الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد سليكي: حداد على الضمائر.. مرافعة "ضد الحكومة"

محمد سليكي: حداد على الضمائر.. مرافعة "ضد الحكومة"

"سيدي الرئيس،

أصدمت بالمستقبل،

نعم، صبي من الذين حكم عليهم أن يكونوا ضمن أطوبيس الموت، رأيت فيه المستقبل الذي يحمل لنا طوق نجاة حقيقي.

رأيت أننا نسحقه، دون أن يهتز لنا جفن، نقتله، ونحن متصورون أن هذه هي طبائع الأمور.

إن هذه جريمة، جريمة كبرى، لابد أن يحاسب من تسبب فيها، إني لا أطلب سوى محاسبة المسؤولين الحقيقيين، عن قتل 20 تلميذا لم يذنبوا، شيئا، سوى أنهم أبناؤنا..

أبناء العجز والإهمال والتردي..

سيدي الرئيس،

كل ما أطالب به، أن نصلي جميعا، صلاة واحدة لإله واحد، إله العدل الواحد، الأحد القهار.

لست صاحب مصلحة خاصة، وليس لي سابق معرفة بالأشخاص الذين أطلب مساءلتهم، ولكن لدي علاقة ومصلحة بهذا البلد.

لدي مستقبل هنا أريد أن أحميه.

أنا لا أدين أحدا بشكل مسبق، ولكن أطالب المسؤولين الحقيقيين عن هذه الكارثة بالمثول أمام عدالتكم، لسؤالهم واستجوابهم، فهل هذا كثير؟

أليسوا بشرا خطائين مثلنا؟ أليسوا قابلين للحساب والعقاب مثل باقي البشر؟

سيدي الرئيس،

أنا، ومعي المستقبل كله، نلوذ بكم، ونلجأ إليكم، فأغيثونا، أغيثونا، أغيثونا، والله الموفق، أغيثونا".

لقد اختزل هذا المقطع من سيناريو فيلم "ضد الحكومة" الشهير عند المواطن العربي، ربما الكثير مما يختلج في نفوس قواعد واسعة من أبناء هذا الوطن، وهم ينتظرون في فجعهم الجلل القادم من طانطان، طي أعلام الحداد على الضمائر لفائدة قيام مرافعات محاسبة المسؤول أمام المحاكم.

يروي فيلم "ضد الحكومة"، الذي يعكس واقع علاقة مسؤولين مع فواجع أفلام الرعب الحقيقة في حوادث السير ببلادنا العربية، قصة محام جسد دوره الممثل الكبير الراحل أحمد زكي، كان قد طلب وسط تهديدات محامي الحكومة، بمحاكمة وزراء في النقل والتعليم اثر حادثة صدم قطار لحافلة نقل مدرسي، أسفرت عن مقتل 20 طفلا.

أحداث هذا الفيلم المستوحى من قصة واقعية لحادثة محطة أسيوط الأولى، تتقاطع فصولها مع مأساة حادثة صدم قطار مراكش عام 2012 لحافلة نقل مدرسي ببنجرير قبل فاجعة حافلة طانطان، وكلهما وقعا على عهد حكومة عبد الإله بن كيران ووزيره عزيز الرباح.

كان الممثل أبو بكر عزت، وهو محامي الحكومة، في مواجهته لمرافعة زميله ضد الحكومة، يحاول أن يلقى باللوم على الموظفين الصغار مثل "سواق الأتوبيس وعامل التحويله" حتى لا تسقط الفاجعة بالرؤوس الكبيرة. أي العامل البشري، كما تقول "التقارير المغربية" عندنا في حوادث سير سابقة.

ففي الثاني والعشرون من شهر ماي من عام 2012، سيفجع المغاربة في مصرع أربعة تلاميذ وإصابة 16 آخرين بجروح٬ خمسة منهم سجلوا في جناح الخطر، والسبب دهس قطار للمسافرين كان متوجها إلى فاس، حافلة للنقل المدرسي كانت تقلهم على مستوى أولاد حسون الحمري قرب مدينة ابن جرير، وقتها لوح عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة بـ "الاستقالة" إن تكررت فاجعة من فواجع حوادث السكك الحديدة، دون أن يقيل الوزير الرباح.. فأعلن حداد على الضمائر، دون قيام مرافعة "ضد الحكومة".

ولم تمر على تلك  الفاجعة سوى خمسة أشهر، حتى فجع المغاربة في مصرع 42 مواطنا مغربيا وإصابة 24 آخرين بجروح٬ في طريق تيشكا أو طريق الموت، فلم يف رئيس الحكومة بوعد تقديم الاستقالة، ولم يقل وزيره في النقل والتجهيز ولم يقدم أي من المسؤولين الكبار للمساءلة.

بعد نصف عام على حادثة ابن جرير وربط رئيس الحكومة استقالته بتكرار فواجع قطارات الخليع وطرقات الموت، سيصدم المغاربة بعجن سيارة عائلة تحت عجلات قطار محطة تازة.. عندها من جديد، لا حكومة استقالت، ولا مرافعات رفعت، وحده "الفايسبوك"، سينبري لمواجهة محامي الحكومة.. وهو يلبس ثوب حداد على موت ضمائر الكبار.

استمرت يد المنون دونما توقف في سرقة أرواح المغاربة في طرقات الموت وسكك الخليع، حتى اهتز الوطن في 17 من غشت الماضي لفاجعة تصادم قطارين وسقوط قتيل و32 جريحا.. لتؤكد الضمائر الغائبة إخلاصها من فاجعة لأخرى، لسنتها في هدرها الزمن الدستوري، وتعطيل تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

بتوالي الكوارث، مسحت تعازي ملك البلاد دموع عدد من ضحاياها، بقي الوزير هو الوزير والحكومة هي الحكومة، حتى نزل بالوطن الفجع الأكبر، وهو يستفيق الجمعة الماضي، على نبأ الفاجعة القادم من طانطان.

فاجعة مقتل 35 طفلا ورياضيا، لا ذنب لهم سوى وجودهم بحافلة ركبت مجاهيل طريق ما هي بطريق، لا ينتظر معها كل من له ضمير، أن تمر بإعلان حداد على الشهداء والضمائر.. بقدر ما ينتظر وطن مكلوم ومواطن مصدوم.. مرافعة حقيقية"ضد الحكومة".