السبت 23 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

فهد الخيطان: الاستقرار أم التغيير؟

فهد الخيطان: الاستقرار أم التغيير؟

لم يكن مثل هذا السؤال مطروحا من قبل. لا وجاهة لطرحه أصلا. التغيير يعزز الاستقرار ويحميه؛ هذه بدهية تدعمها تجارب عالمية. لكن الأحداث التي شهدها العالم العربي في السنوات الأربع الماضية، كانت تستحق الوصف الذي أطلق عليها؛ زلزال هز المنطقة. ليس هذا فحسب، بل زلزل أركان ما استقر من نظريات وبدهيات في علم السياسة، وحركة التغيير العالمية.

بكل أسف، أصبح السؤال مشروعا؛ الاستقرار أم التغيير؟ في أربع من أصل خمس دول شهدت ثورات شعبية، عمت الفوضى، وتدهور الاستقرار إلى درجة باتت معها وحدة هذه الدول على وشك الانهيار؛ ليبيا، سورية، مصر، اليمن.

وفي دول أخرى مثل البحرين، انتهت محاولة التغيير إلى وضع البلاد في حالة اضطراب مستمر، وتحت التهديد في حال انسحاب القوات السعودية التي تدخلت لحماية النظام من السقوط.

التغيير لم يعرض مستقبل الدول التي شهدت ثورات للخطر فقط، بل طال دول الجوار. خذوا الحالة السورية مثلا، وما نتج عنها من تداعيات كارثية في العراق ولبنان، وضغوط غير مسبوقة على الأردن. الفوضى في ليبيا أيضا أصبحت مصدر تهديد لدول الجوار، وإذا ما استمرت على هذه الحال، فإن أمن تونس في مرمى الخطر.

الثورات الشعبية والسلمية شكلت في بادئ الأمر نكسة موجعة للقوى المتطرفة كتنظيم القاعدة. لكن حالة الفوضى التي سادت بعد ذلك، وفرت البيئة الخصبة لانتعاش التطرف، وولد من رحمها أكثر التنظيمات وحشية وهمجية؛ تنظيم "داعش".

كل هذه التطورات وغيرها وضعت سؤال التغيير والاستقرار على الطاولة. لم يعد بوسع المطالبين بالإصلاح في العالم العربي تجاهله. السرديات التقليدية في خطاب قوى الإصلاح العربية لم تعد تصلح في المرحلة الحالية. ليس كافيا ترديد "الكليشيهات" القديمة عن العلاقة الجدلية بين الإصلاح والاستقرار، الثورة والديمقراطية.

لقد غاب عن بالنا جميعا، ونحن نطالب بالتغيير، واقع الحال في المجتمعات العربية، وحجم الخراب الذي أصابها جراء عقود الاستبداد الطويلة، والموروث الثقافي والديني الذي يعيق قدرتها على التفكير في المستقبل. كما تجاهلت النخب دور العوامل الخارجية، ومدى قدرتها على التأثير في مسار التحولات الداخلية في أكثر من بلد.

من الناحية السياسية، كان اليمن، على سبيل المثال، متقدما على ليبيا؛ تعددية حزبية، وقدر غير قليل من الحريات الإعلامية. لكن هذه الفوارق، على أهميتها، لم تمنح اليمن مسارا أفضل من ليبيا. وبعد التطورات الأخيرة، ربما يكون المستقبل أكثر قتامة من ليبيا وسورية مجتمعتين.

وفي مصر، الوضع لا يقارن بسواها من دول "الربيع العربي"؛ نخب سياسية وثقافية وفكرية رفيعة المستوى، وطبقة وسطى نشطة سياسيا وحاضرة اقتصاديا، وجمهور عريض ومتجانس مذهبيا. لكن ذلك لم يحل دون الانزلاق بالثورة إلى حافة الصدام الأهلي، وعودة النظام القديم من أوسع الأبواب.

لم يعد ممكنا اليوم إقناع الجماهير بأن التغيير سيجلب مستقبلا أفضل. التجارب الماثلة من حولهم لا تعطي دليلا على ذلك. ينبغي التفكير في مقاربة جديدة تحقق الغرض من التغيير، من دون تعريض الاستقرار القائم، على ما فيه من نواقص كبيرة، للتهديد. هذا هو التحدي القائم أمام القوى المعنية بالتغيير والإصلاح في العالم العربي. وإذا لم تستجب لهذا التحدي، فإن قطار الاستقرار سيمضي من دون تغيير.

(عن صحيفة "الغد" العربية)