الاثنين 16 سبتمبر 2024
خارج الحدود

في أفق الاستحقاق المقبل: مصر بين كماشة الإخوان والتسلط الاستبدادي والخطر الإرهابي

في أفق الاستحقاق المقبل: مصر بين كماشة الإخوان والتسلط الاستبدادي والخطر الإرهابي

تتهيأ مصر، هذه الأيام، لاستكمال خارطة الطريق التي أقرتها الأطياف السياسية والدينية في يوليوز 2013، عقب عزل الرئيس محمد مرسي وإنهاء حكم الإخوان المسلمين. ويأتي الاستحقاق الجديد الذي سيفرز، في ماي القادم، أول برلمان بعد سقوط الإخوان ضمن سياق حافل بالترقب.

هناك من جهة أولى استمرار التهديد الإرهابي، سواءعلى امتداد التراب المصري وخاصة في شمال سيناء، أو على مستوى ما يحتمل من تهديد جديد قادم، هذه المرة، من الحدود الغربية بعد الغارات الجوية التي شنها الجيش المصري على "دواعش" ليبيا انتقاما من عملهم الإجرامي المتمثل في قتل وحشي لواحد وعشرين قبطيا مصريا. وهناك ما هو أخطر على الصعيد السياسي: التخوف من عودة بعض رموز نظام حسني مبارك التي لعبت أدوارا كبيرة في عمليات الإفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا الإطار أعلن واحد من أكبر هذه الرموز (أحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل) عن نيته الترشح إلى التشريعيات القادمة، حيث يسجل المتتبعون أن لاشيء يمنعه من الناحية القانونية من تقديم ترشيحه مادام لم يصدر في حقه أي حكم قضائي، ولكن هناك أكثر من اعتبار أخلاقي وسياسي يمنع هذا الترشح احتراما للمصريين.

على ضوء ذلك يتخوف قطاع واسع من المجتمع السياسي المصري، بمن فيهم أنصار عزل الرئيس السابق يوم 3 يوليوز، من عودة هؤلاء على خلفية القرارات القضائية السابقة التي متعت مبارك ونجليه ووزير داخليته بالبراءة من تهمة قتل المتظاهرين. وتتضاعف هذه التخوفات بفعل استمرار الدولة في تبني قانون التظاهر منذ إقراره في نونبر 2013، واستمرار الاعتقال بسبب خرقه، إضافة إلى أحكام كثيرة في حق المعارضين وصلت المؤبد والإعدام.

من معالم السياق كذلك تخوفات أخرى من تسلل أعضاء من الإخوان والسلفيين إلى المؤسسة التشريعية في جبة المستقلين الذين يشكلون أغلبية أعضاء هذه المؤسسة. وما يعطي لهذه التخوفات دلالتها العميقة المكانة التي يضطلع بها البرلمان في البناء الدستوري المصري، بحيث منحه دستور يناير 2014 صلاحيات واسعة أقوى من سلطات الرئيس، ولذلك يرى عدد من الحقوقيين أن أي انتصار لخصوم المرحلة السياسية القائمة في الانتخابات قد يخلق حالة دستورية صعبة، لاسيما في حال أسفرت النتائج عن برلمان وحكومة ضد الرئيس، وهو ما يعني "بلوكاجا" سياسيا حقيقيا.

إزاء هذا الوضع، كان كمال الجنزوري (رئيس وزراء أسبق وأحد مستشاري الرئيس الحالي) قد بادر بتشكيل جبهة تحمي ما يسمى في مصر "مكتسبات الثورة، وتكون ظهيرا للرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة الإرهاب، وفي توجهاته الإصلاحية". ثم تم بعد ذلك تواري صاحب المبادرة إلى الخلف لتبرز الفكرة من جديد بالإعلان مؤخرا عن قيام تحالف "في حب مصر"، مشكلا  من تركيب يجمع ما بين وجوه ساهمت في الثورة على الرئيس الإخواني، وفي مقدمتها رئيس حركة تمرد، ومن وجوه مستقلة، أو منتمية لأحزاب التجمع والمصريون الأحرار... إضافة إلى وجوه أخرى سبق أن نشطت في إطار الحزب الوطني (تنظيم مبارك)، لكنها لم تتلوث بالفساد كما يؤكد ذلك أصحاب هذا التحالف.

واضح إذن أن هذا التحالف، الذي اختار صورة الرئيس السيسي كشعار انتخابي، يضع ضمن أولى شعاراته ما يعتبره "حماية المرحلة الحالية من كل تناور إخواني أو ارتداد نحو نظام مبارك"، ولذلك يبدو الأكثر بروزا في المشهد المصري، في انتظار استكمال باقي التحالفات الأخرى، حيث ينتظر أن تتشكل تحالفات وقوائم أخرى، خاصة منها ما يتعلق بحزب الوفد، وحزب النور وتحالف صحوة مصر، فيما سجلت ثلاث أحزاب، إلى حدود اليوم، مقاطعتها لهذه الانتخابات. يتعلق الأمر بالتيار الشعبي الذي يرأسه الناصري حمدين صباحي (المنافس الوحيد للسيسي في الرئاسيات السابقة) وحزب مصر القوية الذي يرأسه القيادي الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وحزب الدستور الذي تأسس حول محمد البرادعي، وذلك لاعتبارات مختلفة تشترك في الاتفاق على غياب شروط ملائمة للعمل السياسي في الظرف الراهن، منها أساسا استمرار انتهاكات حقوق الإنسان...

مساحات غيم كثيف تلف المشهد السياسي المصري، وتحجب كل المجهود الذي تقوم به الرئاسة المصرية ممثلا في إطلاق مشاريع تنموية من قبيل  قناة السويس الجديدة، وفي توسيع دائرة مصر الخارجية، انطلاقا من تركيز أسس التعامل مع مجلس التعاون الخليجي، وإقامة جسور عميقة مع الحليف الروسي، وتنويع مصادر السلاح، وما يصحب ذلك من طموح القيادة هناك للعب دور محوري في مناطق التوتر الإقليمية والعربية الإسلامية. الأمر الذي يجعل الرئاسة بحسب المتتبعين هي الفاعل المركزي في غياب فعالية النخب السياسية التي يبدو أنها لا تزال تبحث عن دور في المجتمع المصري، و لا تزال تتمرن على الديمقراطية في الواقع.

رهانات حقيقية تطرح على مصر الآن: الانتصار على الإرهاب، وتعطيل مشروع الإخوان الموجود في حالة كمون وتربص، والتقدم الفعلي نحو الديمقراطية، واستعادة الدور التنويري لدار لكنانة... فهل ستنخرط مصر، التي في خاطرنا، في هذا الأفق الرحب، أم أنها ستستسلم لإغواء التسلط باتجاه إعادة تأسيس استبداد جديد، أو تندحر أمام الخطر الإرهابي؟

يبدأ الرهان بانتخاب البرلمان الجديد، وبما قد تسفر عنه المرحلة السياسية القادمة من تفاعلات جديدة. ومع ذلك فمصر التي أسقطت مبارك قادرة على أن تظل يقظة لحماية مشروع مصر الجديدة؟