الجمعة 26 إبريل 2024
في الصميم

"الشوباني ومقدمة بن خلدون"!

"الشوباني ومقدمة بن خلدون"!

ليست هناك مساحات خاصة في السلوك الفردي للشخصيات العمومية، خاصة تلك التي تتولى تدبير الشأن الحكومي. إنها القاعدة المعمول بها في كل دول العالم. ولنا في المشاكل البيتية أو في الفضائح الجنسية للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي، وللرئيس الفرنسي السابق ساركوزي مع سيسيليا، وللرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند مع تريرفيلر، وللمدير العام السابق لصندوق النقد الدولي ستراوس كان مع خادمة غرفة الفندق، وغيرهم من رؤساء الدول والحكومات في ماليزيا وإسرائيل وبريطانيا وألمانيا... أبلغ الأمثلة.

وما يوسع المساحة الخاصة في سلوك الوزيرين البيجيديين سمية بنخلدون (وزيرة البحث العلمي) والحبيب الشوباني (وزير العلاقة مع البرلمان) أن الزواج يأتي في صيغة التعدد، الأمر الذي يفضح الوجه المنافق لشخصيات تتدثر بالعباءة الدينية، ولحزب يدعي أنه دخل حلبة السياسة من زاوية الاعتدال. والحال أن الوزيرين يخرقان بهذه النازلة، أخلاقيا، بنود دستور 2011 الذي متع المرأة المغربية بوضع اعتباري غير مسبوق بتزكية حقها في المساواة، وبإقرار حقها الجديد في المناصفة.

والحال كذلك أن النازلة تنسجم مع ما يردده رئيس الحكومة نفسه بخصوص وضع المرأة التي يراها مجرد ثريا تضيء البيت، وتوفر الراحة للزوج والأبناء. مثلما تعرب «فلتاته» اللسانية تلك عن جوهر السلوك الخفي كما حصل حين تحدث تحت قبة البرلمان عن «أن ديالو الذي يملكه هو الأكبر» من "ديالها"!ومع ذلك فإن ما أذهل المغاربة الحالمين بالحداثة والديمقراطية والتسامح، ليس فقط هذه المسألة المرتبطة بالأحوال الشخصية ذات البعد العمومي، ولكن ما أذهلهم إلى حد الصدمة هو أنهم يرون أن الحكومة صارت تتحرك داخل ملعب ضيق بلا عشب ولا حكام ولا جمهور ولا أخلاق.

لقد أصيب أفق الانتظارات في مقتل. وإلا ما معنى أن يختار الوزيران "الإسلاميان" ضرب «عقد النكاح» في زمن حداد إثر فاجعة طانطان التي اعتبرت كارثة وطنية بكل المقاييس؟ ونحن نعرف أن المغاربة البسطاء قد تعودوا أن يؤجلوا كل أفراحهم حين يصاب الجيران بمكروه ما.

إن لهذا السؤال جوابا واحدا: البؤس السياسي والأخلاقي للسلوك الحكومي. ذلك أن المغاربة الذين صوتوا بنسبة عالية على الدستور الجديد، وسعدوا بإجراء الانتخابات التشريعية في أجواء نزيهة سنة 2011 يجدون أنفسهم في حالات استياء بليغ يعمق آثار الفشل الذي عبرت عنه الحكومة الملتحية في مجالات الاقتصاد والمجتمع والثقافة، وغيرها من علامات الانتحار السياسي.

في هذا السياق المضطرب تتموضع نازلة زواج الوزيرين. ولذلك ليس هناك أبلغ من تعليق أحد المواطنين الذي تساءل حول ما إذا كان انشغال الوزيرين "لكوبل" سمية والحبيب بإقامة علاقة الحب، وبالاستعداد العاطفي والزمني للزواج قد تطلب منهما زمنا طويلا هو في الأصل مقتطع من الزمن الحكومي.

