"ماذا ستنفع المساعي الحميدة اليوم بعد أن أدْخِل إمام المدينة إلى السجن احتياطيا؟ هل بمقدور أي أحد أن يعيد له الاعتبار بعد اعتقاله ومتابعته قضائيا بتهمة خيانة الأمانة؟ ألم يكن من الأليق والأنسب متابعته في حالة سراح، لأن كل الضمانات متوفرة؟"
بهذه الأسئلة رد أحد فقهاء اليوسفية وهو يتحسر على صديقه إمام اليوسفية المسئول عن تدبير وتسيير مرافق المسجد العتيق رفقة لجنة محلية عهد لها بذلك من طرف السلطات المحلية، بعد أن ذهب ضحية مؤامرة ومخطط محبوك للإيقاع به في شرك رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية بدار الأطفال اليوسفية.
بعض أعضاء الجمعية الخيرية الإسلامية باليوسفية صرحوا لـ "أنفاس بريس": "لقد أصابنا الذهول والحيرة والاستغراب مما وقع لأمين الجمعية الخيرية الإسلامية باليوسفية إمام وفقيه المدينة المعروف باتزانه واعتداله ووسطيته، بعدما نصب له كمين وفخ لتمريغ شخصيته في مستنقع الشبهة بطريقة خطيرة، والطعن في مصداقيته، نعم كلنا متضامنون معه في هذه المحنة".
استطاعت "أنفاس بريس" الحصول على معلومات تخص ملف الإمام المسئول عن المسجد العتيق (م/ع) في صراعه مع المقاول ورجل الأعمال رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية باليوسفية (م/أ)، والذي يكتري منذ زمن بعيد محلات تجارية تابعة لعقارات المسجد نفسه، حيث أكدت مصادرنا أن هذا الأخير كان يقدم مستحقات الكراء عبارة عن سلع ومواد من محله التجاري (صباغة، إسمنت، مصابيح، الخ...) لترميم وإصلاح المرافق الدينية والصحية والتعليمية وكل ما تحتاجه لجنة تدبير المسجد العتيق على اعتبار أنه من المساجد التاريخية باليوسفية التي تحتضن احتفالات وشعائر وطقوس دينية وطنية، وكانت عملية تصفية الحسابات المالية تتم بعد انتهاء السنة المالية لتسوية مستحقات الكراء وفق "بونات" تسليم السلع العينية بين المكتري واللجنة.
مؤطر داخل فصل بالمسجد العتيق
لم يكن رجل الأعمال والمقاول (م/أ) رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية باليوسفية يدعم ويساهم في الأعمال الاجتماعية والدينية والتربوية التي تسهر عليها لجنة تسيير وتدبير مرافق المسجد العتيق، حسب مصادر "أنفاس بريس"، بل إنه رفض الزيادة في سومة الكراء، بعدما طلب منه ذلك ذات سنة، مما جعل كل المستفيدين من كراء محلات المسجد لا يرضخون لمطلب الزيادة في السومة الكرائية ويدافعون عن موقفهم بـ "حتى يزيد رجل الأعمال والمقاول رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية في سومة كراء محلاته ونزيدوكم حتى حنا"، علما بأن المسجد أضحى فضاء لتعليم الشؤون الدينية وفقه الشريعة وحفظ القرآن وقبلة للعديد من الطلبة من مختلف مناطق المغرب بتنسيق وإشراف ودعم المجلس العلمي.. حيث استطاعت لجنة التسيير والتدبير أن تدمج العديد من المستخدمين والأطر التربوية والفقهية في مجال الدراسة والتكوين والطبخ والنظافة والحراسة، حسب ما استقته "أنفاس بريس" من عدة مصادر تهتم بالشؤون الدينية محليا، فضلا عن أن مداخيل عقارات المسجد لا تتعدى 7000 درهم وفق مصادرنا الخاصة.
فبعد انتفاضة أغلبية المكتب المسير للجمعية الخيرية الإسلامية باليوسفية، خلال نهاية سنة 2014، ضد الرئيس المقاول ورجل الأعمال، بخصوص عدة قرارات إدارية واجتماعية واقتصادية كان قد اتخذها بشكل انفرادي، حسب ما تتوفر عليه "أنفاس بريس" من معلومات، وانحياز فقيه وإمام المدينة (ع/م) لصف الأغلبية ومجابهته لذات المقاول بصفته أمينا للجمعية الخيرية الاسلامية، تفتقت عبقرية الرئيس وخططه للنيل منه وتفكيك التحالف الأغلبي بطرق استغرب لها كل المتتبعين باليوسفية. وحسب مصدر مقرب من الإمام والفقيه (م/ع)، فقد قام هذا الأخيربمهاتفة الرئيس المقاول ورجل الأعمال (م/أ) بخصوص مستحقات الكراء الخاصة بمحلاته التابعة لعقارات المسجد العتيق، والتي ما زالت في ذمته (مبلغ 6000 درهم) لتسديد مجموعة من النفقات المستعجلة، حيث سيقرران الالتقاء بمدينة مراكش في ضيافة الرئيس وتسليمه شيكا بالمبلغ المذكور.
