من أنجب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؟
هذا السؤال أملاه ما كتبه "صحافي الاستخبارات الجزائرية"، أنور مالك، في يومية "الشروق"تحت عنوان: ("صفقة الموت" بين المخابرات المغربية و"درودكال" في لقاء سرّي بموريتانيا)، مدعيا أن "الديستي" تتعاون مع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من خلال تنسيق وصل حد لقاء سري جمع أمير التنظيم المسلح "عبد المالك درودكال" وضباطا في الديستي، وذلك فوق التراب الموريتاني.
وإذا كنا لسنا محتاجين إلى معرفة من هو أنور مالك الذي سبق له سنة 2010 وأنجز تحقيقات "مخدومة" بمدينة الداخلة لتأجيج الوضع بالصحراء، بإيعاز من المخابرات الجزائرية، فإننا لسنا بحاجة أيضا إلى التذكير بمن صنع "درودكال"، ومن حوله إلى ماركة مسجلة للتحكم في متغيرات الوضع الأمني الإقليمي والمقايضة به على المستوى الدولي. حيث خرج تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من رحم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية في 24 يناير 2007، وذلك بعد تهييئ عقائدي وتنظيمي لعناصرها كان من أبرز محطاته الإعلامية إصدار مواقف تمدح فيها القاعدة وقياداتها مثل أبي مصعب الزرقاوي، وفي أبريل من نفس السنة تم تنفيذ عملية قصر الحكومة الجزائرية. وقد أعلن درودكال انضمام "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تنظيم القاعدة قائلا: "قررنا بعد مشورة واستخارة أن نبايع الشيخ أبا عبد الله أسامة بن لادن، ونعطيه صفقة أيدينا وثمرة قلوبنا، ونواصل جهادنا بالجزائر جنودا تحت إمرته، يضرب بنا من يشاء ويرمي بنا حيث يشاء، فلن يجد منا إلا السمع والطاعة ولن يرى إلا ما يسره". وهو ما يبين أن درودكال لا يدين بالولاء إلا لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وليس لعبد اللطيف الحموشي (مدير الديستي) أو محمد ياسين المنصوري (مدير لادجيد)، كما تحاول الوثيقة التي أشهرها "العميل الصحافي"، والتي يدعي فيها أن لقاء جمع بين ضباط من المخابرات المغربية وقيادات من تنظيم "القاعدة"، بفندق بريستيج بمدينة نواذيبو الموريتانية.
الوثيقة المسرّبة تكشف عن خلاصة "الاجتماع الأمني"، حيث تم الاتفاق، كما تزعم "الشروق" على مخطط لتهديد أمن الجزائر وتونس وليبيا! وحسب التفاصيل التي فإن الطرفين اتفقا على قيام المغرب بإنعاش بقايا التنظيم الإرهابي عبر التمويل والتموين، مقابل قيام تنظيم درودكال بعمليات إرهابية. ويتضمن الاتفاق حسب ما ادعته "الشروق":
أربع مهام مقابل ثلاثة التزامات:
- تنفيذ اعتداءات إرهابية على مستوى الصحراء الجزائرية التي سمتها الوثيقة بـ"الصحراء الشرقية".
- تقديم معلومات عن كل مغربي التحق بالتنظيم الإرهابي.
-تنفيذ عمليات على مستوى الحدود الجزائرية التونسية.
- تنفيذ عمليات داخل التراب الليبي.
وادعت الوثيقة أن الجانب المغربي التزم بما يلي:
- تسهيل دخول والتحاق الإرهابيين بالتنظيم المسلح عبر الحدود المغربية.
- الدعم اللوجستي والمادي خصوصاًالتسلّح.
- تزويد قادة التنظيم الإرهابيبمعلومات استخباراتية.
ما معنى هذا الكلام؟ وما هي الأسباب الكامنة خلف محاولة اتهام المغرب في "مؤامرة" دعم الإرهابيين ومحاولة إظهاره بمظهر الداعم والراعي والممول والمتآمر مع الإرهاب! هل يتعلق الأمر بعملية ابتزاز يتعرض لها المغرب الآن، في سياق دولي يغلي بالإرهاب (حادثة شارلي إيبدو علي سبيل المثال)، أم هي محاولة لتوريط المغرب في نسيج أخطبوطي تُستعمل فيه المخابرات الجزائرية لتضييق الخناق على المغرب؟
وحتى لا نتعب كثيرا في محاولة الفهم، يكفي أن نذكر -على سبيل المثال-بما سبق أن صرح به عبد الرزاق سوماح، الأمير الوطني لتنظيم المجاهدين بالمغرب، أمام غرفة الجنايات المكلفة بقضايا الإرهاب بسلا في غشت 2013، حيث كشف عن حقيقة كانت موضوع شكوك، وهي تورط المخابرات الجزائرية في تقديم الدعم المادي واللوجيستيكي لتنظيم حركة المجاهدين بالمغرب. كما كشف حقيقة الأسلحة التي أدخلت إلى التراب الوطني من قبل أعضاء الشبكة ما بين سنتي 2003 و2005 والتي حجزتها عناصر مراقبة التراب الوطني والفرقة الوطنية للشرطة القضائية بعد تفكيك الخلية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية يوم 12 ماي 2013. وأوضح أن الأسلحة تم الحصول عليها بدعم من عملاء استخبارات جزائريين في أوروبا، الذين مكنوا رجاله من تدبير أنشطة تجارية أحدها في سوق بطنجة وآخر في بروكسل، إلى جانب مشاريع زراعية في منطقة الغرب لتمويل التنظيم.
