Friday 3 October 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: ما حدث ينبغي العودة إليه مجددا.. لأنّ له ما بعده!!

محمد عزيز الوكيلي: ما حدث ينبغي العودة إليه مجددا.. لأنّ له ما بعده!! محمد عزيز الوكيلي
 الواقع أن الكلمات والجمل الوصفية والتحليلية تعجز عن مسايرة الأحداث في تسارعها القياسي والعميق، لأن المرء يكاد لا ينتهي من تحليل واقعة حتى يجد غيرها قد حلت محلها، أو تشابكت معها، فلا يعود لتحليله أي معنى، أو يجده وقد تحوّل إلى عمل تجاوَزه الواقع!!
قبل يومين كنا نتكلم عن ذباب إلكتروني جزائري تسلل بهويات منتحَلة، إلى الفضاء التواصلي المغربي، فبث حقده ودسيسته بين يوتيوبر مغاربة، السوادُ الأعظمُ منهم قاصرون، وهذا ما أسفرت عنه المتابعة المصوَّرة للوقائع أوٍلاً بأوّل، حتى صار السؤال المطروح لدى عامة المتتبعين، ليس عن الأسباب التي جعلت قاصرينا ويافعينا يفقدون صوابهم ويمارسون أعمالا إجرامية تستوجب المتابعة والعقاب، وإنما السؤال عمّا كان يفعله آباؤهم وأمهاتهم وأُسَرُهم وأقرباؤهم، وهم يرونهم على تلك الحالة الهستيرية دون أدنى تدخل منهم لامتصاص غضبٍ يُفترَض ان يصيب الكبار والراشدين، أم أنّ الموضة في زمن التواصل الاجتماعي، واللااجتماعي، تقتضي أن يختبئ الكبار وراء الحيطان، ويكتفوا بدفع صغارهم إلى فوهات مدافع القانون، والقانون لا يفرق بين جانح وجانح، فكلاهما عرضة للمساءلة والمعاقبة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتخريب الممتلكات، العمومية والخصوصية على السواء، وممارسة العنف المقصود ضد المواكنين وضد القوات العمومية. 
وكما نعلم جميعاً، فعلى كاهل القانون ورجاله وأجهزته تقع مسؤولية حماية تلك الممتلكات، وتلك القوات، تحت أي ظروف أو أي اعتبارات!!
رأيتُ بأم العين، بالأمس، عبر شاشة المحمول، طفلاً لا يتعدى عمره الثامنة يضرب بالحجارة لا ليلعب، أو ليكسر زجاج محلات تجارية أو نوافذ مساكن، بل ليجرح، وربما ليصيب عنصراً أو عناصر من القوات العمومية في مقتل... أين والد هذا الطفل ووالدته؟!!
شخصياً، أتفهّم ما ذهب إليه أحد المحللين، حين انتهى من تحليله لهذه الظاهرة إلى المطالبة بمساءلة آباء وأولي أمر الأطفال واليافعين المعتقلين، بل وتجاوز المساءلة  إلى المطالبة بتعريض آبائهم للعقاب، لأنهم هم الذين دفعوا بهم إلى أتون العراك والشغب ليرتكبوا ما ارتكبوه بسبق إصرار وترصد. ومَن قال من الآباء إنه لم يكن يعلم شيئا فسيكون عذره والحالة هذه أكبر من زلّته!!
إن الدولة ليست "نونوساً" تتكفل برعاية أطفال في عمر الزهور والشرنقات ليسوا باليتامى، بل أطفال يصيحون ويجهرون بما يدور في بيوتهم، حتى أن منهم من ضبطوه متمنطقاً خنجرَ مطبخ، أو مطرقةَ والدٍ إسكافٍ، أو عكازَ جَدٍّ مُتهالك، كما لو كان يستعير قميصا ليحضر به حفل عيد ميلاد صديق أو زميل دراسة أو رفيق زقاق!!
