الأربعاء 30 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: ماذا تبقى من المفهوم الجديد للسلطة؟

عبد الحميد جماهري: ماذا تبقى من المفهوم الجديد للسلطة؟

أصبح رجال السلطة وبنياتها، في الآونة الأخيرة موضع اهتمام رباعي الدفع، من طرف المؤسسات والرأي العام والحكومة والفاعلين السياسيين.

وكانت المناسبات، المتقاربة زمنيا، ومتنوعة من حيث الموضوع، فرصة لكي تطفو على السطح أسئلة السلطة الترابية، كما تريدها الوقائع الراهنة.

فقد تابع الرأي العام المناقشات الساخنة بمناسبة تقديم مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات المحلية وبالمكانة المركزية التي أصبحت للسلطات الوصية، من خلال العمال والولاة، في التدبير اليومي للحياة الجماعية، في المدن وفي القرى، وهو التركيز الذي يتم على حساب السلطة الانتخابية للفاعل السياسي، ويزيد من عزلة المنتخب في وسطه الحيوي، ويقلص كثيرا من الآثار الايجابية لمبدأ الربط الدستوري بين المسؤولية والمحاسبة. واتضح لدى الأكثر تشاؤما أن الجماعات، في نهاية التحليل ستصبح ملحقات للسلطة الوصية، وأن المنتخبين سيصبحون مستشارين، يتحملون المحاسبة بدون مسؤولية .

وخلاصة هذا التوجه، هو أن الديمقراطية الاقتراعية ستفسح المجال للتدبير الإداري لمجالات اختصاصها.

وكان لافتا أن هذا التوجه، يتعزز بإعطاء كل الصلاحيات للولاة، في مشاريع إنشاء الشركات الجماعية للتنمية، التي تعد، في حقيقة الأمر، فرعا للتوجه الكبير الذي جاءت به القوانين الانتخابية، لتنظيم الجماعات والأقاليم والجهات.

وهو ما يزيد من الاحتياطي المالي لسلطات الوصاية ومجالات صرفها وتوجيهها في المعيش اليومي وفي تدبير المجالات الحضرية.

ولا يقف اكتساح النفوذ المتزايد للسلطات، عند النفوذ الذي يمتلكه المنتخب أو المفترض فيه أن يشارك فيه المواطنون، عبر ممثليهم وباسم الديمقراطية التمثيلية، بل يتعداه إلى دوائر أخرى بينها تقرير المجلس الاجتماعي الاقتصادي البيئي، برئاسة الوزير السابق نزار بركة.

وأول مجال هو العمران (كما لو بالصدفة) عبر الرخص الاستثنائية. ويتبين أن وثائقه هي بذاتها تصبح، مثل المنتخبين والفاعلين الجماعيين في وضع استشاري لا أكثر ولا أقل.

وقد ورد في التقرير المذكور أن "تعميم العمل بمسطرة الاستثناء يؤدي إلى المساس بالتوجهات الكبرى لوثائق التعمير وبمقتضياتها. هكذا تفقد هذه الوثائق قوتها القانونية، لتختزل إلى مجرد وثائق استشارية".

وبعيدا عما تخلقه الرخص الاستثنائية من أوضاع تثير في أحيان ما الشبهة في منحها، فإن البلاد أيضا تصبح، بعد الرخص الاسثنائية التي قدمها رجال السلطة، في وضع مثير حيث "مسطرة الاستثناء تحول دون إدراج سياسات إعداد التراب في منظور تنموي مجالي مستدام، نظرا لكونها تغير جذريا توجهات إعداد التراب المتضمنة في وثائق التعمير.

خلق نوع من الاضطراب في التدبير العمراني والتخطيط المجالي، من خلال كلفة إضافية غير مقررة"..

والدولة ذاتها تكون ضحية يدها اليمنى، أي السلطات الوصية. يتضح من هكذا تقرير أن "نظام الاستثناء يحرم الدولة من وسائل مالية في إطار قانوني، من خلال اللجوء إلى حلول مالية ظرفية ترقيعية. كما أن التدبير العمراني من خلال المذكرات يؤخر الإصلاح التشريعي والتنظيمي الضروري. إضافة إلى أن تدبير المشاريع وفق مقاربة تجزيئية دون رؤية مشتركة بين كل الفاعلين يؤثر سلباً في نمط الحكامة المحلية".

وشغل وضع رجال السلطة النافذين، الرأي العام، في المرحلة الحالية، في سياق الإعداد للانتخابات، عبر السجال الدائر بين رئيس الحكومة وجزء من الحكومة بخصوص التعويضات الخاصة بالسكن أساسا.

ويقدم أصحاب القرار على أنه إنصاف لجزء من رجال السلطة، في حين يقدمه رئيس الحكومة كموضوع غير متفق عليه، وما زال في الإعداد، ويبقى أن كل ما يتصل برجال السلطة ما زال يثير النقاش العميق ويمس صلب القرار السياسي في بلادنا، من تدبير الجماعات إلى الرخص الاستثنائية، وشركات التنمية و تعويضات السكن..

ومن الثابت، للأسف، أن رئيس الحكومة يعود بالنقاش دوما إلى خانة السجال والالتباس، ما بين قرار صادر عن الأمانة ورأيه فيه ويضيع تفكير شامل.

لا بد أن التغيير الحاصل في المغرب منذ 1999، ثم الانطلاقة الجديدة للسياسة والمأسسة منذ فاتح يوليوز 2011 والدستور الجديد، كان من طبيعتهما تغيير طبيعة مفهوم السلطة.

ونعود إلى السؤال فعليا: هل نحن نفكر، اليوم بمنطق ما قبل المفهوم الجديد للسلطة وما قبل الدستور، أم هناك تحولات أخرى عميقة تحدث بدون إثارة الانتباه؟

وماذا تبقى من مفهوم الجديد للسلطة، كما تم تحيينه في الخطاب الملكي، وفي الممارسة السياسية؟