الأحد 22 سبتمبر 2024
سياسة

الحسن اللحية: إصلاحاتنا الفاسدة، لماذا يجب إلغاء الباكالوريا؟

الحسن اللحية: إصلاحاتنا الفاسدة، لماذا يجب إلغاء الباكالوريا؟

ما الذي يفسد إصلاحاتنا التعليمية الفاسدة والصالحة منذ 1956 إلى اليوم؟ وهل فعلا كنا نفكر بمنطق الإصلاح حتى نفكر بمنطق غيره؟

إن المتتبع لتاريخ إصلاحاتنا في التعليم منذ 1956 إلى اليوم سيجد نفسه أمام مشاهد روائية تشبه روايات هتيشكوك البوليسية، بحيث تعتقد وأنت تتتبع أحداثها أن مفسد الإصلاح هم الجميع أو أن مصلحي الفساد أو الإصلاح هم الجميع كذلك. فأين الجاني إذن؟

إن لحظة التوقف عند هذا الحد من الفرجة، ونعني به لحظة الشك في الجميع كجناة، هو اللحظة التي تعاش في المغرب عند كل توقف/ تأمل/ أزمة ما أصابت التعليم منذ استقلال دولتنا الفتية إلى الآن. ومما يعنيه هذا الأمر أن الجاني- المفسد ليس واحدا وليس السبب وحيدا.

ذلك ما يمكن أن يستنتجه القارئ وهو يتتبع الإصلاحات الفاسدة منذ أكثر من خمسين سنة خلت. فقضايا إصلاحاتنا بالأمس القريب والبعيد هي قضايا اليوم وكأن المغرب لم يقطع يوما مع ماضيه، بل كأن المغرب مطمئن ليعيش ماضيه كحاضره، وبالتالي فإن كل طفرة عن الماضي تجعله يعيش التيه. وهكذا فإن المستقبل بالنسبة لإصلاحاته هي تلويك الماضي واجتراره بلغات وتعابير العصر، فتعدو بذلك إصلاحاتنا الفاسدة لحظات للتصالح مع الفساد والماضي. فهل الإصلاح هو اجترار الماضي؟

إليكم بعض ما نعنيه بذلك:

منذ أول إصلاح بالمغرب والجميع يطرح قضايا مثل التعليم العام والخاص دون أن يكون لنا قرار شجاع في لحظة تاريخية ما تنتصر علانية لأحد أطراف "الزوج" المطروح. ومنذ فجر إصلاحاتنا كذلك ونحن نطرح قضية التعريب واللغة الأجنبية الأولى والازدواجية اللغوية وهيكلة الأسلاك الدراسية، وتعدد أنماط التعليم ومشكل الآفاق أو المخرجات، بل منذ 1956 ونحن نتحدث عن محاربة الأمية والتربية غير النظامية بلغة اليوم (الفرصة الثانية)، والملاحظ أننا لم نقض على الأمية كأن المغرب محكوم عليه بأن يعيش الأمية الأبجدية بقدرية خاصة أو كأنه لا يستطيع أن يوجد بدونها لأنه مازال يردد نسبا مخيفة اليوم. فهل الأمية قدرنا؟ وهل الأميون رهائن من أجل شيء ما؟

قلنا ما زلنا نردد نفس القضايا منذ استقلالنا، ونضيف لمن يريد التأكيد أننا ما زلنا نتحدث مثلما تحدثنا في الماضي عن التكيف والملاءمة وقلة البنيات ووظائفية المؤسسات والبرامج والمناهج و الكتب المدرسية، والوحدة والتعدد، والطرق التقليدية في التعليم ، وهيكلة الأسلاك الدراسية والمخرجات، والمضامين والطرق التقليدية في التدريس ...إلخ، بل إن حديثنا اليوم هو حديثنا بالأمس عن المستوى الدراسي للمتعلمين ودرجات تمكنهم من اللغات والعلوم ...إلخ.

يخيل إليك وأنت تتصفح إصلاحات بنهيمة أو العابدة كأن الأمس هو اليوم. فمن أين جاء هذه الاستنساخ والتكرار، بل لماذا هذه السيزيفية القاتلة؟

مهما كانت الأحوال لن ننقلب إلى محقق في رواية هيتشكوك البوليسية لأن ما يهمنا هو المستقبل وليس الماضي، ما يهمنا أن يشكل الماضي لحظة للتفكير في المستقبل لا اجتراره أو تقمص شخصية القاضي المنحاز؛ ولذلك سأقول بأن المسؤول عن مفاسد الماضي هم نحن جميعا وأن الطريق نحو المستقبل هو رفض هذه اللجن الفاسدة وخلق مسافة معها. ولن يكون ذلك إلا باستعادة التفكير الجماعي في التعليم: أي تعليم نريد للمستقبل؟ وكيف يكون التعليم هو مستقبلنا؟

إن الطريق واضح وبداياته ابتدأت مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمفروض الآن هو التفكير في ميثاق جديد يواصل الحوار مع الميثاق (القديم)، مستحضرا المغرب في آنيته ومستقبله وكونيته وعالميته.

وبناء على ذلك نريد نخبا منخرطة في الإصلاح لا النخب التي تتبرأ من الإصلاح بتركه، نريد نقابات تفكر في ما ينبغي لا نقابات تفكر في المطلب وحده، نريد مدرسين ومدرسات ومفتشين وغيرهم مسؤولين فكريا وقيميا وثقافيا لا مدرسين أو غيرهم يقومون بوظائف فقط...إلخ.

إن ميلاد إصلاحنا هو ميلاد دولتنا الوطنية المغربية المتعددة المتنوعة ولنا في الهند وكندا وغيرها من الدول خير مثال على ذلك.