الجمعة 22 نوفمبر 2024
جالية

صوفيا المنصوري: جل السياسيين الفرنسيين أشعلوا الفتنة ضد الإسلام والمهاجرين

صوفيا المنصوري: جل السياسيين الفرنسيين أشعلوا الفتنة ضد الإسلام والمهاجرين

تؤكد صوفيا المنصوري، صحافية مغربية مقيمة بفرنسا، أن تنامي العنصرية والعداء ضد الإسلام والمسلمين ليس وليد أحداث "شارلي ايبدو" وأحداث باب فانسين، فالجاليات المسلمة في فرنسا تعيش على إيقاع الكراهية والميز منذ ما بات يعرف بقضية محمد مراح. مشيرة في حوارها مع "أنفاس بريس" إلى أن الجهات التي تسعى إلى تأجيج العنصرية والكراهية كثيرة ومتداخلة.. فيها السياسي والإعلامي والمثقف، وبالطبع المتلقي المواطن العادي... وأن النخبة السياسية الفرنسية هي أول من توجه لها تهمة العنصرية وتأجيج الكراهية، لأنها هي من روجت لخطاب الإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب.

+ كيف تقرؤون كجالية مغربية تنامي الاعتداءات العنصرية والكراهية ضد الجاليات الأجنبية بفرنسا وخصوصا الجاليات المسلمة بعد حادث الهجوم على شارلي إيبدو (قتل الأجانب الاعتداءات على المساجد ، تقارير صحفية ورسوم مسيئة للإسلام والمسلمين..)؟

- أعتقد أن تنامي العنصرية والعداء ضد الإسلام والمسلمين ليس وليد أحداث "شارلي ايبدو" وأحداث باب فانسين، فالجاليات المسلمة في فرنسا تعيش على إيقاع الكراهية والميز منذ ما بات يعرف بقضية محمد مراح. وهنا سأورد نتائج التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية الاستشارية الفرنسية لحقوق الإنسان (مؤسسة وطنية مستقلة تقوم بدور تقديم المشورة والمقترحات للحكومة) في تقريرها لسنة 2013 حول العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الأجانب، والذي أكد أن المشاعر المعادية للمسلمين تتنامى بقوة في فرنسا، مشيرا إلى أن ارتفاع مؤشرات العنصرية مثير للقلق. وبحسب التقرير، فإن 55 بالمائة من الفرنسيين يعتبرون المسلمين مجموعة على حدة داخل المجتمع الفرنسي (يعنييصنفونهم على أساس الديانة وليس الانتماء للبلاد ) بارتفاع بأربع نقاط مقارنة بتقرير2011 و11 نقطة مقارنة بتقرير2009.

فهناك انطباع سيء عن الدين الاسلامي باعتباره يهدد نموذجا اجتماعيا يعاني صعوبات ويهدد العلمانية باعتبارها عنصرا من عناصر الهوية الفرنسية، لذلك فالاعتداءات التي طالت المسلمين مباشرة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة كانت متوقعة بالنظر إلى جو الكراهية والعنصرية السائد في فرنسا منذ سنوات، فحتى مؤشرات وقوع هجوم إرهابي بفرنسا كانت متوقعة بالنظر إلى تنامي المد الجهادي.. فالإحصائيات الأخيرة تتحدث عن عودة 1400 جهادي من سوريا والعراق.. لقد أصبحت فرنسا مشتلا للجهاديين الموالين لداعش والقاعدة، وهو ما لا تريد فرنسا تحمل مسؤوليتها فيه، وتعتبره من تبعات الهجرة، في حين أن جل المعطيات تشير إلى ان غالبية المقاتلين في صفوف "داعش" هم فرنسيو المولد والنشأة وصنيعة النموذج التربوي الفرنسي.

+ ما هي الجهات التي تسعى إلى تأجيج مزيد من العنصرية والكراهية بفرنسا؟ وماذا عن مواقف باقي الأطراف السياسية بفرنسا؟ وكيف تنظرون إلى اتخاذ موقف الحكومة الفرنسية في حماية المسلمين والمساجد من الاعتداءات مقابل حماية دور العبادة الخاصة باليهود والمسيحيين؟

- الجهات التي تسعى إلى تأجيج العنصرية والكراهية كثيرة ومتداخلة.. فيها السياسي والإعلامي والمثقف، وبالطبع المتلقي المواطن العادي... النخبة السياسية الفرنسية هي أول من توجه لها تهمة العنصرية وتأجيج الكراهية، لأنها هي من روجت لخطاب الإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب. فجل السياسيين يمينا ويسارا وأقصى اليمين، علقوا شماعة إخفاقاتهم السياسية على الهجرة وما تفرزه من عدم اندماج في المجتمع الفرنسي ومشاكل اقتصادية واجتماعية، معلقين آمالهم الانتخابية في الفوز بكرسي الرئاسة على دغدغة مشاعر الفرنسيين و إيهامهم بأن الآخر الأجنبي خطرعلى قيم الجمهورية.. فلا يخلو برنامج انتخابي من تدابير ضد الهجرة و التضييق على المهاجرين بسن قوانين مجحفة.

ثم ينبغي ألا ننسى أن في عهد الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي تم الحديث لأول مرة عن الهوية الوطنية الفرنسية، و ما صاحب ذلك النقاش من خطاب عنصري روج له إعلاميا، واستحدثت على إثر ذلك لأول مرة في تاريخ فرنسا، وزارة للهجرة و الهوية الوطنية.

