الأحد 22 سبتمبر 2024
سياسة

عفوا شيخ الشباب.. ارحموا هذه الطفولة، ارحموها حتى تكمل مشوار الحياة (مع فيديو)

عفوا شيخ الشباب.. ارحموا هذه الطفولة، ارحموها حتى تكمل مشوار الحياة (مع فيديو)

كمثلهم من أطفال العالم، الذين لا تسعهم فرحة وهم يغادرون بيوتهم صباح آخر أيام الأسبوع لقضاء يوم كامل في أجواء الاستمتاع والتنفيس عن ضغط الدراسة والتزامات الفصول، كان إحساس صغار أعضاء جمعية "النور" للتيكواندو بمدينة بنسليمان، فتأبطوا حقائبهم قبل أن يقبلوا آباءهم وأمهاتهم على أساس أن يتجدد اللقاء بهم نهاية اليوم. لكن ما لم يعره هؤلاء البراعم اهتماما، كما لم يخطر على بال أحدهم، هو محاولة التفكير لحظة بأن القدر ينسج لهم في الجهة المقابلة مصيرا مؤلما، ليُحول رحلتهم التي اعتقدوها مؤقتة إلى أخرى أبدية وبلا عودة.

صغارنا وهم الآن إلى جوار ربهم، لم يمرضوا أو لازموا فراشا أو حتى أصيبوا بأزمة نفسية قاتلة، وإنما ابتُلعوا بما في الكلمة من معاني سرعة التنفيذ وصدمات الغدر المباغثة، مخلفين وراءهم ذهولا لا يمكن مقارنته إلا بذاك الذي حل قبل شهور على إثر فاجعة طانطان، وقبلها باقي فواجع المخيمات الصيفية وحفلات الحناء التي لم ترحم نشئا يتلمس طريقه نحو إثبات الذات والبحث له عن موطئ قدم فوق أرضية هذه الحياة اللعينة. فجاء الدور يوم أمس الأحد (7 يونيو 2015) على المياه بعد النيران لتتواطأ مع قلة الحرص والعناية البشرية في تعميق الإهمال التي تعانيه هذه الشريحة عموما، وما تقاسيه من مشاكل من المفترض ألا يكون لها محل بين من يعتبرهم الوطن عماد مستقبله والرافعة المعول عليها للدفع قدما بعجلاته.

1

صحيح أن أخبار الوفيات لا تنقطع عن الاسترسال ما دامت هناك حياة، غير أن وقعها أشد ما يكون حين يرتبط بمفقودين لم يأخذوا بعد حظهم من العيش، وفاجأهم الموت في عمر الزهور. حينها يغيبون وتغيب معهم أحلام وطموحات وأماني بريئة، والأفظع عندما يكون هذا الحرمان نتيجة تهاون في تحمل المسؤوليات.

فالجميع ومن منطلق الإيمان بالقضاء والقدر، قد يوافق على أن الحدث "مقدر ومكتوب"، إنما لا يعني ذلك إغفال النظر بعين المتابعة لكل من ثبت ضلوعه في حلول الكارثة، خاصة وأنها ليست المرة الأولى أو حتى الثانية التي يسقط فيها أطفال المغاربة ضحية عبث من يكبرونهم سنا، ومن مواقع مختلفة.

ولعل مما يزيد المأساة حرقة، كونها ضمت أبطالا شقوا طريقهم نحو إعلاء أسمائهم في عالم النجومية، ويكفي التذكير بالطفلة فدوى الوردي، ذات الـ 16 سنة، بطلة إفريقيا في رياضة التيكواندو، والتي كانت هي الأخرى ضحية فاجعة بوزنيقة لتحرم من الاستعدادات التي كانت بصددها من أجل المشاركة في بطولة العالم. كان هذا مثال فقط، بحكم أن جميع الأطفال أبطال، ومن الممكن أن نصنع منهم كل ما يتغياه هذا الوطن من نساء ورجال الغد.

