السبت 21 سبتمبر 2024
سياسة

الأستاذ عبد الصمد خشيع: مسودة مشروع القانون الجنائي وسعت من مفهوم التحرش الجنسي

الأستاذ عبد الصمد خشيع: مسودة مشروع القانون الجنائي وسعت من مفهوم التحرش الجنسي

أثار موضوع المسودة الجديدة للقانون الجنائي جدلا كبيرا وواسعا بين مختلف الأوساط، باعتباره النص الثاني بعد الدستور. ففي الوقت الذي يصفها البعض بالمشروع الرجعي الذي بني على مرجعية دينية أخلاقية سياسية، لكونه يجهز على الحريات والحقوق، حيث يبقي على جريمة الإعدام ويجرم العلاقات الجنسية الرضائية بين الجنسين، ويشدد من العقوبة في المجاهرة بالإفطار العلني لشهر رمضان، يرى المصطفى رميد وزير العدل والحربات خلاف ذلك، حيث عرض، خلال ندوة وطنية، نظمت في الموضوع يوم 20 أبريل الماضي بالرباط، مضامين المسودة، مشيرا إلى أن المسودة مستمدة من الدستور والحوار الوطني حول إصلاح العدالة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. "أنفاس بريس"، في إطار مواكبتها للموضوع، اتصلت بالأستاذ عبد الصمد خشيع المحامي بهيأة خريبكة، والذي وافاها بالقراءة التالية :

"تغلب على آراء الفاعلين في الحقل السياسي والحقوقي والمدني عدة خلافات بشأن مضامين مشروع القانون الجنائي، وهي خلافات لم تنشأ بالصدفة، بل قررتها التباينات في المشارب الفكرية والعقائدية، وكذا التباعدات في الانتماءات الاجتماعية.

وبعد تفحص مسودة مشروع القانون الجنائي يمكن تبويبه إلى أربعة مستويات :

المستـوى الأول: يتعلق بجرائم جديدة:

إن ما يطالعنا في المستجدات في مجال التجريم في علاقته بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، هو التنصيص على إدراج جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ملاءمة مع اتفاقيات جنيف الأربعة المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، ونظام روما الذي يشكل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 5-448 ) وما بعدها، ثم تجريم الارتزاق والاحتفاء االقسري والاتجار في البشر، وتجريم التحريض على الكراهية (المادة 431) وتجريم ازدراء الأديان (المادة 219 وما بعدها) وتجريم تهريب المهاجرين.

أما في مجال حماية الأسرة والطفولة والمرأة، فقد نص المشرع الجنائي على تجريم ترك إهمال المساعدات الزوجية، وكذا الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، ثم تجريم الإكراه على الزواج، وتجريم تبديد الزوج لأمواله للتحايل على مستحقات النفقة والسكن أو المستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية واقتسام الممتلكات، علاوة على تشديد عقوبة السب والقذف إذا استهدفت المرأة بسبب جنسها (المادة 444).

ويبدو أن المشرع قد ضيق الخناق على الجناة الذين يستهدفون القاصرين في جميع الحالات، إذ أنه استثنى الاستغلال الجنسي للقاصرين من تطبيق العقوبات البديلة، وشدد العقوبة في حالة تجنيد المرتزقة قاصرين للقتال أو إذا وقع استدراج الأطفال لدور القمار واليانصيب، كما أنه عمد إلى تشديد العقوبة من أجل تسهيل الحصول على المخدرات إذا استهدف قاصرا أو وقع في المؤسسات التربوية، واعتبر هتك عرض القاصرين جناية (المادة 484)، كما نص على عدم إعمال ظروف التخفيف مطلقا في الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين بصفة عامة (المادة 493) وعلى اعتبار القاصر ضحية تحريض على البغاء في جرائم الفساد والخيانة الزوجية التي تجمعه بالرشداء، كما رفع العقوبة في جريمتي تحريض القاصرين على البغاء واستغلالهم جنسيا في الدعارة واعتبارهما جناية (المادتين 493، 499)، وشدد عقوبة التحرش الجنسي إذا ارتكب في مواجهة قاصر.

أما في مجال حماية المال العام، وترسيخا للشفافية والنزاهة واستقلال القضاء، فقد ورد في مسودة المشرع، تجريم الأضرار بالتنافس الحر وحرية الولوج إلى الصفقات العمومية، وتجريم استفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية المتعلقة  بالاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ، وكذا تجريم الرشوة في القطاع الخاص (المادة 249) وتجريم الإثراء غير المشروع، كما جرم التسبب في تأخير المساطر القضائية بسوء نية، وتأخير أو الامتناع عن تنفيذ مقرر قضائي، وتناول إعادة صياغة المقتضيات الخاصة بالتأثير على القضاة (المادة 266)، التصريح بالممتلكات، وأقر مسؤولية الشخص الاعتباري في جرائم الرشوة واستغلال النفوذ، وتوسيع جرائم الرشوة لتشمل الموظف الأجنبي.