وأكدت مجموعة من المصادر المقربة من الإمام، الذي يتابع في حالة اعتقال من طرف قاضي التحقيق، بعد أن تقدم الرئيس والمقاول ورجل الأعمال بشكاية ضده يتهمه فيها بخيانة الأمانة، "أن الإمام لم يكن يخطر بباله السيناريو الذي خطط له الرئيس (م/أ)، حيث استقبله بطريقة الأصدقاء واستحلفه بالله أن يتناول رفقته وجبة غذاء بمراكش قبل أن يطلب من ابنه بأن يعبئ شيكا بمبلغ 6000 درهم وينتظرهما في المحل التجاري إلى أن يتناولان وجبتهما الغذائية". وتضيف المصادر نفسها أن "الرئيس أسر لابنه بضرورة استنساخ الشيك بعد تعبئته في اسم (المسجد العتيق).. وهكذا حصل".. لكن الإمام (م/ع)، تستطرد مصادر "أنفاس بريس"، لم يستسغ ما دونه ابن الرئيس بالشيك بعد أن عادا من وجبة غذائهما، موضحا ومذكرا إياه بأن لجنة تدبير المسجد العتيق لا تتوفر على حساب بنكي ولا يمكن صرف الشيك لتسديد نفقات الموارد البشرية العاملة بمرافق المسجد دون وضع اسم الإمام".
استغرب الفقيه الإمام للموقف واستدرك مخاطبا الرئيس أمام ابنه، حسب المصادر ذاتها، "أنت تعلم أننا لا نتوفر على حساب بنكي خاص بالمسجد العتيق، فلابد السي الحاج أن تضيف اسمي أمام عبارة المسجد العتيق حتى تسهل مأمورية سحب المبلغ من البنك باليوسفية، لكن الرئيس كان مصرا على "استغفاله"، فطالبه بأن يضيف اسمه لوحده دون أدنى مشكل، فاقتنع الإمام ودون اسمه على الشيك" ليسقط الإمام في المصيدة وفخ الرئيس دون أن يدري. وتضيف مصادرنا أنه بوصول الإمام للبنك باليوسفية، حاول صرف الشيك لكن الوكالة كانت قد أقفلت عمليات الصرف والإيداع، فاضطر لسحب 6000 درهم من حسابه المشترك مع زوجته لتسديد متطلبات المسجد العتيق في انتظار إيداع مبلغ الشيك لاحقا من طرف ذات البنك.
الإمام يتواصل مع بعض الطلبة
لم يمر على هذه الوقائع سوى بضعة أيام حتى بدأ الرئيس المقاول ورجل الأعمال (م/أ)، تقول المصادر، "بعث برسائل للإمام (م/ع) مع بعض الأشخاص لتهديده وتخويفه، وقال له، أنه قادر على إدخاله للسجن إذا لم يراجع مواقفه بخصوص ملف الجمعية الخيرية الإسلامية، كما طالبه بأن يبطل مفعول الأغلبية المصطفة ضده والتي تريد إقالته وإبعاده عن كرسي تدبير شؤون مؤسسة الرعاية الاجتماعية/ دار الأطفال، وطالبه بعدم البوح عن فضائح تم اكتشافها على مستوى دار الأطفال متعلقة بتفويت دكانين لشخصين خارج مدينة اليوسفية تربطهما مع الرئيس علاقة الانتماء القبلي دون تطبيق المساطر القانونية في شأن الصفقات المتعلقة بمؤسسات الرعاية الاجتماعية".. لكن الإمام رفض كل المساومات وأصر على مواقفه وقناعاته. وقالت نفس المصادر بأن مدينة اليوسفية عرفت خلال المدة الأخيرة هجمة شرسة على ذات الإمام بعد أن فوجئ الرأي العام المحلي بتوزيع منشورات أدانته قبل أن يتقدم الرئيس بشكايته للقضاء، بل إن مشاكل دار الأطفال، حسب المصادر نفسها، هي السبب الرئيسي في اعتقال الإمام بعد أن وصل ملف الجمعية الخيرية الإسلامية إلى الأبواب المسدودة وأصرت الأغلبية على إقالة الرئيس المقاول ورجل الأعمال الذي يتفنن في إهانة مدينة ورجالاتها وأبنائها مدعيا أنه قادر على فعل كل شيء بنفوذه المالي. وختمت مصادر الموقع أن رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية قد دق آخر مسمار في نعش العمل الاجتماعي والتضامني والخيري بعد توريط رجل دين، مع سبق الإصرار والترصد، يعتبر من الأصوات المتزنة والوسطية والمعتدلة محليا وجهويا ووطنيا.
هذا، وعلمت "أنفاس بريس" أن المركز المغربي لحقوق الإنسان قد تبنى ملف النازلة، وقام بزيارة للإمام بالسجن وعقد لقاء مع وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية باليوسفية، حيث أفادتنا مصادره الحقوقية بأنه سيراسل وزير العدل والحريات في هذا الشأن والجهات ذات الصلة بالقضية.