الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

جدل قانوني وسياسي ساخن على إثر قرار النيابة العامة بمتابعة المتهم الرئيسي في قضية غرق الأطفال بشاطئ واد الشراط في حالة اعتقال

جدل قانوني وسياسي ساخن على إثر قرار النيابة العامة بمتابعة المتهم الرئيسي في قضية غرق الأطفال بشاطئ واد الشراط في حالة اعتقال

على إثر قرار النيابة العامة بمتابعة المتهم الرئيسي في قضية غرق 11 طفلا بشاطئ واد الشراط ببوزنيقة في حالة اعتقال رغم تنازل عائلات الضحايا على متابعته، تفجرت نقاش ساخن بالشبكات الاجتماعية وبعدد من وسائل الإعلام الإلكترونية والصحف المكتوبة حول التكييف القانوني للحادث، كما تفجر سجال سياسي قاد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى الدخول على الخط في خرق سافر لاستقلالية القضاء بحديثه عن توجيه العدالة الجنائية لكي تسلك مسارا مختلفا في هذه القضية، وهو الأمر الذي لم يستستغه بعض المراقبين داعين الى التركيز على ضمان المحاكمة العادلة مؤكدين أن المتهم يظل بريئا إلى أن تثبت إدانته.

نوفل بوعمري ( المحامي بشفشاون ) يرى من جهته أن حادث غرق 11 طفلا بشاطئ واد الشراط يمكن تكييفه من الناحية القانونية في إطار المسؤولية التقصيرية لمدرب التيكواندو مصطفى العمراني  لمعرفة ما إذا كان قد اتخذ الاحتياطات الكافية، والمتعلقة بتنظيم رحلة إلى شاطئ واد الشراط، مؤكدا على أهمية الرجوع إلى ملف القضية لمعرفة تصريحات المتهم المضمنة في المحضر والوقائع المرتبطة بالقضية والتي يمكن من خلالها إعطاء صورة قانونية واضحة لهذه القضية، مشيرا في الآن ذاته إلى أن  مسؤولية الإدارة بمختلف تلاوينها سواء كانت جماعة محلية أو إدارة  مسؤولة عن حماية المصطافين بالشاطئ  تابثة في هذه القضية، بحكم أن  المنطقة خطيرة وكان من المفترض أن تتضمن علامة تشوير تشير إلى المنع من السباحة علما  أن الحادث وقع في موسم الاصطياف، مما يعني أن مسؤولية الإدارة هي مسؤولية رئيسية في هذه القضية.

وأشار بوعمري أن ملف القضية يتضمن جانب إنساني بحكم أن ابنة المدرب مصطفى العمراني كانت من ضمن الضحايا، إلى جانب قيامه بالعديد من المحاولات لإنقاذ الضحايا وبالتالي- يضيف بوعمري -  يصعب تحديد مركزه القانوني في هذا الملف دون الرجوع إلى تصريحاته المضمنة في المحضر ودون الرجوع إلى الوقائع المتعلقة بالحادثة مؤكدا أن  مسؤوليته تبقى  ثانوية في هذه القضية، لافتا الانتباه إلى أهمية تنازل عائلات الضحايا والذي  يعطي إشارة إيجابية حول وضع المتهم، وخلص بوعمري في حديثه ل " أنفاس بريس " إلى أن النيابة العامة التي تبدي حرصها على ضمان العدالة كان يفترض فيها الاكتفاء بمتابعة المتهم في حالة سراح آخذة بالاعتبار تنازل عائلات الضحايا.

من جانب آخر دعا بوعمري  دعا بوعمري الى توفير الحماية القانونية للجمعيات التربوية التي تنظم رحلات أو مخيمات لفائدة الأطفال لأنه في جميع الأحوال فالأمر يتعلق بعمل تطوعي ليست له أهداف تجارية أو ربحية، مشيرا إلى أن مثل هذه المتابعات تهدد بقتل روح التطوع الموجودة الآن على قلتها.

عبد العزيز الجناتي ( المحامي بهيئة طنجة ) يتقاسم هو الآخر وجهة نظره زميله بوعمري، مشيرا إلى أن المسؤول الرئيسي في هذه القضية هي الدولة في شخص وزارة التجهيز والجماعات المحلية الموكول لها صيانة الشواطئ  ووضع علامات التشوير وتحديد الأماكن المسموح بها بالسباحة، وفي غياب هذه العلامات تصبح مسؤولية المؤطر غير قائمة، كما أن غياب عنصر سوء النية كأحد عوامل الأركان المعنوية لكل فعل إجرامي أو فعل معاقب عليه يجعل المؤطر ( مدرب التيكواندو ) ضحية هو الآخر ويجعل من الجهات الأخرى  تتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية فيما يخص حادث غرق الأطفال وأوضح الجناتي أن اعتقال المؤطر في الشروط الراهنة، خاصة أمام تنازل ذوي حقوق الأطفال الضحايا والذين لديهم إصرار كبير لكي يكونوا سند أساسي للمؤطر يجعل الاعتقال فيه الكثير من التعسف. وأضاف قائلا " من حق النيابة العامة متابعة المتهم ولكن نحن نعول على جرأة القضاء لإنصاف هذا المؤطر الذي لم يرتكب في حقيقة الأمر أي خطأ  يعاقب عليه، فهو بنفسه تعرض لهذه الكارثة في شخص وفاة ابنته في حادث الغرق.

