الخميس 19 سبتمبر 2024
سياسة

هل ما زالت للاتحاديين قدرة على ترك لحم أجسادهم في الطريق؟

هل ما زالت للاتحاديين قدرة على ترك لحم أجسادهم في الطريق؟

ما يقع الآن داخل حزب الاتحاد الاشتراكييفرض الإسراع بالاعترافبوجود أزمة داخله، بدل محاولات الالتفاف على الواقع. ذلك أن الكاتب الأول الحالي للحزب، إدريس لشكر، دأب على القول إن أزمة الاتحاد هي انعكاس لأزمة المجتمع، نافيا نفيا قاطعا أن الحزب يعاني من اعتلال سيقوده إلى الموت إذا لم يتم تدارك الأمر. هذا في الوقت الذي يعتبر خصومه، من الاتحاديين وغيرهم، أن الحزب يمد حلقومه إلى الخارج بسبب حالة الاختناق التي يعيشها.

وإنه لمن الخطأ، يقول مراقبون، الارتكان إلى محاولات نفي أزمة الاتحاد التي ظهرت تجلياتها قبل انعقاد المؤتمر الوطني التاسع، وهي ليست مجرد توتر عابر بل هي أزمة عميقة جوهرها سياسي بالأساس. كما أنها غير مرتبطة باستخراج التيارات، والتلويح بالانشقاق والدفع نحو السقف الأعلى للتأزيم.

فإذا كان صحيحا، كما يبدو، أن هناك أطرافا تدفع في اتجاه تعميق الأزمة الداخلية للاتحاد الاشتراكي، وإلى توسيع دائرة استهدافاتها، وتسريع وتيرة تفاقمها، إلى درجة إظهار الاتحاد وكأنه على حافة الانهيار السياسي والتمزق التنظيمي، فإنه صحيح أيضا أن الاتحاد قدم الدليل، في مناسبات مختلفة، أنه قادر على التحكم في دينامية الأزمة واحتواء مسارها، رغم أنه عاش انشقاقات كبرى، ساهمت في إضعافه دون أن تنجح في القضاء عليه. وهو الدرس الذي لا ينبغي، يقول مراقبون، أن يغيب عن الذين يلوحون، الآن، بـ"أرض الله واسعة"، إذ أثبتت التجربة بأن من يريد التنفس خارج الحزب يموت تدريجيا ويطويه النسيان، ويتحول إلى ظاهرة صوتية، يحسب تعبير المفكر عبد الله القصيمي.

ولهذا، فإن أي احتواء للأزمة، التي تستعر الآن ونحن على أبواب مرحلة انتخابية هامة، لن يتم سوى بانكباب جميع الاتحاديين، الغاضبين والقانعين والساخطين والمحتفلين، على تحليل مصادرها العميقة، والوقوف على متغيراتها الطارئة، وبالعمل على تحديد وتسجيل المسؤوليات الكامنة وراء تفاقمها وبالحرص على صياغة منهجية ديمقراطية، بناءة وحاسمة لمعالجتها، بعيدا عن منطق الرابح والخاسر، ومن يستطع أن يوجه الضربة القاضية إلى خصمه، لأن الأساس في عملية الاقتراع هو: ما هو البرنامج الذي تقترح على المغاربة، وليس من هو الملاكم أو المصارع الذي تدعوهم إلى التصفيق عليه، وعلى قدرته على التنكيل بغرمائه وإخراجهم إلى العراء.

إن أزمة الاتحاد، يقول قيادي اتحادي وأحد المشرفين على "نداء من أجل مستقبل الاتحاد الاشتراكي" (محمد الأخصاصي)، "أزمة بنيوية، متعددة الأبعاد، ورتبطة من جهة بشروط وملابسات انخراط الاتحاد الاشتراكي في تجربة التناوب، ومن جهة أخرى بمحدودية الحصيلة الاجتماعية لهذه التجربة وما أعقبها من اختيارات. وفي خضم هذه الأزمة البنيوية، بمختلف أبعادها السياسية والتنظيمية والمعنوية، نشأت متغيرات ظرفية للأزمة أفرزتها تهافتات وأخطاء القيادة السياسية للاتحاد، في تدبير تحديات ومضاعفات الإخفاق الانتخابي، بصفة خاصة، وفي التعاطي مع الحقائق السياسية".

هذا هو الوجه العميق للأزمة، ولا يتعلق الأمر بتيارات "الانفتاح والديمقراطية" أو "أولاد الشعب" أو "العائدون" أو أزمة "من يملك المقرات؟" أو من يملك جريدتي "الاتحاد الاشتراكي" و"ليبراسيون".

والسؤال، الآن، هو: هل الاتحاد (أو على الأقل قيادته الحالية) قادر على الخروج من الأزمة عبر مراجع نقدية لحصيلة أدائه، وإصلاح عميق لبنياته التنظيمية، وتحيين شامل لمرجعيته الفكرية والإيديولوجية وتجديد جريء لخطه السياسي والنضالي، بما يعزز ثقة الناخبين في رسالته، ويرسخ علاقات التفاعل والتلاحم مع حلفائه السياسيين من قوى ديمقراطية ويسارية مناضلة.

هل تعي قيادة الاتحاد، ومعها نخبتها البرلمانية والشبيبية والنسائية والنقابية، أن "القطار فائق السرعة" (الانتخابات) قد انطلق، وأن المتخلفين سيجدون أنفسهم يعانقون الغبار إذا لم يسارعوا إلى امتطائه في الوقت المناسب؟

هل يعي الاتحاديون أنهم تركوا لحما كثيرا من جسدهم في الطريق، وأن أي ضربة جديدة بإمكانها أن تعصف بوجودهم نهائيا، وأن حزبهم سيتحول تدريجيا إلى "دكان" انتخابي لا يفتح أبوابه سوى للكائنات الانتخابية؟

هل يدرك الاتحاديون أنهم، إلى وقت قريب، كانوا أصحاب مشروع مجتمعي يقف بالمرصاد لأي محاولة لتأثيث البلاد بالظلام والانغلاق والتوليتارية؟

الحل ممكن، لكن ينبغي، أولا، الالتفات إلى التاريخ، ومراجعة النفس، واستحضار الشهداء الذين ماتوا من أجل أن تبقى فكرة الاتحاد مضيئة وساطعة..