في إطار المتابعة الإعلامية لجريدة "أنفاس بريس" لسلسلة الاحتجاجات التي دعت لها النقابة الأكثر تمثيلية بقطاع النظافة بوزان، والذي تديره شركة خاصة (التدبير المفوض)، وجب العودة إلى الموضوع من جديد.
التناول الإعلامي اليوم لموضوع سلسلة الاحتجاجات التي خاضتها شغيلة قطاع النظافة بوزان لا يمكن حصره في باب الإخبار – رغم أهميته – بل يرتكز على ترجيح كفة الحكمة والتبصر، واعتماد آلية الحوار المسؤول، وهي مقاربة أفضت في نهاية المطاف إلى نزع فتيل التوتر بين الشركة المشغلة والنقابة، حيث سيستأنف العاملون والعاملات عملهم بعد أن تضررت أحياء المدينة كثيرًا من تراكم النفايات المنزلية. وقد جاء استئناف العمل معززًا بحزمة من المكاسب، كما جاء ذلك في بيان المكتب النقابي (نتوفر على نسخة منه). بدورها، حازت المقاولة المشغلة على أهم مكسب لها، وهو حصولها على تذكرة المرور إلى "المقاولة المواطنة"، التي تبحث عن تحقيق الربح، وهو حق مشروع لا ينازعها فيه العمال والعمالات، شرط التزامها بحماية كرامتهم/ن المتعددة العناوين.
بعيدًا عن تناول موضوع احتجاج شغيلة النظافة من هذه الزاوية، رغم أهميتها، وجب التوقف عند معلومة مثيرة للانتباه والاستغراب، ضاعت بين كومة الأخبار المتعلقة بالمعركة النقابية والأجواء الإيجابية التي خيمت بعد تحقيق الشغيلة المضربة لحزمة من المكتسبات، والتعاطف الذي عبر عنه أهل وزان بأشكال مختلفة.
لم تكن هذه المعلومة، التي أسقطت الإدارة الترابية الإقليمية في المحظور، سوى تماهي الأخيرة مع "الوساطة المخدومة". كيف ذلك؟
قبل الخوض في التفاصيل، وجب التذكير بـ "مفهوم الوساطة" كما هو متعارف عليه عالميًا:
"الوساطة عملية غير رسمية وسرية لحل النزاعات، يتدخل فيها طرف ثالث محايد (الوسيط) لمساعدة الأطراف المتنازعة على التواصل وإيجاد حل يرضيهم، دون أن يكون للوسيط سلطة فرض قرار."
فهل كانت "الوساطة" لنزع فتيل التوتر، التي أشرنا إليها، مستوفية للشروط المطلوبة، والتي يمكن إجمالها في السرية والحيادية؟
لنقرأ الوقائع كما هي، بدون زيادة أو نقصان. المعطيات الرسمية التي نتوفر عليها تفيد بأن مجموعة المعارضة بمجلس جماعة وزان تقدمت بطلب إلى عامل الإقليم بغرض التداول في الاحتقان القائم بين نقابة عمال النظافة والشركة المشغلة. المبادرة مشروعة وتستحق التقدير، ولكن كان على عامل الإقليم، بناءً على تقديراته، أن يستقبلهم ويستمع لهم بعيدًا عن الطاولة التي يجلس حولها أطراف النزاع وباقي المتدخلين، لاستثمار ترافعهم بما يساهم في معالجة التوتر القائم.
ما غاب عن رجل السلطة الأول على رأس الإقليم هو أن المبادرة، رغم أنها محمودة، إلا أن تصنيفها بعيد كل البعد عن الوساطة، وذلك لأن المعارضة بمجلس جماعة وزان تفتقد شرط الحيادية، وقد تجلى ذلك بوضوح في الجلستين اللتين انعقدتا: الأولى بمقر العمالة تحت إشراف الكاتب العام، والثانية بمقر الجماعة، وقد حضرهما ممثل النقابة، مندوبية الشغل، ومجلس الجماعة في شخص نائبة الرئيس، والسلطة، والشركة المشغلة. أما حضور المعارضة فلا تفسير له، وما ينزع عنه صفة الوساطة، وفق مصدر موثوق تابع أطوار جلستي الحوار، هو استغلالها الاجتماع لمحاكمة رئاسة مجلس الجماعة.
المعطى الثاني الذي يجعل من "الوساطة" المفترى عليها بأنها "وساطة مخدومة" هو غياب عنصر السرية، ويظهر ذلك في الصورة التي عممتها المعارضة على أوسع نطاق مباشرة بعد مغادرة الاجتماع.
أما بعد،
بدون لف أو دوران، يحسب للمعارضة بمجلس جماعة وزان تسجيلها هدفًا في الزاوية 90 بشباك الأغلبية والسلطة الإقليمية. بالنسبة للأغلبية، كل المعطيات المتوفرة تفيد بأن مكتب مجلس الجماعة ظل صامتًا أمام سلسلة الاحتجاجات العمالية التي قادتها النقابة المعنية. ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد جاء من يملأه، وكانت ضربة معلم قامت بها المعارضة. إلا أن تدخلها يجب أن يُنظر له بعيدًا عن آلية الوساطة كما هي معمّرة عالميًا. من جانبها، زاغت عمالة الإقليم عن حدود أدوارها، خصوصًا في هذه الفترة السياسية الملتهبة، حين قبلت حضور فريق المعارضة بمجلس الجماعة للحوار، الذي بقوة القانون الأطراف التي تحضره محددة.
هنيئًا لشغيلة النظافة بوزان على نجاحها في خوض معركة نضالية مسؤولة وراقية، انتهت بتحقيق حزمة من المكتسبات. وهنيئًا للشركة على تفهمها لمطالب العمال والالتزام بتنفيذها وفق الجدولة المتفق عليها. أما الإدارة الترابية الإقليمية، فعلى صناع القرار بها أن يستفيدوا من الدرس، وأن يلتزموا بالقانون وجوهره، كما عليهم قبل أي خطوة استحضار التفاصيل السياسية لهذه الفترة الدقيقة التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية، حتى لا تصنف أي خطوة في خانة ما يمكن أن يشوش على ما ستقوله صناديق الاقتراع. أما الأغلبية المفككة بمجلس الجماعة، فعليها أن تعلم بأن "لي فرط كرط"، وقد "كرطت" لها المعارضة.
