Wednesday 1 October 2025
كتاب الرأي

يوسف البردويل: إعترض ولا تدمر.. قف وفكر

يوسف البردويل: إعترض ولا تدمر.. قف وفكر يوسف البردويل
للإنسان حقوق كَفَلَتها كل الشرع والاتفاقيات والمواثيق الدولية والوطنية، ولعلّ منها الحق في التعبير وحرية الرأي، وكذلك الحق في التظاهر والاعتراض. وعلى مدار الحياة لم أسمع يومًا أن للإنسان الحق في تدمير موطنه أو إحراق مؤسسات ومركبات خدمية، أو سبّ وقذف رجال الأمن ونعتهم بألفاظٍ لا يقبلها كائنٌ من كان.
 
لا شكّ أنه قد تصاب حكومةٌ ما بالفساد، وقد يتواطأ مسؤولون في القيام بعملهم، وعلى أثر ذلك تفقد المنظومات داخل المجتمع قيمتها وبوصلتها الحقيقية، وقد يصبح التعليم لا يُعلّم، والصحة لا تُطبّب، وغيرها من قطاعات المجتمع الخدمية التي قد تُصاب بخلل في عملها وأداء وظائفها المخصّصة لها. وقد يستشرِي الظلم في شتى مناحي حياة المواطن، لكن كلّ ذلك لا يبرّر ردةَ الفعل ولغةَ التعبير التي ينتهجها البعض ظنًّا منه أنه بالسبّ والقذف والحرق والتدمير سوف يصحّح ما أفسده الآخرون؛ ولكنه مخطئ تمام الخطأ، لأن بعض أخطاء البناء لا تبرّر الهدم.
 
الكثير من الشعوب العربية جعلت من لغة الفوضى أسلوبًا لانتزاع حقوقها، لكنها سرعان ما عَضّت أصابعها ندمًا على ما اقترفتْه يداها لما أوصلت نفسها إليه من فلتان أمني وعدم استقرار. فالتقصير في الأداء وخلل الوظائف وفساد المؤسسات والمؤسسين «يمكن إصلاحه» خيرًا من تغييرٍ يصحبه تدمير، والذي بدوره يخلق حالةً من الفوضى كان يتربّصها أعداء الوطن لتتحول البوصلة من المطالبة بالتغيير والإصلاح إلى احتلال وإحلال لأجندات خارجية تعيد الوطن والمواطن إلى عهد ما قبل الدولة.
 
لست من المدافعين عن الفساد السياسي وأهله أينما كانوا، ولا ممن يسوّق المبررات، لكنني أعي جيدًا بأن الدستور جاء بالحقوق والالتزامات، وكذلك أقرّ بالتغيير ولكن وفقًا لطرق منطقية وشرعية. فمن حقك الاعتراض — فاعترض ولا تُدمّر — ومن حقك التظاهر — فتظاهر ولا تتماهر في حرق وتكسير الممتلكات العامة المنقولة وغير المنقولة. من حقك الخروج إلى الشوارع، ولكن لا تُقفل الشارع أمام المارة ومن لديهم أعمال ودراسة والتزامات يومية. من حقك التجمهر في الساحات العامة، ولكن لا تحتلّ الحدائق والمتنزهات للمواطنين وتحولها إلى ساحة معركة. من حقك التعبير عن الرأي، ولكن انتقِ ألفاظك ولا تكن جارحًا أو خادشًا للحياء، متطاولًا على رجال أمن لطالما باتت أعينهم تحرس لتحميك وتوفّر لك الطمأنينة وأنت نائم.
 
خير الكلام ما قلّ ودلّ. افعل ما تريد ولكن وفقًا للقانون؛ غَيِّر وأصلح عبر صناديق الاقتراع، ولا تخطئ في اختيار من يمثلك ويقرر مصيرك ثم تعود تطلب الإصلاح وأنت من بدأ بالفساد حينما جعلت من منافع شخصية سببًا في اختيارك لأشخاصٍ تسبّبوا في ضياع مستقبلك. التغيير يكون بالطرق السلمية حفاظًا على الوطن ووحدته وتماسكه.
 
اعترض ولا تُدمّر؛ اوقف وفكّر واعلم أن هناك الكثيرين من المتآمرين الذين ينتظرون اللحظة التي تشتعل فيها النار ليبثّوا سمومهم بين الأنقياء فيصبحون وسيلة ودمى تحركهم أيادي معادية، ووقتها لن تبقَ لا صحة ولا تعليم ولا حتى إنسان.
 الدكتور يوسف البردويل، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية