العميد يوسف البحيري (يمينا) وهو يقدم المحاضرة الافتتاحية بكلية ايت ملول، جامعة ابن زهر حول تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب نظمت مجموعة البحث في الدراسات القانونية والاجتماعية والاستراتيجية بكلية الحقوق ايت ملول التابعة لجامعة ابن زهر باكادير يوم السبت 15 نونبر 2025 محاضرة افتتاحية في موضوع: تجربة العدالة الانتقالية ورهان الانتقال الديموقراطي بالمغربي. قدمها العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بمراكش. وذلك على هامش الندوة الدولية حول التحولات السياسية وأثرها على حقوق الإنسان.
حيث أكد المحاضر العميد يوسف البحيري بأن اختيار موضوع العدالة الانتقالية من خلال تجربة هيئة الانصاف والمصالحة ورهان الانتقال الديموقراطي في المحاضرة الافتتاحية، يروم بشكل أساسي القاء الضوء على محطة من التاريخ السياسي والحقوقي بالمغرب، قصد تكوين جيل من الشباب واع بدوره في الحفاظ على المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي. مضيفا أن الهدف من إجراءات العدالة الانتقالية التي تتم بواسطة لجان الحقيقة هو تحقيق التحول الديمقراطي عبر المرور من محطة هيئة الانصاف والمصالحة للوصول إلى الكشف عن الحقيقة واعمال حق المجتمع في المعرفة، مع تقديم الإعتذار للضحايا دون إثارة المسؤوليات الفردية، وإقامة المصالحة الوطنية، وإتخاذ إجراءات التعويض المادي والمعنوي للضحايا وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا وجبر الضرر الجماعي، وحفظ الذاكرة الجماعية، وتقديم ضمانات تشريعية ومؤسساتية للقطيعة من الماضي لكسب رهان الانتقال الديموقراطي.
وأوضح البحيري أن الدولة المغربية تراهن على الاقتراب من تجربتي إسبانيا والبرتغال في معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان اللتين تعتبران نموذجا ناجحا في التفاوض على التحول الديموقراطي وتجاوز الفترة العصيبة من التاريخ المؤلم وذلك بتبني سياسة اقتصادية وتنموية محورها المواطن ونشر ثقافة حقوق الإنسان والقيام بمجموعة من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية والقضائية في سياق البناء الديموقراطي.
وأشار العميد البحيري إلى اتخاذ الملك محمد السادس مبادرة هامة باحداث هيئة التحكيم المستقلة بتاريخ 16 غشت 1999، التي يتجلى دورها بشكل محدد في التعويض عن الضرر المادي والمعنوي لضحايا الإعتقال التعسفي أو الإختفاء القسري وتأهيل الضحايا من الناحية الطبية والنفسية.
وأكد البحيري أن المبادرة الملكية بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بمرسوم ملكي بمقتضى الصلاحيات الدستورية التي يختص بها الملك بصفته ححاميا لحقوق المواطنين وحرياتهم، وتنصيبها بتاريخ 7 يناير 2004، شكلت محطة بارزة في تاريخ المغرب الحديث من خلال دعم مسلسل الانتقال الديمقراطي و الكشف عن الحقيقة بتنظيم جلسات الاستماع العمومية للضحايا الذين قدموا شهادتهم عن المعاناة أمام الملايين من المشاهدين في التلفزيون المغربي والحديث التلقائي عن سنوات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري كخطوة جريئة غير مسبوقة في العالم لمصالحة المغاربة مع التاريخ في سياق حفظ الذاكرة الجماعية. مضيفا ، أن الهدف الأساسي من تنظيم جلسات الإستماع هو تكسير الحواجز النفسية، وتمكين الضحايا من التعبير عن المعاناة، فالدور البيداغوجي لجلسات الاستماع العمومية، يكمن في كونها منبر عمومي يعبر من خلاله الضحايا عن ما يمتلكوه من الحقيقة وهو ما يشكل عنصر ضروريا في مسلسل المصالحة وجبر الضرر الجماعي.
وقال البحيري، أن الملك محمد السادس في خطابه لتاسع مارس 2011 حول مرتكزات الوثيقة الدستورية، أعطى إشارة قوية بإعتبار توصيات هيئة الانصاف والمصالحة إحدى المرتكزات الاساسية للتعديل الدستوري، والتي ساهمت في إدراج تجربة هيئة الانصاف والمصالحة في التجارب العالمية الفريدة في التفاوض على التحول الديموقراطي. كما ان ترسيخ الخيار الديموقراطي في تصدير الدستور المغربي لعام 2011 ضمن الثوابت الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي كما هو الشأن بالنسبة للدعامات الأخرى كالإسلام والملكية الدستورية والوحدة الترابية وحقوق الانسان و عدم التمييز هو تعبير حقيقي على الإدارة السياسية للدولة في توطيد البناء الديموقراطي وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة.
وأوضح البحيري أن توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، ألقت بظلالها على اتساع دائرة الحقوق الاساسية والحريات العامة المعنية بالحماية الدستورية في وثيقة 2011 التي تتضمن 21 فصلا مقارنة مع دستور 1996 الذي أورد 11 فصلا، كما نص الدستور المغربي الحالي على ضمانات جديدة لحماية حقوق الإنسان :
- الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20 )
- الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غير من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية: "لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد،جريمة يعاقب عليها القانون"، (الفصل22 )
- "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون، الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات"، (الفصل 23 )
- الحياة الخاصة وحرمة المنازل وسرية المراسلات: "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون. لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية، كيفما كان شكلها"، (الفصل24) .
ومن جانب ثان، يضيف البحيري، أن الوثيقة الدستورية لعام 2011تؤكد على التشبت بتوصيات هيئة الانصاف والمصالحة في الشق المتعلق بشروط ومبادئ المحاكمة العادلة. حيث يتضمن الباب السابع الخاص بالسلطة القضائية في الشق المتعلق "بحقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة" (من الفصل117 إلى الفصل 128)مجموعة من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة في سياق الملاءمة والأخذ بمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية نذكر منها : قرينة البراءة كأصل، الحق في الدفاع، سرعة الفصل في الدعوى، الحق في المناقشة الحضورية لوسائل الاثبات، الرقابة القضائية على اماكن الحرمان من الحرية، علنية الجلسات وغيرها. . .