الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد إنفي: على هامش المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي.. هل هو قصر النظر أم 'ثقة' زائدة في النفس؟"

محمد إنفي: على هامش المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي.. هل هو قصر النظر أم 'ثقة' زائدة في النفس؟"

"ما أعاد إلى ذاكرتي هذا المقال، هي التحركات الحالية التي يقوم بها بعض أعضاء ما يسمى بتيار "الانفتاح والديمقراطية"، بحثا عن بديل عن الاتحاد الاشتراكي، بعد أن أعلنوا فك الارتباط أو قطع شعرة معاوية مع "لشكر"(كذا).

وهذا التركيز المرضي على شخص "لشكر"، هو وحده يستحق الوقوف. إنه يشكل، بالفعل، عقدة حقيقية لبعض الناس؛ وتستحق أن تسمى عقدة "لشكر"، لتضاف إلى العقد النفسية المعروفة في علم النفس والتحليل النفسي، من قبيل عقدة "أوديب" وعقدة "جوكاست" وعقدة "كرونوس" وعقدة "أطلس" وعقدة "بيتربان" وعقدة "جوناس"، وعقدة "نارسيس"، وغيرها من العقد التي تحمل أسماء لشخوص ارتبط اسم كل واحد منها بمرض نفسي أو حالة نفسية غير طبيعية. وبهذا، سيساهم الأستاذ "إدريس لشكر"، دون قصد منه، بالطبع، في إغناء مجال التحليل النفسي بالمغرب. وقد يكون السبب في إحداث اتجاه جديد في هذا المجال، يكون مغربيا بامتياز.  

إنه، بالفعل تركيز مرضي لأنه لا أحد من أقطاب "التيار" يتحدث عن المكتب السياسي أو اللجنة الإدارية أو المجلس الوطني للحزب. فالخطاب كله مركز على شخص الكاتب الأول الذي ليس إلا مؤسسة من مؤسسات الاتحاد الاشتراكي. صحيح أنه على رأس الهرم التنظيمي. لكنه لا يتوفر على سلطة القرار. فهو يترأس الجهاز التنفيذي وليس الجهاز التقريري للحزب. فلماذا، إذن، كل هذا اللغط حول تولي الأستاذ "إدريس لشكر" الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي؟

العجيب في الأمر أن "إدريس لشكر" لا يحفل بهذا اللغط؛ بل هو ماض، بمساعدة المكتب السياسي، في تطبيق البرنامج الذي تعاقد عليه مع المؤتمرين: فالمؤتمرات الإقليمية والقطاعية على أشدها والأنشطة الإشعاعية والثقافية والفكرية تم إحياؤها والعمل السياسي آخذ طريقه في الاتجاه الصحيح... وكأني به يقدم الجواب بالعمل ولسان حاله يقول: لقد انطلقت الدينامية الجديدة لإعادة بناء الاتحاد ولن يُترك لكم المجال لعرقلتها وتوقيفها.

وبهذا، فلم يبق لخصومه من سلاح سوى الكذب والافتراء، معتقدين أنهم بمحاولة إلباس الباطل عباءة الحق، سينالون من "لشكر"؛ بينما هم، في الواقع، لا يزيدون إلا في التقليل من شأنهم  وفقدان ما كان لبعضهم من مصداقية ومكانة عند المناضلين والمناضلات. فأن يقول الأخ "الطيب منشد" بـ "وصول إدريس لشكر إلى الكتابة الأولى بطرق غير ديمقراطية، من خلال الاعتماد على كائنات بشرية بعيدة كل البعد عن الاتحاد الاشتراكي والتي تم استثمارها حتى بالأجهزة التنظيمية داخل الأقاليم والجهات..." (جريدة "الأخبار"، السبت/ الأحد 6-7 دجنبر 2014)، لهو دليل على فقدان التمييز وعدم الإدراك بأنه بهذا القول يعبر عن احتقاره لذكاء المناضلين والمناضلات، ويرتكب، من خلاله، إساءة بليغة وإهانة قوية في حق كل المؤتمرات والمؤتمرين بالمؤتمر الوطني التاسع؛ وكذا، في حق كل القيادات المنبثقة عن المؤتمرات القطاعية والإقليمية وفي حق كل المناضلين والمناضلات الذين وضعوا ثقتهم في هذه القيادات. وأنا (وأعوذ بالله من الأنا)، شخصا، منها وبكل فخر واعتزاز (ذلك أن المؤتمر الإقليمي بمكناس هو من رشحني لهذه المهمة التي لم أكن أبدا لا مستعدا لها ولا راغبا فيها).

