الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

لماذا هاجم ضاحي خلفان حزب عبد الإله بنكيران؟

لماذا هاجم ضاحي خلفان حزب عبد الإله بنكيران؟

حين تنبأ الفريق ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي السابق، بسقوط حكومة عبد الإله بنكيران سقوطا مدويا، وحدد ما تبقى لها من أنفاس في عام واحد أو يزيد، هل كان يستعير كلام العرافات، كما قال رئيس الحكومة، أم كان يستقرئ معطيات يتوفر عليها كرجل أمن ينتمي إلى دولة صديقة ووازنة، أم كان جريا على عادته يطلق النار صوب التنظيمات "الإخوانية" التي لا يخفي أنه يناصبها العداء، ومنها حزب العدالة والتنمية؟

قبل ذلك من هو ضاحي خلفان الذي أربك عبد الإله بنكيران وجعله يبتلع لسانه ويرفع أمره إلى الملك محمد السادس عساه يتدخل لدى حكام الإمارات لفرض احترام الحكومة المغربية ورئيسها وحزبها الأغلبي؟

إنه أول أمني إماراتي استطاع أن يجتذب إليه الأضواء من خارج دائرة حكام الإمارات، إذ من النادر أن تعثر على أي متتبع للسياسة العربية، لا يعرف اسم قائد شرطة دبي السابق. وهذا راجع، كما يقول أغلب المتتبعين، إلى مواقفه التي توصف في أغلب الاحيان بأنها مثيرة للجدل. فهو غالبا لا يتكلم إلا ليخلف وراءه الكثير من الغبار..

وبالرجوع إلى سيرته الذاتية، فهو الفريق ضاحي خلفان تميم المهيري، من مواليد دبي في 1 أكتوبر 1951. شغل منصب قائد عام شرطة دبي بين 1980 - 2013، التي منحته عضوية المجلس التنفيذي في حكومة دبي. كما شغل منصب رئيس اتحاد الإمارات لألعاب القوى سابقاً. وقد استمر في منصبه إلى غاية 23 نونبر 2013، حين أصدر محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، أمرًا بتعيين قائد جديد لشرطة الإمارة خلفا له، وهو اللواء خميس مطر المزينة.

ولعل أولى الإطلالات التي جعلت نجمه يسطع، كانت في أعقاب اغتيال محمود المبحوح، القيادي في كتائب "القسام" الفلسطينية في 19 يناير 2010 بفندق في مدينة دبي بعد صعقه كهربائيًا داخل غرفته وخنقه حتى لفظ أنفاسه من دون أن تظهر أي إصابات على جسده، حيث تمكنت شرطة دبي من اكتشاف تفاصيل الجريمة في ظرف قياسي. وكان تصريح ضاحي خلفان، الذي كان يترأس الشرطة آنذاك، الذي تحدث فيه عن تحول الخليج إلى منطقة صراع مخابراتي بين إيران والغرب، وعن أن هناك العديد من الجواسيس الذين يعملون لمصلحة الموساد في الخليج، ويحملون جوازات سفر أوروبية. وبعدها، وضع الرجل نفسه في الواجهة حينما بدأ بنشر التهديدات التي تلقاها من الموساد الإسرائيلي كـ "احم ظهرك إن كان بمقدورك أن تظل طليق اللسان"، وغيرها من تهديدات ولدت رأيا عاما مساندا له ولأدائه ولعمله وبدأ نجمه يسطع ويتتبع الكثيرون أخباره وإنجازاته وحربه المعلنة على الإخوان المسلمين الذين يشكلون، في رأيه، خطراً على دول الخليج ويسعون إلى إسقاط أنظمة الحكم بها.

هذا هو الموقف الذي عبر عنه ضاحي خلفان على حسابه على"تويتر" منذ اندلاع أحداث ما يسمى بالربيع العربي، ولم يسبق له أن أخفى ذلك، أو ادعى ما يخالفه. وبدأت تغريداته المهاجمة للإخوان بالتفاعل بين الناس حتى أضحى له جمهور كبير في العالم ينتظر آراءه كما تترقب تغريداته وسائل إعلام عربية وأجنبية.. ثم جاء الدور على إخوان المغرب حيث لم يكتف بتوقع سقوط حكومة "العدالة والتنمية" التي يسيطر عليها الإخوان، بل وصفهم بأنهم "أجسام بغال وعقول عصافير".

وقال خلفان، في تغريدة أخرى منتقدا حزب عبد الإله بنكيران"لا عدالة ولا تنمية لديه"، قبل أن يردف "الإخوان في كل مكان، في حزب أو جماعة أو جمعية "كلهم زي بعض"، متابعا "الإخوان أصلا عصابة في أي دولة" على حد قوله.