المستوى الثـاني : يتعلـق بجرائـم تمـت مراجعة أركانها:

تمت مراجعة أركان بعض الجرائم المرتبطة أساسا بمجال حقوق الإنسان من جهة وبمجال العنف والاعتداء الجنسي وحماية الحياة الخاصة من جهة ثانية.. وهكذا فقد ورد في المسودة إعادة تنظيم مقتضيات التعذيب وعدم حصره على التعذيب المرتكب من طرف الموظف العمومي وتخصيص فرع مستقل به، وبإعادة تنظيم جريمة التمييز بتوسيع مجال التجريم وأهدافه (المادة 431 وما بعدها) ثم إعادة تنظيم جريمة التسول، وذلك بتشديد العقوبة عند استغلال الغير بقصد الربح الشخصي، ولاسيما استغلال الأطفال والأشخاص الذين يعانون من وضعية صعبة بسبب كبر السن أو المرض أو الإعاقة، وكذا ممارسة التسول في إطار عصابة إجرامية منظمة (المادة 326 وما بعدها).. أما فيما يتعلق بحماية الحياة الخاصة، فقد تم إعادة تنظيم جرائم العنف بمختلف أنواعه وتحديد شكليات الشواهد الطبية المعتمدة لإثبات العنف (المادة 400) فضلا عن إضافة ظرف تشديد في جرائم العنف يتعلق بالحرمان الجزئي من منفعة عضو، والأهم من ذلك توسيع مفهوم التحرش الجنسي ليشمل الفضاءات العمومية وزملاء العمل والتحرش الجنسي عبر الوسائل الإلكترونية مع تشديد العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل (المادة 1-1-503)، ثم التنصيص على تجريم المس بالحياة الخاصة عن طريق بث أو توزيع صور أو تركيبات مسجلة وغير حقيقية دون علم صاحبها أو وقائع غير حقيقية بقصد التشهير بالأشخاص (448).

المستوى الثالث : يتعلق بإدماج وتغيير ونسخ نصوص كانت مقررة في نصوص خاصة:

ويتعلق بإعادة تنظيم جرائم المخدرات والمؤثرات العقلية، وكذا تنظيم جرائم الغش في الامتحانات والمباريات العمومية، ثم تجريم الاتجار بالأعضاء البشرية وإعادة تنظيم جريمة السكر العلني البين.

ثم تم تغيير موقع بعض الجرائم من بينها تنظيم جرائم تحويل الطائرات وإضافة الاستيلاء على السفن وباقي وسائل النقل العمومي، والجماعية، وإعادة تنظيم جرائم التخريب والتعيب والإتلاف، كما تم نسخ مواد كانت في نصوص قانونية خاصة كجرائم الشيك والتفالس والاعتداء على الملكية الأدبية والفنية.

المستوى الرابع : يتعلق بالعقوبة:

من أهم ما استهدفته مسودة مشروع القانون الجنائي، الحفاظ على شرعية العقوبة وشخصيتها وتفريدها، كما تم تقليص الفوارق بين الحدود الدنيا والقصوى للعقوبة لضبط السلطة التقديرية للقاضي، ومنح المحكمة صلاحية التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات، دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها، ثم توسيع الأعذار القانونية المعفية من العقاب أو المخففة منها كظروف الجاني الاجتماعية والصحية والاقتصادية، وكذا التنصيص على أن الصلح أو التنازل عن الشكاية في الحالات التي يجيزها القانون يضع حدا لتنفيذ العقوبة والتدابير الشخصية دون العينية.

وقد تم إقرار تقسيم ثلاثي جديد للعقوبة إلى عقوبات أصلية وبديلة وإضافية، كما تم حذف عقوبتي الإقامة الإجبارية والتجريد من الحقوق الوطنية من العقوبات الأصلية الجنائية.

أما بالنسبة لعقوبة الإعدام فقد تم التقليص منها في عدد مهم من الجرائم باستثناء الجرائم الخطيرة والرهيبة والبشعة، حيث تم تخفيض عدد المواد التي كانت تعاقب بالإعدام والتي كانت محددة في 31 مادة إلى 11 مادة والمتعلقة تحديدا بجرائم القتل المشدد، وبعض جرائم الإرهاب، وجرائم القتل المشدد المرتكبة في إطار القانون الدولي الإنساني، ثم جرائم المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي.

والملاحظ من خلال المواد المذكورة آنفا، أن مسودة مشروع القانون الجنائي لم تلامس بشكل دقيق جريمة التعذيب بشقيها النفسي والجسدي الذي يتعرض له المشتبه به أو المودع تحت الحراسة النظرية، وحصنت ضابط الشرطة القضائية من أي مساءلة إدارية أو قضائية، إذا تعلق الأمر تحديدا بالتعذيب النفسي الذي لا يمكن إثباته بأي حال من الأحوال، على الرغم من أنه من أخطر الوسائل المعتمدة في التأثير على إرادة المتهم وحريته في التصريح أو عدم التصريح في محاضر الضابطة القضائية المعتمدة في المحاكمة إدانة أو براءة. كما أن المشروع كرس مقتضيات المادة 406 المتعلقة بالمشاجرة الناتج عنها تبادل الضرب والجرح، والتي تضع كلا الطرفين في موقف واحد، ترتب المتابعة لكليهما، مع أن الأصل يستلزم متابعة الفاعل المعتدي دون المعتدى عليه، ويمكن الجزم بأن المشروع أحاط القاصرين بنصوص زجرية صارمة إذا كانوا ضحية اعتداء أو تحرش أو هتك العرض وأصبح يكتسي فعل  الاعتداء عليهم جناية بدلا من الجنحة .

ويمكن أن نستنتج أن مسودة مشروع القانون الجنائي وردت انسجاما مع خصائص القاعدة القانونية، التي تتسم بكونها قاعدة اجتماعية ومجردة وملزمة وسلوكية، أي أنها وليدة مجموعة من التجاذبات المتحكمة في النسق الاجتماعي تحديدا.