وشخصيا، لن أسمح لا لـ "منشد" ولا لغيره بالمساس بكرامتي، لا كمؤتمِر ساهم في المؤتمر التاسع ترشيحا (رغم أني لم أحظ بشرف الفوز) وتصويتا، ولا كمناضل في القاعدة أو كمسؤول في الإقليم؛ كما لن أتساهل مع من يمس بكرامة المناضلين الذين وضعوا ثقتهم في هذا العبد الضعيف وفي ثلة من المناضلين الاتحاديين الحقيقيين الذين يشكلون الكتابة الإقليمية الحالية. وليكن في علم "منشد" أن بيته، هو أيضا، من زجاج. وقد تحاشيت، إلى حد الآن، أن أرد بالحجارة على تحامله الحاقد الذي يضر بالاتحاد أكثر مما يضر بالذي يصب عليه حقده.  

ثم، هل يعتقد "منشد" أن مؤتمري المؤتمر الوطني التاسع وكذا القيادة السابقة للحزب لا يعرفون جيدا من اعتمد على غير الاتحاديين للتأثير في التركيبة البشرية للمؤتمر؟ قليلون من يجهلون بأن "عبد العالي دومو" (القيادي الحالي في "التيار") قد أدى، لوحده،عشرة ملايين(10) سنتيم مقابل 2000 بطاقة عن فرعه (أو إقليمه؟). وليس لوحده من المحسوبين على التيار (الذي سوف لن يجرف إلا أصحابه) من قام  بمثل هذا السلوك المشين. ومع ذلك يتحدثون عن القيم وعن الاتحاديين الحقيقيين وعن، وعن...!!! المهم "الكْلام كْثير والسْكاتْ حْسنْ".

بعد هذا التقديم الذي فرضه السياق،إليكم المقال، كما نشر، دون تحيين ولا تحسين (وقد نشر بالجريدة الإليكترونية "وجهات نظر" بتاريخ 10 يناير 2013)." 

على هامش المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي: هل هو قصر النظر أم "ثقة" زائدة في النفس؟

لقد بات مألوفا أن تعلن جماعة ما، عقب استحقاق ما لحزب أو منظمة ما، عن عدم رضاها، بل غضبها وإدانتها لنتائج هذا الاستحقاق، سواء شاركت في أشغاله، أم لم تشارك؟!!

وقد يبلغ الأمر حد الانسحاب من الهيئات المعنية، والعمل على خلق كيانات بديلة؛ وهو سلوك سار يطبع مسار كل الهيئات والمنظمات، يمينييها ويسارييها، لا فرق!!  

فأن ترضي النتائج كل المنضوين في هيئة ما، هو ضرب من الخيال والمثالية، وأن لا ترضي النتائج إياها جزءا منهم، كبيرا كان أو صغيرا، فهو عين العادة والطبيعة والواقع، خاصة وأن طبيعتنا كبشر تدفعنا إلى وضع تصورات وسيناريوهات، يكون المتحكم فيها، أولا وأخيرا، هو النظرة الذاتية للأشياء؛ حتى إن جاءت النتائج معاكسة لتصوراتنا، تثور ثائرتنا، ونرفض الاحتكام إلى قواعد اللعبة.

فاللعبة، أيا كانت، تحتمل الفوز تماما كاحتمالها للخسارة؛ وتحتمل أيضا التعادل الذي قد يتحول إلى تمرين ديمقراطي يلقن الأغلبية كيفية تقبلها للأقلية واحترامها؛ كما يجعل من الأقلية عنصرا مساعدا على إنجاح قرارات الأغلبية. ولنا خير مثال على ذلك في بيان المشاركة في أول انتخابات عرفها المغرب، الذي صاغه الشهيد "عمر بنجلون" والذي كان من أشرس الرافضين للمشاركة في هذا الاستحقاق، حيث اعترف له الشهيد "المهدي بنبركة"، الذي كان من أكثر المتحمسين للمشاركة، بعدم قدرته على الإتيان ببيان في مستوى قوة الإقناع التي دبج بها الشهيد عمر بيانه/ بيان الاتحاد.