وتجدر الإشارة إلى أن "حركة المجاهدين بالمغرب"، كما كشفت مصادر أمنية في حينه، بدأت تنشط بعد سنة 2000 في إطار الفكر السلفي الجهادي، وأنها أصبحت على ارتباط مباشر بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وحسب التحريات الأمنية واعترافات المعتقلين، فإن الحركة كانت قد حدّدت أهدافها في قلب النظام الملكي عن طريق العمل المسلّح وإنشاء "خلافة إسلامية"، وخضعت عناصره لتداريب شبه عسكرية.
إن "الحقائق" المفبركة التي ترفعها المخابرات الجزائرية، مسخرة عملاءها الصحافيين القابضين على زمام "الجرائد العسكرية"، تثبت أنها حقائق مثقلة بالأقنعة، ومثقلة بإرادة الإساءة إلى المغرب، ومثقلة بالافتراء وصناعة الحقيقة على مقياس ما يخدم مصالحها.
والسؤال هو: إذا كان المغرب راعيا للإرهابيين، ويدعم العمليات الإرهابية ويشجعها، فما معنى استمرار اجتماع أمنيي الدولتين حول طاولة واحدة، لتدارس التنسيق الأمني بين البلدين؟
ومعلوم أن التنسيق الأمني بين المغرب والجزائر يتم على ثلاث واجهات رئيسية، وعلى رأسها "ملاحقة الخلايا التي تعمل على تجنيد سلفيين جهاديين للقتال في سوريا". ويتم التركيز على هذه النقطة لسببين، الأول أن خلايا الاستقطاب هي مشتركة جزائرية-مغربية وتستعمل الأراضي الجزائرية للسفر نحو سوريا بحكم الفوضى الأمنية التي تعم تونس وليبيا ومصر، وبالتالي سهولة التسلسل. بينما تتعلق الواجهة الثانية بلجان ارتباط أمنية جزائرية-مغربية مشتركة في مجال الأمن البحري لمنع عمليات التسلل والإرهاب والتهريب البحري في إطار التنسيق مع دول جنوب أوروبا. وعمليا هذا التنسيق هو ذو بعد دولي ويوجد منذ تفجيرات 11 سبتمبر. أما الواجهة الثالثة فترتبط بالتنسيق الكلاسيكي الموجود منذ أكثر من عقدين ولا يتأثر نهائيا بالأزمات هو التنسيق الخاص بـ "مصالح القوات الجوية الجزائرية والمغربية في إطار اتفاقيات مكافحة الإرهاب الجوي لضبط أمن الأجواء وحماية سلامة الملاحة الجوية والطيران التجاري العالمي في الطرق الجوية التي تخترق البلدين، وتنسق قوات الجيشين الجزائري والمغربي لمواجهة الأحداث الطارئة عن طريق خط اتصال بين البلدين تم الاتفاق على إنشائه في عام 1989، يؤمّن الاتصال الساخن بين قيادات الجيشين الجزائري والمغربي على الحدود التصدي لأي حادثة غير متوقعة أو عمل فردي معزول قد يساء فهمه".
والسؤال الثاني هو:
ما معنى حرص المخابرات المغربية على "تقديم معلومات عن كل مغربي التحق بالتنظيم الإرهابي"، خاصة إذا كان هذا الإرهابي سيدخل إلى الجزائر ليتعلم "فنون القتال" والحرب والنسف والتفجير، ثم يعود إلى المغرب، للقيام بعمليات إرهابية؟ ماذا سيستفيد المغرب من تصدير إرهابيين لتلقينهم طرق تهديد أمنه واستقراره؟ ثم ما معنى التوجه نحو "درودكال"، والحال أن التنظيمات المسلحة في الجزائر ليست كتلة منسجة، كما أن المخابرات الجزائرية ليست نائمة عن كل ما يعتمل في جسم التنظيم الإرهابي، إن لم تكن تسخره حسب المصالح؟
ولعل هذه الأسئلة تقودنا إلى طرح أسئلة أخرى: ما معنى أن تطلب "الديستي" من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تنفيذ عمليات إرهابية على مستوى الحدود الجزائرية التونسية، وداخل التراب الليبي؟ هل معنى ذلك أن المغرب يريد أن يشعل جميع الجبهات لإذكاء نيران الإرهاب، وكأن المغرب يقع بمعزل عن تهديدات الإرهابيين؟
إن ما تحاول الجزائر إلباسه للمغرب، عبر ما تسميه تسريبات وثائق استخباراتية، لن ينطلي على أحد. ذلك أن العالم أصبح الآن عينا يقظة، كما أن الغرض واضح، وهو التشويش على الدفء الذي عاد بين الرباط وباريس.