 ظاهرة أخرى تجلت بشكل فُجائيّ، بعد ساعات قليلة فقط، من توقُّف أعمال الشغب والتخريب، وهي ظهور مجموعات من الشبابٍ، ذكوراً وإناثاً، قدّموا أنفسهم كمؤطرين لحركة "جيل z"، أكدوا براءة ذمتهم من الأعمال التخريبية التي شهدتها مدن مغربية مختلفة، وخاصة في وجدة وأكادير وإنزكان وبعض أحياء الرباط والدار البيضاء... وأكدوا أيضا أنّ حركتهم ملتزمةٌ بالاحتجاج السلمي والمُسالم، مؤكدين بالمناسبة حبهم للوطن وللملك ولعامة مواطنيهم، وألحّوا على كونهم معتزين بما تم تحقيقه من المكتسبات ولكن، مع الإشارة إلى القطاعات التي أثارت خرجتهم الاحتجاجية وهي على الخصوص: الصحة والتعليم والشغل والسكن... 
والأجمل من هذا، أنهم زادوا على ذلك بإعلان "الوَقْفَ الفوريَّ لحراكهم الاحتجاجي" بدون قيد ولا شرط، حتى لا يختلط نضالهم، كما قالوا، بأفعال البلطجة المدفوعة من خارج الوطن. وجميعنا يعلم أن تلك الأفعال مؤدّى عنها بلا ريب من خارج الوطن، ومؤيَّدَة من لدن بعض "خونة الداخل" الجبناء، الذين يعلم الجميع حقيقتهم، وأهدافهم، ومراميهم، ويعلم الجميع أنهم منذ سقطاتهم السياسية المدوّية وهم يضمرون السوء للوطن وأهله، وقد وجدوا في هذه الظرفية بالذات فرصتهم المواتية، والذهبية، ليقلبوا ذلك الحراك السلمي إلى ما لا تُحمَد عقباه... ولا ريب أن ذلك، كما سبقت الإشارة، سيكون له ما بعده!!
هذه إذن معطيات جديدة وغير متنظَرة ولا متوقَّعة، عرّت في دقائق قليلة استغرقتها تلك التصريحات الشبابية سوءات الجبناء المحرِّكين في الخفاء لكل ما وقع من السوء، وما قد يقع لا قدّر الله، لأن أمثال هؤلاء من النوع الذي لا يعرف الهروب سوى إلى الأمام، وليس إلى الخلف كما يقتضي منطق الأشياء، ولأنهم يكرهون النجاحات، كل النجاحات، التي حققتها بلادنا في عهد هذا العاهل الذي يُوثِر على نفسه ولو كان به مرض، والذي نذر وقته وراحته وصحّته وسلامته في خدمة قضايا وطنه ورعاياه، تحت شعار مقاربة اجتماعية لممارسة السلطة، بشّر بها منذ جلوسه على عرش أسلافه المنعّمين، ولكن سخرية القدر أبت إلاّ أن يكون ويظل الوحيد الذي التزم بتلك المقاربة، وذلك المفهوم الجديد للسلطة، الذي لم تستطع أن تُسايِرَه السلطاتُ الثلاثُ بأي شكل من الأشكال، ولم تستطع مواكبتَه مؤسساتُ المجتمع المدني بذاتها، وهي التي تعتبَر الأكثرَ قُرباً من القوى الممارسة للحركات الاحتجاجية السلمية المعتادة، منذ المسيرات المواكِبة للربيع العربي، مرورا بوقفات الأساتذة، ثم الأطباء، ثم أطر الإدارة القضائية، ثم المحامين، واللائحة طويلة وحافلة، بلا دمار، ولا خراب، وبلا إضاعةٍ للممتلكات، أو إهراقٍ للأموال العامة!!
تُرى ما الذي لا يزال يُخبّئُه ويُبيّتُه أولئك الجبناء المستترون، المختبئون وراء زحلقات الأطفال القاصرين واليافعين؟.. ذاك هو السؤال!!!
محمد عزيز الوكيلي،  إطار تربوي متقاعد.