يرتكب سوء تقدير مؤكد بعدم التعامل بمسؤولية وجدية مع تبدد الايديولوجيات بالمغرب، ربما هناك رهان على التحولات الجيلية ا لكونية والوطنية والتي يتم اختصارها في الإعلاء من مكانة ومسؤولية وسائط التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي في التأطير ونشر القيم.
هذا رهان جيد واستراتيجي وقد أثبت فعاليته عالميا وهو محوري في التواصل والتأثير والتجارة والسياسة ولهذا السبب خلق له أمنه ومخططاته.
ولكنه رهان محفوف بالمخاطر في التأطير والتنظيم، لقد أثبت فعاليته مثلا في حشد الناس واخراجهم للشارع لكنه لم ينجح نهائيا في تأطيرهم وارجاعهم إلى بيوتاتهم وحياتهم الطبيعية رغم الجهد المبذول من طرف مخططيه.
لقد اعترف مهندسون تقنيون وأمنيون في كل البلدان التي كانت موضوع حشد عن طريق هذه الأدوات عن فشلها في إعادة تأطير الناس على العودة الطبيعية للحياة وحتى مجرد الرجوع إلى منازلهم.
لقد تبين أن الوقود الذي يحرك خطة العودة إلى الحياة الطبيعية عبر هذه الوسائل الرقمية كان جافا وضعيفا، مقابل الوقود في الجهات الأخرى التي حشدت الناس في مصر وتونس مثلا.
لقد تبين أن ايديولوجيا الحركات هزمت ايديولوجيا النظام في نفس ميدان الرقمي، ولمواجهته استخدمت أسوأ الطرق للوصول للتوازن على الاقل، الشبيحة والبلطجية والقمع وقلب الوقائع والتبرير ومؤكدا ادماج غير مكتمل للناس.
أظن، ومن موقع الفاعل، هناك عدم وضوح في الرؤية حول وسائل تاطير الناس. إن من يقوم بهذا العمل، شئنا أم أبينا، هو السلطة بالمغرب، وهذا وضع غير سليم على المستوى البعيد لأنه يقرب المواجهات ويضع عبئا غير محسوب على مقدرات البلد وسيناريوهات المستقبل.
لقد تأكد أن الوساطة بين الناس والاحزاب والنقابات وحتى المدرسة أصبحت شبه منعدمة، والمؤكد أن المشاكل تتراكم وتصبح أكثر حدة رغم الجهود المبذولة.
وأمام هذا الوضع يتم التصرف وفق المتاح وهو تسخير وسائط التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي لتوصيل الأفكار في أسرع وقت من أجل الوصول إلى الأهداف في أسرع وقت، والتدخل كذلك في أسرع وقت.
تكتيكيا هذه الوسيلة فعالة والنتيجة مضمونة وكلما كانت أوسع كلما كانت النتائج أضمن.
ولكن مع ذلك يجب الانتباه إن هذه الوسيلة لا تغطي إلا نسبة قليلة من الفئات المعنية بالتأطير، هناك فئات واسعة لا تعلم ما يحدث وتشكل عوالم خاصة بها مملوءة باليأس وعدم الثقة والحقد ورد الفعل المعنوي والمادي وتطور من سلوكاتها باستغلال نفس وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، ويصبح الأمر أكثر سوء عندما تتسع فئة "الصامتون" الذين لا يعرف لا كيف يفكرون ولا في ماذا يفكرون ولا كيف يتصرفون أو سيتصروف.
ولكن مع ذلك يجب الانتباه إن هذه الوسيلة لا تغطي إلا نسبة قليلة من الفئات المعنية بالتأطير، هناك فئات واسعة لا تعلم ما يحدث وتشكل عوالم خاصة بها مملوءة باليأس وعدم الثقة والحقد ورد الفعل المعنوي والمادي وتطور من سلوكاتها باستغلال نفس وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، ويصبح الأمر أكثر سوء عندما تتسع فئة "الصامتون" الذين لا يعرف لا كيف يفكرون ولا في ماذا يفكرون ولا كيف يتصرفون أو سيتصروف.
إن استباق هذا وإعداد الحلول الظرفية والبعيد المدى مرهق ومكلف ولا يبدو أنه سيقل قليلا، فما هو مؤكد هو تطور مستوى ودينامية السلوك المنفلت من القواعد والتوافق الاجتماعي.
إن الرأي الذي قدر أن الرهان على التأطير الموازي خارج قنوات التنشئة الاجتماعية والتأطير والادماج الكلاسيكي يجب أن يوضح أكثر وتعاد قراءة جدواه، فما نراه جميعا من شبه انفلات في القيم الجامعة، وهو انفلات يمكن تداركه، يستدعي إعادة تقييم المنطلقات والوسائل والنتائج.
ربما يستحسن إعادة ليس فقط تقييم الوسائل، ولكن تقييم مفهوم السلطة نفسه من أجل تقوية السلطة بمفهومها الأمني.
إنه في عالم ومجتمع دينامي ومتوتر ومستعد لأن يكون أكثر دينامية وتوترا أصبح من الضروري إعادة صياغة وتقييم مفهوم السلطة نفسه عبر رهان ممكن على سلطة العقل وسلطة المعرفة وإعادة تجديد الوسائل التي تنقل وتترجم سلطتي العقل والمعرفة ومن خلالها الايديولوجيا.
إن ما يحدث في الأحزاب الوطنية خصوصا هو مأساة حقيقية، فأن يصبح رهان حزب وطني بايديولوجيا واضحة هو استقطاب شخوص وسائط التواصل الاجتماعي لنشر مبادئ هذا الحزب، وأن يتم اكتراء قاعات جاهزة بضيوفها وجمهورها لعقد لقاءات ترابية، فهذه فعلا مأساة سيكون ثمنها باهض في المستقبل.
ربما يجب القيام بشيء ما حتى لا تتبدد سلطة العقل كليا ونصبح في مواجهة سلطة اللاعقل والفوضى.