Tuesday 4 November 2025
Advertisement
كتاب الرأي

سعيد الكحل: انتصار شعب وحكمة ملك..

سعيد الكحل: انتصار شعب وحكمة ملك.. سعيد الكحل

يشكل قرار مجلس رقم 2797 الداعي إلى مفاوضات لحل النزاع حول الصحراء المغربية في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، (فتحا مبينا) يفصل بين مغرب ما قبل 31 أكتوبر 2025 ومغرب ما بعده. إنه قرار تاريخي ينتصر لتضحيات شعب أمام كل مؤامرات تقسيم ترابه وتقزيم كيانه بفضل صموده وحكمة مَلكه. وأهمية هذا القرار الذي لطالما انتظره المغرب منذ سنة 2007، حين تقدم بمقترح الحكم الذاتي لإخراج ملف الصحراء من وضعية الجمود التي أدخله فيها حكام الجزائر لما يحققه لهم من مآرب سياسية، وعلى رأسها: تصدير مشاكلهم الداخلية إلى الخارج وتعليق فشلهم في خلق شروط التنمية وتوفير ظروف العيش الكريم للشعب الجزائري الذي يضطر، يوميا، للاصطفاف في الطوابير من أجل العدس والحليب والزيت، رغم الثروات البترولية والغازية التي يتوفرون عليها؛ أهمية هذا القرار الأممي يمكن الإشارة إليها كالتالي:

1 ـ على المستوى الداخلي.

أ ـ إضفاء الشرعية الدولية على السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية. إذ رغم السيادة الاقتصادية التي تعترف بها الدول الكبرى من خلال الاتفاقيات التجارية والاستثمارات المهمة بذات الأقاليم، تظل السيادة القانونية المعترف بها من مجلس الأمن والأمم المتحدة، والتي تشكل "الشرعية الدولية"، مطلوبة حتى لا "يتطاول أحد على حقوقه (=المغرب) وحدوده التاريخية" كما جاء في الخطاب الملكي بذات المناسبة.

ب ـ إنهاء الابتزاز والاستغلال اللذين عانى منهما المغرب مدة نصف قرن وأثّر سلبا على جهود التنمية ومواردها، ومن ثم، على ظروف العيش ومستوى الخدمات الاجتماعية المقدمة للمواطنين. فبعد أن شدد جلالة الملك، في ذكرى المسيرة الخضراء 2021، على ضرورة مغادرة "المنطقة الرمادية" لإقامة الشراكات الاقتصادية والتجارية مع الدول تشمل الصحراء المغربية، أعاد التأكيد عليها في ذكرى ثورة الملك والشعب، 20 غشت 2022 (ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات).

ج ـ التفرغ لبناء المغرب الموحَّد والصاعد عبر "تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر، بما يضمن استفادة الجميع من ثمار النمو، وتكافؤ الفرص بين أبناء المغرب الموحد في مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها"(الخطاب الملكي أمام البرلمان 10 أكتوبر 2025). فقرار مجلس الأمن سيسمح للمغرب بتوجيه كل جهوده إلى التنمية عبر كل جهات ومناطق المغرب. لقد كان النزاع المفتعل مكلفا ومستنزفا للموارد البشرية والمالية وللوقت وكذا لفرص التنمية.

2 ـ على المستوى الخارجي.

أ ـ إنهاء حالة "لا سلم ولا حرب" بين المغرب والجزائر التي فرضت تسابقا محموما نحو التسلح ينذر بانفجار الوضع في أي لحظة. لهذا جاءت مبادرة الرئيس دونالد ترامب لإقرار اتفاق سلام بين المغرب والجزائر. وهي المبادرة التي ثمّنها جلالة الملك في خطابه، بنفس المناسبة، عبر الدعوة الصادقة للرئيس الجزائري "لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار".

ب ـ "إحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس"؛ مما سيساعد على رفع العراقيل أمام دوله للتنسيق لمواجهة التحديات (التنمية، الجفاف، تحسين الخدمات الاجتماعية..) والمخاطر التي تحذق بالمنطقة (الإرهاب، الهجرة السرية، العصابات المنظمة لتهريب السلاح والبشر والمخدرات، الصراع بين القوى الدولية على ثروات المنطقة..).

ج ـ طرد البوليساريو من الاتحاد الإفريقي بعد أن أقر مجلس الأمن بالحل التفاوضي في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية. إذ لم يعد ما يبرر التعامل مع البوليساريو ككيان "مستقل" والاحتفاظ بعضويته داخل الاتحاد. وهي فرصة أمام الاتحاد الإفريقي ليصحح الخطأ الذي ارتكبه في حق المغرب بقبوله عضوية البوليساريو دون أن تعترف بها هيئة الأمم المتحدة.

د ـ إخراج ملف الصحراء من اللجنة الرابعة لهيئة الأمم المتحدة لإزالة أي غطاء تستغله البوليساريو لترويج أطروحتها "كحركة تحرر". خصوصا وأن ما صدر عن قيادة البوليساريو من رفض للقرار الأممي وتهديد بحمل السلاح، يفرض على المغرب إغلاق المداخل المرتبطة بـ"القانون الدولي" التي تستغلها الجبهة حتى يسهل عزلها وإظهارها، في حالة تعنتها، كمنظمة مارقة لا تمتثل لقرارات مجلس الأمن؛ ومن ثم، يسهل تصنيفها كتنظيم إرهابي.

مكّنت حكمة المغفور له الملك الحسن الثاني، من استرجاع الأقاليم الصحراوية بفضل المسيرة الخضراء دون حرب تحرير، وتأمينها بالجدار الرملي دون الانجرار إلى حرب لا تبقي ولا تذر؛ كما مكّنت حكمة الملك محمد السادس من وضع إستراتيجية معتمدة على التدرج والهدوء غيرت موازين القوى وجرّدت الخصوم من الدعم الدولي والغطاء "القانوني" لتسحبهم إلى داخل الإطار الذي تحدده مبادرة الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية. إذ لم يعد من خيار أمام البوليساريو وداعميهم سوى القبول بالتفاوض من داخل الإطار أو التمرّد على القرار الأممي وتحمل تبعات ذلك.