الجمعة 22 نوفمبر 2024
جالية

مولاي المصطفى بابوي: إن لم يتم إرضاع المهاجرين بحليب المذهب المالكي سيزداد الوضع سوءا في المهجر

مولاي المصطفى بابوي: إن لم يتم إرضاع المهاجرين بحليب المذهب المالكي سيزداد الوضع سوءا في المهجر

يُلفت مولاي المصطفى بابوي، الكاتب العام لجمعية CARP/ESPOIR بمدينة أنزا (شمال فرنسا)، النظر، في هذا الحوار، إلى أن الجهات التي تسعى إلى تأجيج المزيد من العنصرية والكراهية بفرنسا متنوعة، إن لم أقل كثيرة لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية وانتخابية.. فسياسيا الحزب اليميني المتطرف هو الذي يحتل الصدارة في العنصرية والكراهية للأجنبي من أصول مغاربية ويصرح بذلك جهارا وفي واضحة النهار.. موضحا أنه على كافة المسلمين المقيمين في فرنيا أن يفرضوا وجودهم في الغرب بشكل إيجابي، ثقافيا ومعرفيا وأخلاقيا وعلميا واقتصاديا، وذلك بتكوين أجيال تواقة لغد باسم، عن طريق التربية الصالحة والسلوكات الطيبة الراقية، حتى نتمكن من الانخراط بشكل مشرف في المجتمع الفرنسي.

+ في نظرك، ما هي أسباب تنامي الكراهية والعنصرية داخل المجتمع الفرنسي في السنوات الأخيرة؟

- ممالا مراء فيه أن السبب الرئيسي في تنامي كراهية الأجنبي المنتمي إلى العالم الثالث عامة والعربي أو المسلم على وجه الخصوص هو ارتفاع بفرنسا وما ينجم عنها من مضايقة المهاجرين للفرنسيين في سوق الشغل.. وما واقعة "شارليايبدو"إلا القطرة التي أفاضت الكأس، ناهيكم عن بعض السلوكات الثقافية للمهاجرين التي تتعارض مع عادات وتقاليد المجتمع الفرنسي، كالحجاب أو النقاب مثلا أو اللباس الذي يرتديه بعض الشباب المسلم على الطريقة الأفغانية في بعض الأحيان..

حادثة "شارلي ايبدو" نزلت كالصاعقة على المسلمين بفرنسا قبل الفرنسيين أنفسهم، إذ كان الجميع يتوقع انعكاسات خطيرة ووخيمة على المسلمين. وقد ساد الخوف والهلع كل الأسر هنا بفرنسا، وقد كنا نتوقع ردود فعل عنيفة على وجودنا هنا بالمهجر بسبب انخراط أناس من أبناء جلدتنا في هذه الفاجعة.

وبتنا نسمع هنا وهناك انتهاكات مختلفة تجاه الأجانب المسلمين، من نظرات مقيتة، إلى سب وشتم، إلى رمي بعض التلاميذ في المدارس بالقتلة وإلى المس بالمساجد بأشكال متباينة.. لكن ما تم تسجيله من انعكاسات سلبية هنا بشمال فرنسا، جراء هذه الأعمال الإرهابية التي عرفتها باريس، لم تكن بنفس الحدة التي عرفتها مناطق أخرى بفرنسا، اللهم ما كان من تأثيراتها النفسية على الجالية المسلمة المغاربية.

فقضية "أنا شارلي" التي أصبح الخاص والعام يرددها ويكتبها ويؤمن بها لم تكن باللقمة السائغة لدى كافة المسلمين هنا بفرنسا وذلك للإعتبارات التالية: من الناس من رفضها جملة وتفصيلا، رغم اعترافهم الشامل بأن العمليات الإرهابية التي عاشتها فرنسا جريمة نكراء في حق هذا الوطن، وفي حق مواطنين أبرياء لا ذنب لهم في ذلك، ومرتكبوها مخالفون لمنهاج نبينا الكريم الذي يدعو إلى العفو والتسامح وعدم المس بالنفس البشرية، ومنهم من سارعلى طرح "بابا الفاتيكان" الذي أدلى في تصريحاته بخصوص هذا الموضوع بأن للديانات حرماتها، مشيرا إلى أن هناك خطوط حمراء في مجال حرية التعبير لا ينبغي تخطيها، وصنف آخر كرؤساء بعض المساجد المغربية، الأول بشمال فرنسا وآخر بباريس، أولهما حضر لبرنامج في موضوع هذا الحادث الأليم وأدلى بدلوه في الموضوع وفي نهاية المطاف وبشكل استغرابي طرح عليه ضيف صحافي السؤال التالي: هل تستطيع أن تقول أنت شارلي؟ فأجابه رئيس المسجد: نعم أنا شارلي، ونفس العبارة كررها رئيس مسجد في باريس.