ولم يفوت الجناتي انتقاد تصريح رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بأنه أعطى توجيهات لجهاز العدالة لكي يأخذ هذا الملف منحى آخر، مشيرا أن الملف ليس ملفا للمزايدة السياسية محذرا من خطورة تدخل السلطة التنفيذية في توجيه القضاء.

.

 لكن بالمقابل يذهب محمد أحذاف ( الخبير في مجال القانون ) إلى أنه يمكن تكييف المتابعة ضد المتهم الرئيسي في هذه القضية ب " القتل الخطأ " منتقدا التطاول على سلطة القضاء على الشبكات الاجتماعية من خلال الحديث عن عدم مشروعية متابعة المتهم وأنه يتعين إخلاء سبيله من طرف من أسماهم ب " القضاة الجدد " الذين يشرعون بين أنفسهم ويقضون بين الناس ويصدرون أحكام إما بالإدانة أو البراءة والحال أن واقعة غرق الأطفال يتعين أن تترك لذوي الاختصاص، مشيرا إلى أن المتهم هو شخص غير مدان، لاسيما أن الدستور المغربي ينص على مبدأ قرينة البراءة كما أن المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية كرست نفس المبدأ إلى جانب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي فليس عيبا أن يوجه الاتهام إلى شخص بارتكابه الجريمة لأن الفيصل في ذلك يعود القضاء، داعيا المنظمات الحقوقية الى وجوب التركيز على أن تضمن للمتهم محاكمة عادلة وأن تتم في إطار الضمانات المخولة لجميع المواطنين الذين يمثلون في نفس القضايا أمام المحاكم.

وأوضح أحذاف ان القانون الجنائي المغربي وعلى غرار القانون الجنائي الفرنسي يشير بوجه صريح أنه لاعقاب عن الجناية وعن الجنحة إلا إذا ارتكبت عمدا، وهذا يعني أن المشرع المغربي والمشرع الفرنسي ربطا بين عقاب الشخص عن جريمة ( جناية أو جنحة )  وبين مبدأ وجوب أن ترتكب بطريقة عمدية، وهذا المبدأ ليس مطلقا ولا تترتب عليه استثناءات، فالقانون الجنائي المغربي وعلى غرار القوانين الجنائية المقارنة مثل القانون الجنائي الفرنسي والقانون الجنائي المصري والقانون الأمريكي والقانون الإنجليزي ، يعاقب على جرائم الإهمال، فهناك جرائم القتل العمد وهناك أيضا جرائم القتل الخطأ  التي ترتكب إما لرعونة أو عدم الاحتياط أو عدم التبصر أو الإهمال، وعموما- يضيف أحذاف -  فإن الفاعل الذي يتابع الآن من طرف النيابة العام لم يرتكب جريمة قتل عمدا ولكن الملاحظ من ظروف وفاة هؤلاء الأطفال غرقا في شاطئ واد الشراط أن الغرق  يعود إلى نوع من الإهمال أو عدم اتخاذ الاحتياطات الضرورية للحيلولة دون وقوع هذا الضرر، وحيث أن الأطفال يوجدون في عهدة هذا الشخص، فمن حيث المبدأ يعتبر مسؤولا مدنيا وجنائيا عن كافة الأضرار اللاحقة بهم، ويمكن تكييف وقائع القضية مبدئيا في خانة جرائم القتل الخطأ وهي جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بكل وضوح، بالتالي فلا مجال للصراخ يمينا وشمالا بوجوب إطلاق سراحه- يقول أحذاف –  مؤكدا أن النيابة العامة هي التي يتعين عليها إثبات  الخطأ أو عدم التبصر أو عدم الاحتياط الذي قاد إلى ارتكاب هذه الفاجعة.

أما فيما يتعلق بالنقاش حول مسؤولية الدولة فأشار أحذاف أنه يمكن نظريا الحديث عن مسؤولية للدولة وهي في جميع الحالات ليست مسؤولية جنائية بل مسؤولية مدنية تنحصر في صرف التعويضات وهي  تناقش في إطار القانون المدني وقانون الإلتزامات والعقود في المادة 89 وما يليها التي تنص صراحة أن الدولة مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها موظفوها وعلى هذا الأساس يتعين لمقاضاة الدولة أمام القضاء الإداري إثبات نوعية ومضمون الخطأ الإداري الذي ارتكب من الموظفين الموكول إليهم حماية هذا الشاطئ، ونظريا يمكن اللجوء إلى القضاء الإداري لمقاضاة الدولة، موضحا أن العجز عن إثبات الخطأ سوف يقود المحكمة إلى رفض الدعوى وعدم تحميل الدولة أية مسؤولية في الحادث.