات التي تحيط بظروف تسجيل المحاضر الأمنية، وإلى أي حد يتوخى المسؤولون عنها كل أسباب الحذر والدقة لما ترهنه من مصائر العباد، والذين قد يتغير مآل حياتهم بنسبة 180 درجة لمجرد جرة قلم وإن عفوا ومن غير قصد.

صحيح أنها "جات سليمة" حسب تعبير الأشقاء المصريين باقتصار الخطأ في النازلة الملفت إليها على سن المستمع إليه، لكن لا يجب أن يمر مرور الكرام بناء على أنه مؤشر لإمكانية حدوث الأسوأ. ومن ثمة، فالذي حوَّل 1954 إلى 1654، ليس بعيد أن يكتب "أنا ذبحت" عوض "أنا ربحت"، أو "قتل" مكان "فتل" ولما لا تستبدل "أنا أبيع التمر" ب "أنا أبيع الخمر"، وعندها فكها يا من وحلتيها. ربما قد تبدو المعالجة بجرعة مزاح، لكنها تصير أكثر من جدية عند وقوع الكارثة، والسقوط في حيص بيص الأغلاط المكلفة، لأنه وبصرف النظر عن ظروف ضغط العمل وتراكم المهمات وضيق الوقت، لا يعفي من الحرص على براءة ذمة الناس كقاعدة، وأولى الأولويات لدى كافة المواطنين، فبالأحرى الماسكين بزمام أقلام أو أزرار حواسيب، قد تكون منصفة وصادقة، كما قد تتسيف إلى سيوف مسلطة على رقاب "اللي مادارو لا بإيديهم ولا برجليهم"، وإلا لما امتد العمر بأحد الأمثلة الأزلية إلى يومنا هذا ولسان حاله يصرخ "ميات ألف تخميمة وتخميمة، ولا ضربة بالمقص".