السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: السعودية.. مات الملك، عاش الملك

عبد الحميد جماهري: السعودية.. مات الملك، عاش الملك

لم تصدق عبارة «المغرب بلدي الثاني» على أي رئيس دولة أو صديق للمغرب، كما كانت تصدق على الراحل الملك عبد الله رحمه الله.

فقد اعتاد المغاربة أن يسمعوا أخبارهم وهو تحت سمائهم وبلادهم أو بين فسحاتها، بالجنوب أو الشرق، كما أن أخبار تنقلاته، لم تكن تمر بدون أن يذكر اسم المغرب عند الحديث عنها.

الراحل تملك موهبة التوازن والتسويات..فهو، كما أجمعت البورتريهات والكلمات، إضافة إلى كتاب سيرته، توفق في أن يحافظ على الحكم، في لحظة انهيار شامل، إن لم نقل الحريق الشامل في المنطقة، وحتى وإن كان تاريخ عهده الرسمي قد بدأ في 2005، فإنه كان قد أصبح الرجل القوي والأول منذ أصيب أخوه الملك فهد بجلطة دماغية في 1996.. الملك عبد الله أدار أكبر وأقوى دولة سنية، في عز الحرب العراقية الإيرانية، وصعود نجم الآيات في إيران، كما أنه تولى إدارة البلاد مع حرب الخليج الأولى والثانية ، وتناثر رقعة الشطرنج الخليجية.

ليس من حق الشعراء الهجوم أو المديح على سرير الملوك النائمين، بتحوير لقصيدة درويش، عليهم فقط أن يتمعنوا في الحصي الذي يبقي من العاصفة..

والعواصف، ومنها عاصفة الصحراء التي هزت الشرق العتيق، لم تكن تشبه في شيء عاصفة الربيع العربي المسلح بالرهاب العقائدي والرعب وأسلحة دول الناتو.... وقد تلفحت المملكة، في سياق التوازن، الحذر والترقب في الحيطة وفي التموقع ضمن رقعة الاستقرار.. كما لو أن الواقع كان قد أصبح ماضويا ونكوصيا إلى درجة رهيبة أصبحت معها المحافظة أو التقوقع بحد ذاته موقفا سليما ويسير في التاريخ البطيء مثل ناقة في طريق سيار.

إنه نوع من التغيير الحذر للغاية، الذي ينتظر أن تصاحبه الذهنية الشعبية قبل أن يصبح قرارات قانونية أو سياسية.

كان الراحل قد دشن أفقا للتعايش عند زيارة الفاتيكان، وحطم جدارا بين مركز العالم الإسلامي ومركز العالم المسيحي، وأصبح من الضروري أن تدفع ذكرى الزيارة إلى عودة التقارب أو على الأقل، الحوار الإسلامي المسيحي، في خليج يعج الآن بالمذابح وبخطط تهجير المسيحيين وإفراغ المنطقة منهم باسم الخلافة أو باسم اللجوء الديني.

أذكر أنه في المعرض الدولي للكتاب بالرياض، كان المنع يطال كتابين، من مركز الدراسات، المقرب من الحركة الإخوانية يتعلقان بالصراع السياسي بين الصحابة، والثاني عن الوهابية والدولة، وكانت المفاجأة أن المنع رفع عن الكتابين، في لحظات تشويق لا يمكن أن نجدها إلا في بلاد تجيد الرقابة.

الصحافة الغربية، بما فيها التي تنتقد الحكم في السعودية نبهت إلى خصلة من خصاله، والمتمثلة في حرصه على نوع من التغيير في الداخل، مع حذر كبير لعدم استثارة الذهنية المجتمعية..
وانضافت إلى محاولة مواجهة الحراك الإيراني، محاولة لجم الأنظمة التي ينعت مع الربيع العربي، وكان للملك الراحل موقف أثار بالفعل انتباه أكثر منتقديه عندما هاجم وزير خارجية السعودية الموقف الأمريكي والخطة الامريكية التي ركبت على الموجة التحررية العارمة للدفع بإخراج سياسي محدد..

وقد اعتبر البعض أن ذكاء الملك الراحل تمثل في التعامل المختلف مع كل ربيع عربي على حدة.. فالتعامل مع ثورة سوريا ليس هو التعامل مع ثورة البحرين أو الثورة في مصر.. بما يحفظ للسعودية دورها الإقليمي الرئيسي الذي أرادت الإدارة الأمريكية أن تخلق له صنوا أو بديلا آخر غير الرياض.

ومن مهام الملك الجديد الأهمية القصوى لأمن الحدود، أمن يتنازعه الخطر العراقي الداعشي شمالا، واليمني جنوبا، بالإضافة إلى الخطر الداخلي كامتداد للخطر الشيعي السعودي والخطر الإرهابي الذاتي..

المجتمع السعودي الذي ورثه الملك ورث فيه نقط القوة التي أصبحت نقط الضعف، البترول اليوم يوجد في مواجهة البترول الأمريكي، في الوقت الذي تعرف فيه أثمان النفط انحدرا غير مسبوق..
الملك الحالي أعطى الإشارة بأنه «ملك انتقالي» عندما عين ولي العهد من الجيل الثاني، الأقل سنا من جيله وجيل شقيقه الراحل. وعليه أن يغير من صورة الدولة التي تمنع النساء من سياقة السيارات، وقطع الرؤوس، في مشهد لم يعد يليق إلا بدولة التنظيم الداعشي، أكثر من دولة عريقة تتوق إلى دور إستراتيجي في المنطقة الملتهبة.. أمام الملك الجديد الملفات المجتمعية الأخرى من عتبه الفقر والذين يعانون منها، ونسبة التعايش بين الثورة التكنولوجيا والقيم التقليدية، المشاركة في السلطة بما يضمن التغيير وسط الاستقرار، وقضايا أخري هي من صميم السيادة الأساسية للشعوب، تجيب عليها بمعرفتها ولكن تبقى أيضا ذات انشغال عالمي لما لدور السعودية من قيمة في المنطقة، وفي العالم الإسلامي الذي يتأرجح بين الفوضى وبين الانغلاق.