هناك شعورٌ بالانزعاج بين الشباب، يدفعهم إلى التعبير عن أنفسهم بطريقةٍ أو بأخرى، أحيانًا بطريقة سلمية، ونادرًا بعنف. لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرٌ عميقٌ على مجتمعنا فقد أصبح متنفسًا يوميا لهم، لا سيما الشباب المتصلون باستمرار على شبكة الأنترنت. وعندما تسنح الفرصة، غالبًا ما يعبر الشباب عن أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبصفة جماعية في الشارع أو في ملاعب كرة القدم، ولكن نادرًا ما يتخذون شكل أعمال شغب، كما هو الحال هذا الأسبوع في مدن وجدة، وإنزكان، وتارودانت، وسلا، وعلى الطريق السيار للدار البيضاء.
المظاهرات، تقليد راسخ
منذ أواخر التسعينيات، شهدنا ترسيخًا تدريجيًا لتقليد الاحتلال السلمي للمجال العام. وقد نجح المغرب في إرساء تقليد للاحتجاج الاجتماعي السلمي، بعيدًا كل البعد عن أعمال الشغب العنيفة والقاتلة التي ميزت سنوات الثمانينيات. ويجب التذكير بأن أحد متطلبات الديمقراطية هو أن يكون استخدام القوة متناسبًا مع خطورة الإخلال بالنظام العام.
لكن للأسف، لا يزال المغرب يفتقر إلى تقليد الوساطة. وغالبًا ما تكون هذه مبادرة محلية، وأحيانًا تكون مرتجلة. وتشترط الوساطة اتفاقًا بين الطرفين المتنازعين، أملًا في تبديد أي سوء تفاهم محتمل، وإقامة تواصل بين الدولة والمحتجين. والوساطة الاجتماعية وسيلة لحل النزاعات بين طرفين أو أكثر. ولكن لا تسعى الدولة المغربية إلا إلى الحوار مع المؤسسات، وتُستبعد أي مجموعة غير رسمية من التفاوض حتى لو كانت تعبئتها كبيرة وكثيفة، كما كان عليه الحال في السنة الماضية مع الاحتجاجات المتكررة للأساتذة والمعلمين وطلبة الطب.
مجتمع جديد في طور التشكل
يجب أن نقتنع بأننا نعيش حاليًا في مجتمع يتميز بالاحتجاج الجماعي. مجتمع يسوده اليأس والأمل في آن واحد. يتزايد الاحساس بالظلم في كل مكان، مدفوعًا في نهاية المطاف بالأمل في تغيير وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وذلك من خلال الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات واستعمال ملاعب كرة القدم ووسائل التواصل الاجتماعي والأغاني والمقاطعات والعرائض والشكاوى لمنظمات حقوق الإنسان. يُعبّر السكان بصفة فردية وجماعية عن رغبة عميقة في العدالة، يعني ضد كل أشكال الظلم.
تجدر الإشارة إلى تنظيم آلاف المظاهرات السلمية سنويًا، وخاصة منذ عام 2008، بمعدل 52 فعل احتجاجي جماعي يوميًا. لم يعد سكان المدن تحمُل الاختلافات الاجتماعية الصارخة، كما يتضح من الشعارات التي تُرددها مختلف حركات الاحتجاج الاجتماعي في المجالات العامة. والشعور بالحرمان والإحباط يتسع يوما بعد يوم خصوصا، كما يقول بعض الشباب الغاضب، بعد الاستثمارات المالية الهائلة استعدادا لتنظيم كأس العالم 2030 .
هناك إذن شباب متعلم ومثقف يعبر عن غضبه سلميا، ولا ينبغي الخلط بينه وبين شاب آخر يخرج عن المسار ويعبر عن نفسه بعنف عندما تسمح الفرصة (الدعوة إلى إضراب عام، الدعوة إلى مظاهرة، صلاة الجمعة، ملاعب كرة القدم، إلخ) أو بعد صدمة أخلاقية ناجمة عن اغتصاب قاصرين، أو زواج مثلي، أو عنف الشرطة، أو خطأ طبي، أو اغتيال، أو توزيع مساكن اجتماعية يُنظر إليها على أنها غير عادلة، إلخ.
الشعارات والمطالب (الصحة والتعليم) قديمة، لكنها لا تزال قائمة. تتشابه في كثير من جوانبها مع حركة 20 فبراير، لكن دون بُعد سياسي؛ يعبر الشباب على مساندتهم للملك ضد الحكومة والبرلمان. مقارنة مع احتجاجات 2011، فقد تغير السياق الرقمي حيث نشاهد اليوم استخدامًا مكثفًا لوسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة الشباب، ولإقامة لقاءات بعيدة عن أعين السلطات المحلية والمؤسسات السياسية والنقابات والجمعيات.
إلى جانب التراجع التدريجي للخوف من السلطة السياسية (المخزن) وتزايد عدد الفئات الاجتماعية الحضرية والمتعلمة، ساهمت التعبئة الاجتماعية المتنوعة في ضمان انتقال تدريجي من وضعية السكان السلبيين والخائفين والعاطفيين والمستسلمين والمستجيبين للقدر، وبالتالي غير الغاضبين، إلى وضعية المواطن الواعي لحقوقه ومسؤولياته والمستعد للتعبير عن رأيه ويقينه التام في إمكانية تغيير الوضع القائم.
التظاهر مقابل التجمهر
ينبغي على الشباب والجمهور عمومًا عدم الخلط بين التظاهر و التجمهر. فالتظاهر حق يكفله الدستور، إلا أن التجمهر يُعاقب عليه القانون. ولا يزال الوضع القانوني للاعتصام في المجال العام غامضًا. فهو ليس مظاهرة في شارع عام، ولا تجمعًا (مسلحًا كان أم غير مسلح)، ولا اجتماعًا عامًا. ولا يُشير القانون المغربي إلى هذا النوع من الاحتجاج. وكانت هناك عدة محاكمات بالسجن في حق جمعيات نظمت وقفات في المجال العام حيث اعتبرت تجمهرا وليس مظاهرة.
لا يحق لأي شخص احتلال مكان عام بشكل جماعي وفجائي. تبدأ المواطنة باحترام قوانين البلد. من الناحية القانونية، التظاهرة هي عمل جماعي يتم في شارع عام، ويتطلب تنظيمًا وتصريحًا إداريًا مسبقًا. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الجهات الفاعلة التي يحق لها احتلال الشوارع سلميًا مُعرّفة قانونيًا: الأحزاب السياسية، والنقابات العمالية، والمنظمات المهنية، والجمعيات.
عبد الرحمان رشيق/ باحث في علم الاجتماع