خلاصة القول: لا أحد إطلاقا يعترف بأنه شارلي، ولو قالها جهرا أمام العالم، لأن القول شيء وما تخفيه الصدور شيء آخر. فهذا الأمر يعود بذاكرتي إلى فيلم "ظهور الإسلام" عندما كان يطلب من المسلمين أن يذكروا محمدا بسوء... والأهم من ذلك هو القاسم المشترك بين كل فئات المسلمين هنا بفرنسا: تنديد الجميع بما حصل من إرهاب وقتل للنفوس بغير حق في مدينة باريس القلب النابض لفرنسا، فالجميع يتبرأ من هذه الجرائم البربرية التي ارتكبت في حق فرنسيين ينتمون إلى ديانات واعتقادات وتوجهات مختلفة.

+ ما هي الجهات التي تسعى إلى تأجيج مشاعر الكراهية تجاه الأجانب المسلمين بفرنسا؟ وكيف تقيمون موقف الجمهورية الفرنسية المتخاذل إزاء حماية المسلمين والمساجد من الاعتداءات العنصرية؟

- الجهات التي تسعى إلى تأجيج المزيد من العنصرية والكراهية بفرنسا متنوعة، إن لم أقل كثيرة لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية وانتخابية.. سياسيا الحزب اليميني المتطرف هو الذي يحتل الصدارة في العنصرية والكراهية للأجنبي من أصول مغاربية ويصرح بذلك جهارا وفي واضحة النهار، وهي ورقته الرابحة لتعزيز شعبيته والتفوق على خصومه. وهناك بعض الأحزاب التي تسير في حياء في هذا المسار وتبدي عداءها للمغاربيين وبشكل يغطيه المكر والنفاق رغبة في ربح الرهانات الانتخابية المستقبلية.

أما اجتماعيا، فإن المهاجر المغاربي تنفر منه عيون الفرنسيين الأصليين لكونه يضايقهم في سوق الشغل، وهم تواقون لإعطاء الفرنسي حق الأسبقية في العمل والحصول على السكن لولا القوانين الفرنسية التي تنص على عكس ذلك.. إلا أن هذا لا ينفي من وجود بعض الأحزاب التي تسير في الاتجاه الصحيح الذي يشرف وجه الجمهورية الفرنسية احتراما للمواطنين بغض النظر عن جنسهم أو أصولهم أو اعتقاداتهم الدينية، إضافة إلى النقابات والمجتمع المدني، والجمعيات الحقوقية التي تدافع عن كرامة المغلوب على أمرهم من الأجانب.. وكي أكون واضحا، ومن باب الإنصاف والإعتراف بالجميل، فيما يخص علاقة السلطات الفرنسية مع المسلمين، في المدينة التي أقطن بها، فقد تقدمنا بطلب لعمدة مدينتنا "آنزا" المجاورة لفلانسيان شمال فرنسا، للحصول على مقر للصلاة، وبالفعل استجاب لطلبنا كجمعية ثقافية مغربية، وخصص لنا طابقا بكامله، يحتوي على قاعة للصلاة ومرافق حيوية للوضوء ومكتب..

وللإشارة، فكثيرا ما يتردد رجال الأمن على المساجد، خصوصا يوم الجمعة حفاظا وحماية على أمن المسلمين الذين يؤمون دور العبادة بكثرة في هذا اليوم.

+ هل الموقف يدعو إلى التخوف، وما هي سبل التغلب على الكراهية والعنصرية تجاه الأجانب والتي تفشت بفرنسا في السنوات الأخيرة؟

المسلم الحقيقي لا يخشى إلا الله، لكن الواجب يفرض علينا كمسلمين بالغرب، مقيمين وليس مهاجرين، أن ننزع من أنفسنا عقدة الأجنبي، وأن ننخرط في المجتمع الذي نعيش فيه بأجسادنا وعزائمنا ومبادراتنا، دون الانسلاخ عن أصولنا وتاريخنا وثوابتنا الراسخة.. علينا أن نفرض وجودنا في الغرب بشكل ايجابي، ثقافيا ومعرفيا وأخلاقيا وعلميا واقتصاديا، وذلك بتكوين أجيال تواقة لغد باسم، عن طريق التربية الصالحة والسلوكات الطيبة الراقية، حتى نتمكن من الانخراط بشكل مشرف في المجتمع الفرنسي.

كفانا من الوصاية، ومن استعمالنا كورقة بائدة في الغرب تمكن الأحزاب المتطرفة من النيل من كرامتنا وتعزيز شعبيتها على حسابنا.

فما دامت البطالة ضاربة أطنابها بفرنسا، وما دام الحزب اليميني المتطرف ومن سار على دربه يشنون  الحروب المستمرة ضد العرب والمسلمين، ومادام المثقفون من أصول مغاربية غير مهتمين بمصير الجاليات المسلمة، وما دام المغرب لم يعد النظر في الشأن الديني سيرا على المذهب المالكي السني المعتدل الجاري به العمل في بلادنا حفاظا على تطعيم ناشئتنا بنفس ديني معتدل، فستبقى حليمة على عادتها القديمة، وسيزداد الوضع سوءا إن لم أقل تدنسا والعياذ بالله.