الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

الموساوي العجلاوي: المغرب والحوار الليبي

الموساوي العجلاوي: المغرب والحوار الليبي

كان من المفروض أن يحتضن المغرب اجتماعا للأطراف المتنازعة في ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة من خلال مبعوث الأمين العام برنادينو ليون يوم الأحد 22 شتنبر 2015، لكن مجلس النواب بطبرق ومجموعات موالية له طلبت تأجيل اللقاء إلى يوم الخميس 26 شتنبر 2015، إثر الهجمات الانتحارية في مدينة القبة، وبدعوى الانشغال في ما ترتب عن هذا الهجوم التي تبنته «ولاية برقة» التابعة «للخلافة الإسلامية»، موازاة مع ذلك صدرت تصريحات عتاب من الثني رئيس «حكومة طبرق» المعترف بها دوليا، تجاه برنادينو ليون، يطالبه باتخاذ مواقف تاريخية مشرفة وواضحة. يوم الاثنين 2 شتنبر 2015 قرر مجلس النواب (200 نائب) بعد عملية تصويت 62 بأغلبية على 80 نائبا، تعليق المشاركة في الحوار الليبي واستدعاء لجنة الحوار المكلفة من قبل مجلس النواب للتشاور. ويبدو أن مقترح تشكيل حكومة وطنية كان وراء قرار استدعاء لجنة الحوار، وهي خطوة ترمي إلى الضغط على مبعوث الأمين العام لمزيد من المكاسب.

بيد أن الوضع الليبي بات مقلقا لليبيين وللجيران ولكافة دول البحر المتوسط، وعلى النخب الليبية بكافة تلويناتها إدراك الخطر الذي سيأتي على الأخضر واليابس في المنطقة برمتها، من سوء حظ ليبيا أن دول الجوار أصبحت جزءا من الإشكال الليبي، وأن أرقام المعادلة الليبية تجاوزت الحدود إلى عواصم الجوار. في ليبيا أعلن عن ولادة قاعدة كبيرة لداعش من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب دون الحديث عن الجنوب الليبي المحتضن لعشرات الجماعات الجهادية وشبكات الجريمة العابرة للحدود، ونجحت هذه الجماعات في اجتذاب مصر للغرق في ليبيا لتخفف الضغط عن أنصار بيت المقدس، حليف آخر لداعش في سيناء، وربما قد تعرف الأيام المقبلة ، لا قدر الله، مذابح للمصريين المقيمين في ليبيا، والذين يقدر عددهم رسميا ب 250 ألف مهاجر. وبالتأكيد فإن «الخلافة الإسلامية» ستنشر الرعب في مصريي ليبيا لإحراج الحكومة المصرية أمام الرأي العام المصري العميق، علما بأن مصر تعتبر إخوان ليبيا امتدادا لإخوان مصر، وهنا اختلطت الأوراق، وتعتقد أطراف مصرية أنها ستخلص العالم العربي من حركة الإخوان المسلمين وواجهاتها السياسية التي تحمل غالبا اسم «حزب العدالة و...»، وهذا خطاب موجه قبل كل شيء للمصريين، بأن «ثورة يونيو» لها امتداد في العالم العربي.

مشاركة المصريين في قصف «درنة» خلقت تناقضا كان مستترا بين المصريين والجزائريين، ومنطق تحليل الأحداث يقول إن الصراع حول ليبيا سيكون على أشده بين البلدين، الذين يتبنيان مقاربتين متناقضتين: الحل العسكري أم السياسي لاستعادة الأمن في هذا البلد المغاربي، ولنتذكر تصريحات السفير الجزائري في طرابلس قبيل محاولة اختطافه منذ سنة ونصف، ورد وزارة الخارجية المصرية، ليبدأ شهر عسل انكسر بالضربة الجوية المصرية على درنة. وزاد الطينة بلة أن فرنسا، التي نجحت في «رفع النحس» عن مبيعات طائراتها «رافال» بالصفقة المصرية، تلوك بدورها مقولة "الحسم العسكري" في ليبيا.

الجميع يعرف، وعلى رأسهم الحلف الأطلسي، أن التدخل العسكري مستبعد الآن في ليبيا وذلك لأسباب مالية وسياسية وتناقض مصالح الدول الكبرى، وعودة روسيا إلى الواجهة الدولية، وأشياء أخرى.

وليست الجزائر ومصر من لهما مصالح في ما يجري في ليبيا، فتونس التي تبني تجربة فريدة في العالم العربي من خلال التأسيس لنظام جمهوري برلماني، وبعد دخول حركة النهضة في تشكيلة حكومة لحبيب الصيد، تنفس الصعداء المؤتمر الوطني» الليبي و«فجر ليبيا»، لأن ذلك منع من محاصرة طرف ليبي له أهميته في المعادلة الليبية.

السودان أيضا تتهمه أطراف ليبية بتنفيذ أجندة قطرية، ويحاول محاورة السعودية من خلال ورقتي مصر وليبيا، في حين أن التشاد غارق في مستنقع بوكو حرام الذي أصبح يهدد العاصمة انجامينا، وترك الشمال في قبضة شبكات تهريب الكوكايين والسلاح. .

التقرير الأخير الصادر منذ أيام فقط عن «معهد بوتوماك» (القريب جدا من مصادر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية) يبرز من خلال الأرقام والبيانات وتركيب المعطيات أن سنة 2014 أصبحت ليبيا فيها مصدر التهديد الأول للجزائر، وذلك لعدة أسباب. ويوجد في ليبيا الآن أكثر من 200 «مجاهد» جزائري يشرئبون إلى تكرار ما وقع في يناير 2013 في تيڤنتورين بعين أمناس. وقفز عدد الجهاديين في ليبيا من 500 في سنة 2011 إلى 40 ألفا في سنة 2014. ستكون السنوات المقبلة صعبة وحرجة على الحدود الليبية الجزائرية التي تمتد على مسافة 1000كلم، وتسليح الجيش الجزائري لا يسمح بالمراقبة الدقيقة لهذه الحدود، التي من سوء حظ الحكومة الجزائرية أنها قريبة من حقول الغاز والنفط التي تشكل 97% من المداخيل الجزائرية..

المغرب البعيد جغرافيا عن ليبيا، القريب قلبا إلى الهم الليبي، يمكن أن يلعب دورا في «التهدئة الليبية» أملا في الوصول إلى الحل الليبي. فهو يتميز بحياده مع الأطراف المتصارعة، وتوجد قنوات عديدة بين أحزاب مغربية وأخرى ليبية، وهناك مقاربات مشتركة متوازنة، هذا ما انتبه إليه برنادينو ليون، الذي اكتشف أن «القانون الدولي» لا يمتزج مع كيمياء الإثنية والواقع القلبي واصطفافات «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»، منطق حرم الشعب الليبي من نخب ليبية متميزة.

بنقل الحوار إلى المغرب، وبعد جلسات غدامس وجنيف، برنادينو، الذي كان مساعدا لموراتينوس، وزير الخارجية الإسبانية السابق وصديق المغرب، يهدف إلى إقناع الأطراف الليبية بثقافة الحوار للوصول في المدى القريب إلى حكومة وطنية، وهو المنفذ الوحيد الذي بقي لليبيين خارج اختيار الحسم العسكري.