ومن ثم يكون التساؤل مشروعا حول ما إذا كان يتعين على الوزيرين أن يرجعا المال العمومي الذي تقاضياه كراتب شهري طيلة فترة الحب والخطوبة والزواج. وما يؤكد مشروعية هذا التساؤل هو ضحالة المردودية الحكومية في المجالات التي يشرف عليها الوزيران (العلاقات مع البرلمان، والمجتمع المدني والتعليم العالي والبحث العلمي)، وهي الضحالة التي يمكن توثيقها في كتاب: "الشوباني ومقدمة بن خلدون"!

إن لنازلة زواج «لكوبل» الحبيب بسمية أربعة أبعاد على جانب كبير من الخطورة:

- البعد الأول: تتفيه السياسة التي لم تعد هنا فن الممكن الذي يعني تدافع الأحزاب من أجل استلام السلطة لتدبيرها في المجال العمومي. ولكنها أصبحت بمشيئة الوزيرين لعبة قذرة ترسم «بروفيلا» هشا للشخصيات العمومية. ولهذا البعد مخاطر حقيقية في جعل المواطنين يسخرون من الساسة والسياسيين، ويشعرون نتيجة ذلك باليأس، وبلا جدوى السياسة والأحزاب...

البعد الثاني: إطفاء جذوة الأمل في ما تبقى من سلوك الحكومة الحالية التي كان المغاربة يعتقدون أنها ستتجاوب مع وعود البرنامج الانتخابي الذي دافع عنه حزب العدالة والتنمية بخصوص الرفع من القدرة الشرائية، ومن نسبة النمو، وإيجاد حلول لمعضلات التشغيل والتطبيب والتعليم، ومحاربة الفساد واقتصاد الريع... وتتمثل خطورة هذا البعد في كون أطروحة محاربة الفساد بخلفيتها البيجيدية المرتبطة بالدين والسياسة والاقتصاد تتصدع اليوم أمام سلوك لا يراعي مشاعر الناس، ولا أفكار التحديث، ومن ثم فهو سلوك فاسد.

- البعد الثالث الذي يعزز تتفيه السياسة، وتعطيل الأمل العمومي فيتعلق بالتشويش على المسالك الدستورية التي يسير على هديها المغرب في السنواتالأخيرة.

- أما البعد الرابع فيتجلى في «المكسب» الذي سيبقى مرتبطا بالحكومة الملتحية، ألا وهو أنها حكومة اغتالت السياسة والإيديولوجية وأسست لعهد جديد في الممارسة السياسية قوامه «الفرجة» أو "لفراجة" Spectacle

لقد نهج الملك محمد السادس منذ توليه الحكم سلوكا حداثيا حين قرر أن يظهر لشعبه، لأول مرة في تاريخ الملوك العلويين، شريكة حياته. وأن يسند إليها مهاما إنسانية رفيعة، سواء ما تعلق منها بمحاربة الهشاشة الاجتماعية، أو ما تعلق بتمثيل المغرب الرسمي في المحافل الدولية. وهو ما يعني موقفا أخلاقيا يكرم المرأة المغربية ويضعها في المكانة الجديرة بها. لكن سلوك "الوزيرين/ لكوبل" يناقض هذا الموقف، مثلما يناقض الوثيقة الدستورية والبرنامج الحكومي، وكل الاعتبارات الدستورية التي توافق حولها المغاربة.

هي أربعة أبعاد تمنح للسواد الأعظم من المغاربة المشروعية في أن يطالبوا باستقالة حكومة النفاق وحكومة «مقدمة بنخلدون»، لا فقط لأنها تخالف ما تعد به، أو لأنها تسيء إلى المرأة وإلى الأسرة المغربية بشكل عام، ولكن لأنها كذلك تمعن في ممارسة العبث، وتعيث في البلاد فسادا ضمن سياق وطني يحبل بالكثير من علامات التوثب والانكسار في الآن ذاته. ولذلك تتحمل هذه الحكومة كل المسؤولية في ما قد يترتب عن سلوكها العبثيالمتمادي، والذي لا تكفي لمجابهته مسطرة الاستقالة، بل المحاسبة كذلك، لأن العبث في القيم والأخلاق والمشاعر أخطر وأفظع من العبث في المال والسياسة والمجتمع.