الخميس 25 إبريل 2024
في الصميم

البرازيل تناديك.. يا وزير السياحة!

البرازيل تناديك.. يا وزير السياحة!

رغم أن فاتورة النفط تمثل إرهاقا لكل المغاربة، إلا أن المغربي الذي يضع يده على قلبه كلما طالع أسعار النفط هو إدريس بنهيمة، الرئيس المديرالعام للخطوط الملكية المغربية، ليس لأن بنهيمة مهووس بتقلبات سوق الذهب الأسود بحكم مساره كمهندس أو كمسؤول سابق على المكتب الوطني للكهرباء، بل لأن كلفة «الكيروزين» تمثل اليوم حوالي ثلث كلفة استغلال الطائرة.

فحينما قررت شركة الخطوط الملكية المغربية منذ سنة فتح خط جوي بين الدارالبيضاء وساوباولو بالبرازيل كان سعر برميل النفط يساوي 110 دولارأمريكي، وهو المعطى الذي أزم مبادرة «لارام» بالنظر إلى أن ثقل الكلفة شكل آنذاك فرملة لطموح المغرب في تجسير العلاقة بين أمريكا اللاتينية والقارة الإفريقية. خاصة وأن تحويل مطار محمد الخامس بالدار البيضاء إلى موزع جهوي Hub انطلاقا من عام 2004 كان بمثابة فرصة فتحت شهية الخطوطالملكية لغزو مختلف الأسواق العالمية.

فالسوق البرازيلية لوحدها تمثل 200 مليون مستهلك (أي ما يوازي ساكنةالاتحاد الأوروبي تقريبا)، لكن مع ذلك فالمغرب لا يطمح في نقل كلالبرازيليين، بقدر ما يسعى إلى استقطاب الركاب الأفارقة العابرين بينإفريقيا وأمريكا اللاتينية، خاصة النيجيريين والغينيين والإيفواريينالمتواجدين بكثافة بالبرازيل والذين يمثلون 45 في المائة تقريبا منمستعملي خط البيضاء ساوباولو، فضلا عن الأوربيين ذوي الأصل البرازيلي أوغيرهم المتوجهين إلى أوروبا عبر البيضاء الذين يمثلون بدورهم 45 في المائة من مستعملي الخط المذكور.

الآن، وقد نزل سعر البرميل إلى 65 دولار أمريكي، فإن الخبر شكل فأل خيرللخطوط الملكية على هامش اقتنائها لأربع طائرات من شركة "امبراير" البرازيلية لاستعمالها في الخطوط الإفريقية والأوروبية، وكما شكل فأل خير لتعزيز حضور «لارام» في السوق اللاتينية، خاصة وأن حصة المغرب من السوق السياحية البرازيلية لا تتعدى 10 آلاف سائح برازيلي من أصل 7 ملايين برازيلي يسافرون إلى الخارج، أي أقل من 0.14 في المائة، وهي نسبة جد خجولة لا تتناسب مع حجم البرازيل كسادس قوة اقتصادية بالعالم.

وبدل أن يخصص لها المغرب الإمكانيات اللازمة لم يعمل حتى على فتح وكالة للمكتب المغربي للسياحة بالبرازيل للتعريف بالوجهة المغربية ولتحقيق مردودية أكبر لخط البيضاء ساوباولو، فأحرى أن يستغل الحدث للتغلغل أكثر في البرازيل التي أضحت اليوم قوة اقتصادية مهابة الجانب. بدليل أن شركة "امبراير" لصناعة الطائرات -التي زارتها «الوطن الآن» و"أنفاس بريس" رفقة الوفد الإعلامي- تشغل لوحدها 5000 مهندس مختص في الطيران، في الوقت الذي لا يتوفر فيه المغرب سوى على 35 ألف مهندس من كل التخصصات (مهندس مدني، معماري، فلاحي، معلوماتي، قناطر إلخ..). وهي من الشركات العملاقة التي يفتخر بها البرازيليون بالنظر إلى أن رقم معاملاتها سنويا يصل إلى 6 مليار دولار.

نجاح هذه الشركة لوحدها تكفي لفتح شهية كل من له «كبدة» على المغرب لدراسة سبب تألقها وتألق البرازيل. إذ من خلال مركز للبحث العلمي تطور الأمر إلى مصنع وفي ظرف 40 سنة أضحت «شركة امبراير» تتحكم في مفاصل اقتصاد الطيران العالمي المدني والعسكري على حد سواء لدرجة أن دفتر الطلبات الموضوع فوق طاولة رئيسها «باولو سيزار دو سوزا» يتضمن 6400 طائرة يتعين على البرازيل أن تسلمها خلال 25 سنة، أي ما يمثل وثيقة تأمين شغل لـ 24 ألف عائلة برازيلية خلال ربع قرن، هذا دون الحديث عن الموارد الهائلة التي ستدرها على خزينة البرازيل (أقل ثمن لطائرة صغيرة يقدر بـ 40 مليون دولار، وأقل ثمن لطائرة أعمال صغيرة يقدر بـ 3 مليون دولار).

قصة نجاح النموذج البرازيلي أغاضت الغربيين الذين حركوا كل وسائل التعبئة الإعلامية (تلفزة، صحف، وكالات أنباء، مراكز بحث جامعية) لتشويه صورة البرازيل: تارة بمطرقة الرأي العام من كون البرازيل دولة غير آمنة ويكثر فيها الإجرام، وتارة بكون الفساد يضرب أطنابه في الإدارة العمومية البرازيلية بشكل يشل الاستثمار وتارة من كون البرازيل دولة غير مؤهلة لاحتضان المنتديات واللقاءات الدولية. ومع ذلك لم تفلح هذه الآلة الدعائية في كبح اندفاع البرازيل لتتموقع ضمن نادي الكبار.

المغرب اختار -عبر شركة الخطوط الملكية- الوقوف في الشرفة للاطلاع على ما يجري في البرازيل.

الآن وقد اكتملت السنة على فتح الخط الجوي بين البيضاء وساوباولو يتعين النزول من الشرفة واقتحام أعماق البرازيل لكسب أسواقها وقلوب سكانها، وأول إجراء استعجالي التساؤل عن سبب تقاعس المغرب في فتح مكتب سياحي هناك.