في المشهد السياسي الفرنسي يحتل اليمين المتطرف -بزعامة مارين لوبين نجلة عراب العنصرية والكراهية جون ماري لوبين- الصدارة، فقد دفعت به الأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا إلى الواجهة، فارتفعت أسهمه.. وتتوقع بعض الجهات فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة في جولتها الاولى.. فضعف الحزب الحاكم في ايجاد حل للمشاكل التي يتخبط فيها المواطن الفرنسي، فتحت المجال أمام اليمين المتطرف للترويج لخطاب عنصري مفاده أن بؤس المجتمع الفرنسي ووضعه المتأزم راجع لسياسة فرنسا في مجال الهجرة التي فتحت المجال امام المهاجرين وخصوصا من أصول مسلمة للعيش في فرنسا و الإستفادة من مساعدات الدولة و التضييق على المعيش اليومي للفرنسيين.

إعلاميا منذ سنوات و القنوات التلفزية الفرنسية تستضيف دعاة الكراهية و العنصرية ونجد على رأسهم إريك زمور الذي لم يتوان لحظة في تأجيج روح الكراهية ضد المسلمين، وروج لصور نمطية مبالغ فيها عن الفرنسي المسلم أو الفرنسي من أصول عربية. ففي كتابه الاخير "الانتحار" طالب بترحيل كل مسلمي فرنسا لأنهم وبال على الجمهورية وقيمها. وبالمناسبة كتاب إريك زمور مؤشر قوي عن مدى عنصرية المجتمع الفرنسي، لأن عدد الذين تضامنوا معه عندما تم توقيفه من قناة ايتيلي الفرنسية بسبب مواقفه المعادية للمسلمين فاق المتوقع. أضف إلى ذلك صدور رواية أخرى مثيرة للجدل الشهر الماضي، للروائي ميشيل هويلبيك عنوانها "خضوع"، وهي الرواية التي تتحدث عن مستقبل العلاقة بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، وكيف أن المسلمين سينجحون بالاستيلاء على الحكم في فرنسا، وبأن رئيس فرنسا عام 2022 سيكون مسلما.

رغم دموية أحداث شارلي ايبدو إلا ان فرنسا ما زالت تتعامل بسياسة الكيل بمكيالين، فمثلا لم يتم التعامل مع المسلمين بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع اليهود، فقد تم الاعتداء على أكثر من 50 مسجد ومحل تجاري، لكن القنوات التلفزية مرت مرور الكرام على هذه الأحداث، حيث تمت استضافة شخصيات يهودية وقدمتها كضحية للإرهاب ومعاداة السامية، بالمقابل تمت استضافة شخصيات فرنسية مسلمة كمتهمة وجب عليها تبرير أحداث و أفعال أشخاص تعد في الأصل منافية للدين الإسلامي. لذلك فليس من قبيل المبالغة القول بأنه تم التعامل مع اليهود بصفة تفضيلية حتى في حماية دور عبادتهم المحسوبة على رؤوس الاصابع مقابل مساجد المسلمين العديدة.

+ هل الموقف يدعو إلى التخوف، وخصوصا بعض رفض فرنسا استقبال العمال المهاجرين المغاربة القادمين من اسبانيا؟ وهل ستنتصر قيم الجمهورية الفرنسية القائمة على المساواة والحرية على القوى العنصرية والتطرف؟

- الفرنسيون المسلمون والمهاجرون المسلمون من أصول عربية يوجدون مرة أخرى في وضع لا يحسدون عليه. فاليمين المتطرف ارتفعت أسهمه وشرع في الركوب على ما حدث من أجل بث خطاب الرعب والتخويف من الإسلام والمسلمين.. وفرنسا من خلال التدابير التي اتخذتها مؤخرا تبدو وكأنها لم تفهم بعد كيف تتعامل بحياد مع الأحداث، وكيف تفصل بين الإرهاب الذي يعد المسلمون أكثر ضحاياه في اليمن والعراق وسوريا وبين الإسلام وهو ديانة نصف المجتمع الفرنسي إن لم نقل أكثر.

وهنا يجد المسلمون أنفسهم في وضع المتهم المجبر على توضيح من هو، وتبرير ما وقع، والفصل بين ما حدث من قتل وتقتيل وبين الإسلام الحقيقي.

ستنتصر لا محالة قيم الجمهورية الفرنسية من حرية وإخاء ومساواة على العنصرية والتطرف والعنف، إذا ما تم التعامل مع الفرنسيين المسلمين على أساس مواطنة كاملة وليس نصف مواطنة، وبجعل قيم الجمهورية أساس سياستها التربوية في المدارس، وتجاوز الصور النمطية والأحكام المسبقة تجاه نصف المجتمع الفرنسي، وأن تتحمل الحكومة الفرنسية بكل مسؤولية اخفاقاتها الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب.. فمحمد مراح كان عميلهم قبل أن يقوم بهجماته، وعلى دعاة أسلمة المجتمع الفرنسي أن يمتثلوا لقوانين الجمهورية وسياساتها واحترام علمانية البلد الذي يعيشون فيه، وعلى ممثلي الجاليات المسلمة في مجلس الديانة الفرنسي وكل التنظيمات الإسلامية في فرنسا نبذ الخلافات والترويج لإسلام حقيقي قائم على الاعتدال.