وعاد المسؤول الأمني الإماراتي السابق بذاكرته إلى الثاني من دجنبر الماضي حين التقى بمسؤولين من حزب العدالة والتنمية في حفل أقامته سفارة بلاده بالرباط، احتفاء بالعيد الوطني الـ 43 للإمارات وكتب: "جمعتني الصدفة بمسؤول مغربي من الإخوان، وقال لي إنه لا يستطيع أن يفعل شيئا، لأنه طاعن في السن، وأتى للسلطة متأخرا". وهو اللقاء الذي أكده بنكيران بقوله: "من غير المعقول أن يتهجم علينا هذا الشخص الذي جاء إلى المغرب واستقبلناه وأكرمناه".

فما الذي حدث؟ هل فعلا تحرك المسؤول الإماراتي ردا على تهميشه وسوء معاملته من طرف رئيس الحكومة المغربية، كما نقل ذلك موقع "هيسبربس" الذي حضر الواقعة، أم أن موقفه من العدالة هو موقف من الإخوان عموما؟ وهل يمكننا أن نهضم أن الرجل، وهو شخصية وازنة وتربطها علاقات قوية مع آل مكتوم، تحرك بدافع انتقام شخصي أو بدافع موقف مبدئي تجاه حكومة دولة يدرك جيدا، من موقع مسؤوليته، أن بلاده تربطها علاقات قوية معها؟

إن فرملة اللسان التي اعتمدها عبد الإله بنكيران لا تقبل إلا تفسيرا واحدا، ألا وهو إدراكه أن كلام المسؤول الإماراتي ليس كلام العرافات، وأن ثمة شيئا يطبخ خلف الكواليس لوأد أي محاولة للتطبيع السياسي مع الإخوان أو على الأقل للدفع في اتجاه عزلهم عن محيطهم الدولي وتأزيم وضعهم الإقليمي في أفق إضعافهم وإسقاطهم بالضربة القاضية. وهو ما يفسر بعض التحرشات "الإعلامية" المصرية التي لاحظنا أنها تستهدف، في العمق، حكومة "العدالة والتنمية" الداعمة لمحمد مرسي والمناهضة لعبد الفتاح السيسي، خاصة أن موقف الحكومة وموقف الدولة يقعان على طرفي نقيض، وأيضا لأن الإسلاميين ليسوا محل لا ترحيب ولا ثقة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن "ثمن الشراكة" الذي ينتظرونه من المغرب هو محاولة إرساء نظام معاكس لطموحات الإخوان الذين يريدون أن يكونوا استثناء على المستوى المغربي.

لقد أعرب ضاحي خلفان، يوم أمس، عن سعادته بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكويت قائلا: "أهلا وسهلا به في كل دول الخليج". وقد سبق له أن قال، قبل أيام، إن القوات المسلحة المصرية هى حماة الأمة العربية عبر التاريخ، قائلا: "ضعوا أيديكم بأيدي المصريين شعبا وحكومة، فإن مصر جندها حماة أمة عبر التاريخ". مضيفا، في تغريدة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن الشعب المصري قادة ثورة على خلايا الإخوان الهدامة وشتت شملها، إذا اهتز أمن مصر اهتز أمن الخليج".

هذا الاحتفاء بعبد الفتاح السيسي يحيلنا على الأزمة التي أشعلها مؤخرا بث تقارير إخبارية بالقناتين الأولى والثانية المغربيتين تصف الرئيس المصري بالانقلابي. فهل هو رد إماراتي على ما بثه التلفزيون المغربي؟ وهل هو إعلان واضح على أن أمن الخليج من أمن مصر وأن أي مس بشرعية السيسي هو مس بشرعية أنظمة الخليج؟ هل هو شد للأذن ومحاولة لإثارة الانتباه إلى المزالق التي يضع فيها إخوان المغرب بلادهم؟

لقد اختار بنكيران ضبط النفس، وهو اختيار المهزوم الذي يدرك أن النار تقترب من ثوبه، واختار ضاحي خلفان الكلام لأنه يدرك أنه رقم رئيسي في المعادلة الأمنية والسياسية لبلاده، على الأقل إعلاميا، ما دام له جمهور يتتبعه وينتظر مواقفه. والسؤال هو: هل سيستمر المغرب في تحمل حكومة يقودها موالون للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين (بعضهم وضعتهم الإمارات في القائمة الإرهابية: الريسوني نموذجا)؟ وهل سيدفع المغاربة الثمن لأنهم "انتخبوا" حكومة مرفوضة في محيطها العربي، أم أن كلام العرافات سيتحول إلى مخطط إستراتيجي لتطهير الحكومات العربية من أي تنظيم إخواني من المحيط إلى الخليج؟