Monday 6 October 2025
كتاب الرأي

الصديق معنينو: الأميرة الحرة

الصديق معنينو: الأميرة الحرة الصديق معنينو
هي امرأة من أصول أندلسية، ازدادت وتربت وسط أجواء وطنية تهدف الدفاع عن شمال المغرب من الأطماع الإيبيرية.. ذاع صيتها لجمالها وعلمها وذكائها فعشقها الكثيرون وطلب يدها السلطان.
 
النشأة
تعرف تاريخيا بالسيدة الحرة واسمها الحقيقي غير معروف ازدادت سنة 1485 بشفشاون المدينة التي أسسها والدها كقلعة دفاعية.. حارب بن رشيد العلمي انطلاقا من مدينته الإسبان والبرتغاليين في سبتة وطنجة وأصيلا. وكان قد تزوج من سيدة أندلسية تدعى زهرة.. كانت زهرة وهي من مدينة قادس مسلمة ولظروف معقدة أصبحت نصرانية كاترين» لكنها عادت إلى دينها الأصلي.. من هذه الزيجة ازداد مولودان ذكر وأنثى.. والأنثى هي السيدة الحرة أو «الأميرة الحرة».
 
التربية
تربت السيدة في أجواء جهادية وثقافية ودرست على أكبر فقهاء ذلك الزمان.. كانت متحدثة لبقة بالعربية والإسبانية. ونظرا لوجودها باستمرار إلى جانب والدها، تساعده وتحضر مجالسه، فقد تحدث عنها الكثيرون بوصفها استثناءا غريبا على مجتمع ذكوري.
 
الزواج
تزوجها حاكم تطوان، أحد زعماء المنطقة المنتمي إلى عائلة المنظري الشهيرة ... احتفلت تطوان بهذا الحدث وتطلعت للتعرف على هذه المرأة الشفشاونية القادمة من الجبال... منذ البداية أظهرت اهتماما بالشأن المحلي وشاركت زوجها في تدبير الملفات السياسية والإدارية والعسكرية، كما اهتمت بما يجري في الضفة المقابلة.. أعجب الناس بهذه المرأة الأنيقة والجريئة لذلك اختاروها حاكمة بعد وفاة زوجها.
 
الحكم
أسرعت السيدة في الاستيلاء على الحكم وأبعدت كل المتربصين والطامعين واهتمت بالمدينة ومشاكلها وبالميناء الواقع على نهر مرتيل ونشاطه التجاري.. حاورت الإسبان والبرتغاليين تارة ودخلت معهم في مواجهة تارة أخرى... ضيقت الخناق على السفن الإيبيرية ونظمت نشاطا للقرصنة كان يُغدق على خزانة المال المزيد من الموارد.. كانت تجامل الإسبان لاستفزاز البرتغاليين وتقترب من البرتغاليين لإثارة الإسبان... «السيدة الحرة» هي المرأة الوحيدة، الأولى والأخيرة، التي حكمت بطريقة مباشرة جزءا من المملكة المغربية.. لذلك تكون هذه القائدة الشهيرة استثناء ليس فقط في المغرب بل في العالم الإسلامي.

في زمانها، أي نهاية حكم الدولة المرينية وصعود الدولة الوطاسية، وما تميزت به من ضعف وتمزق. وخوفا من تأييدها للدولة السعدية الناشئة رأي السلطان مولاي أحمد الوطاسي ضرورة الاقتراب من السيدة الحرة ووضع حد لصولتها بعد أن أصبح اسمها على غالبية الأفواه...
 
السلطان 
بعث السلطان بوفود من العلماء والأعيان وبكثير من الهدايا لطلب يدها.. رأيت السيدة في ذلك فرصة لتعزيز سلطتها ومواجهة المؤامرات المحلية بقيادة عائلة زوجها الراحل وكذا تحرشات البرتغاليين الذين احتلوا سبتة إلى جانب أطماع الإسبان اشترطت أن يكون العرس في تطوان. قبل السلطان ذلك وتوجه في موكب كبير دخل تطوان وسط فرحة عارمة ... تم الزواج يوم 30 يونيو 1541... فاجأت «السيدة الحرة» السلطان حين رفضت مرافقته إلى فاس، خوفا من إدخالها إلى حريمه وحرمانها من حكمها.. قبل السلطان ذلك وعاد إلى فاس...
 
ويمكن القول إنه لأول مرة تزوج سلطان مغربي خارج العاصمة وبعيدا عن القصر، كما يمكن التأكيد على أنه لأول مرة تزوج السلطان وترك زوجته تمارس الحكم بعيدا عنه وفي منطقة حساسة من مملكته.
 
أميرة الجهاد
عندما تيقنت من دعم السلطان لها ربطت علاقات تعاون مع الأتراك بقيادة القرصان الشهير خير الدين بربروس، كان الأتراك في صراع مع الإسبان في البحر الأبيض المتوسط.. وبذلك ضمنت عبر كل هذه التحالفات مصادر دعم كانت بذكاء وحكمة تستغلها لترسيخ حكمها.. لقبت بأميرة الجهاد البحري».
 
استطاعت السفن التطوانية والتركية الاستحواذ على السفن الأجنبية وكانت ترسو في ميناء مرتيل حيث تتم القسمة بين الجانبين.. بل جعلت من الميناء قاعدة لإصلاح وصناعة السفن ومركزا تجاريا ينافس ميناء سبتة. كانت من هذا الميناء تحلم للعودة إلى فتح الأندلس....
 
في شفشاون
تحالفت ضدها القوي الخارجية والداخلية فتم إبعادها وعودة آل المنظري إلى الحكم.. غادرت تطوان وعادت إلى عرين والدها حيث قضت ما تبقى من حياتها إلى أن بلغت التسة والستين من عمرها.. توفيت في شفشاون وتركت للتاريخ نموذجا فريدا لوصول امرأة إلى الحكم وتدبيرها لشؤونه وسط أجواد صعبة من التنافس الداخلي والتوسع الإمبريالي الإيبيري. قادت حركة جهادية بحرية وحركة إصلاحية داخلية بحكمة وذكاء.
 
دفنت في الزاوية الريسونية بشفشاون، رحمها الله.