3

الملك محمد السادس كعادته لا يتأخر ثانية في التعبير عن قلقه كلما بلغ إلى علمه حدث من هذا القبيل، ومبادرته إلى إصدار أوامر نعرفها جميعا.. لكن، وللأمانة، ماذا بوسع رئيس البلاد أن يفعل وهو الذي تتوزع انشغالاته على أكثر من صعيد، أينكب على ملفات العجزة والشيوخ، أم على قضايا النساء، أم المعاقين، أم العاطلين، أم الفقراء المهمشين، أم المهضومة حقوقهم والمظلومين، أم على مشاكل الأميين، أم شكاوى المثقفين، أم مصائر الرياضيين، أم يراقب تعثرات وإخفاقات السياسيين؟؟؟

هذا في الوقت الذي لا مجال للتذكير بالغاية التي وجدت لأجلها حكومة ووزراء إلى جانب حشد عرمرم من مساعديهم. وحتى لا نتيه في عالم هؤلاء الملقبين بـ "المسؤولين" بمختلف اختصاصاتهم، تقودنا فاجعة أمس إلى التركيز اللحظة على وزارة الشباب والرياضة. هذه الأخيرة التي يأتي على رأسها المسؤول الحكومي "الشاب" امحند العنصر، والبالغ 71 سنة فقط، لم نسمع لها صوتا على الرغم من مرور 24 ساعة على الحادث، وكأن الأمر يعني بلدا في كون آخر، ولا يرتبط بأبناء بلدها، بل الخاضعين، وهذا هو المفترض واقعيا، لحمايتها والدفاع عن مصالحها.  وليس المقصود تحديدا سماع صوت الوزارة لمجرد ذر الرماد في العيون وتلاوة تلك العبارات المصكوكة والمتخمة بأقاويل الأسى والأسف، لأن الجميع باستطاعته التنديد ولو كان من ساكنة زُحل ولا يعلم موقع المغرب على الخريطة، لكن العبرة في اتخاذ قرارات لا تحتمل التأجيل، حتى يحس المغاربة، وليس ذوي الضحايا فحسب، بأن هناك من يحيطهم بما يستحقونه من واجب الاعتناء وحفظ الكرامة الإنسانية قبل أي اعتبار آخر. أما أن نظل نسمع عن احتراق أطفال هنا، وغرق أطفال هناك، وتعرض صغار للاغتصاب في الشارع، وهلاك البعض بسموم المخدرات وسهام الزواج المبكر، فضلا عن ألغام الأمية دون ردة فعل موازية، فذلك ما يعد قمة الاستهتار والمغامرة بمستقبل بلد ككل.

الفاجعة حدثت الآن، وكما يقول المغاربة "البكاء على الميت خسارة"، إنما ليس المقصود بقاء شيخنا العنصر ومن يدور في فلكه خارج التغطية، وعدم الظهور إلا لخدمة أجندة معينة، ولكن لرد الاعتبار لـ 40 مليون مواطن يكتوون كل مرة بفقدان فلذات كبدهم دون حق ولأسباب من الخجل تعريتها للعالم ونحن في سنة بلغ رقمها 2015. فقلوب الشعب تعتصر يا العنصر، وعقولهم تكاد تشل عن الفهم وهي عاجزة عن معرفة جدوى هذه الوزارة طالما أن سعير الحرب ضد شباب في مقتبل العمر سارية في الامتداد دون رحمة أو شفقة. وحتى إن كان هناك من يغالط فطرته خوفا على مصلحة، فيجب أن يقتنع بأن التاريخ لا يخشى أحدا، والأكيد أنه يسجل وعلى استعداد دائم لفضح المستور في كل وقت وحين.. فرجاء، ارحموا هذه الطفولة، ارحموها لتكمل مشوار الحياة.

رابط الفيديو هنا