الدافع إلى الخوض في هذا الموضوع، هو بعض ردود الأفعال التي أعقبت مؤتمر الاتحاد الاشتراكي الأخير المنعقد في الفترة ما بين 14 و 16 دجنبر 2012 ببوزنيقة، وخاصة إفرازه الأخ "إدريس لشكر" كاتبا أول لحزب المهدي وعمر.. ولن نتحدث هنا لا على التعاليق الصحفية التي تناولت الموضوع بكثير من السطحية دون الالتفات إلى ما حققه المؤتمر من نقلة نوعية من حيث "الإبداع التنظيمي" ومن حيث قوة المضمون الفكري للمقررات التي عرضتها اللجنة التحضيرية على المؤتمر؛ كما أننا لن نتحدث عن مواقف بعض المناضلين الذين لم ترقهم نتائج المؤتمر، فعبروا عن غضبهم بطرقهم الخاصة، حيث هناك من قرر اللجوء إلى استراحة المحارب والعمل بمقولة: "للي تلف يشد الأرض"، وهناك من اختار المواجهة إما إعلاميا وإما تنظيميا، الخ؛ بل سنقصر الحديث، هنا، على تلك الفئة التي قررت الانسحاب لتأسيس جمعية سياسية، ومعها تلك التي أعلنت استقالتها من الحزب.

إن الانسحاب من الحزب والعمل على تأسيس جمعية سياسية، هو انشقاق سينضاف إلى الانشقاقات التي عرفها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ مطلع الثمانينيات، ولا يخدم إلا خصوم الحزب وخصوم الديمقراطية. وباستقالتهم هاته يكونون قد وضعوا أنفسهم ، خارج الحزب، وانضموا تلقائيا، بذلك، إلى صفوف الذين لا يقبلون من الانخراط في "اللعبة الديمقراطية" إلا وجها واحدا، هو الانتصار. ونتمنى ألا تصدمهم الإطارات التي قرروا خلقها أو الانخراط فيها، وألا تخيب آمالهم في الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية التي يبدو أنها لا تعني بالنسبة إليهم إلا الانتصار على الآخر؛ وفي حال حصول العكس، فإن ذلك يبقى، في نظرهم، خارج الديمقراطية الحقيقية. إنه، بالفعل، مفهوم خاص للديمقراطية.

ورغم أن الاتحاد الاشتراكي لا ينفرد بظاهرة الانشقاق، دون غيره من الأحزاب، فقد قررنا أن نقصر حديثنا عليه، لكونه، من جهة، يشكل الهيئة التي خرج من رحمها عدد لا يستهان به من أحزاب ومنظمات؛ ولكونه الحزب المؤهل، رغم كل مشاكله ورغم ما يتعرض له من هجوم من كل الجهات، لقيادة سفينة اليسار بالمغرب، من جهة أخرى.

من الملاحظ، أن كل إطارات اليسار التي خرجت من رحم الاتحاد الاشتراكي، لا تحيد عن العبارة المسكوكة "غياب الديمقراطية الداخلية" كتبرير لهذا الخروج/الانشقاق، ثم الإعلان عن نفسها بديلا للحزب، وبعثا جديدا للحركة الاتحادية الأصيلة، كما تزعم. لكن تتبعنا للحياة الداخلية لبعض تلك الهيئات، أكد لنا العكس تماما. فما يعرفه الحزب من ممارسة ديمقراطية، هي أرقى بكثير مما هو سائد في بعض تلك التنظيمات المتفرعة عنه. وبالتالي، فغياب الديمقراطية ما هو إلا مشجب، يعلق عليه المنسحبون ما يعتبرونه أخطاء الآخرين لإخفاء الأسباب الحقيقية الثاوية وراء كل عملية انشقاق، والتي نقولها بدون مواربة: إنها النزوعات الذاتية والطموحات الشخصية في "الزعامة".

وتجدر الإشارة إلى أن هذه "النزوعات الذاتية" (التي تتحول أحيانا إلى مرض "العظمة") هي نفسها المتحكمة في التنظيمات التي اعتبرت نفسها بديلة عن الاتحاد الاشتراكي؛ مما يعني أن العلة ليست في الهيئة السياسية التي يتم عنها الانشقاق، بل في الأشخاص الذين يقودون هذا الانشقاق. والشيء المؤكد، وبالملموس، هو أن لا أحد من تلك التنظيمات التي أعطت لنفسها الحق في أن تعتبر نفسها امتدادا للحركة الاتحادية الحقيقية (بمعنى أن من بقي في الاتحاد، فهو غير ذلك)، استطاع أن يحتل مكان الاتحاد المحفوظ في كل الواجهات، رغم ما أصابه من وهن، كضريبة غير مستحقة عن تدبيره للشأن العام لأكثر من عقد من الزمن. لذا، نعتقد أن التنظيمات التي خرجت من رحم الاتحاد، لم تنجح إلا في شيء واحد، هو إضعاف الاتحاد، وبالتالي، فقد قدمت خدمة بالمجان، بوعي أو بدون وعي، إلى الجهات المعادية للاتحاد، بل وللتوجه الديمقراطي الحداثي على الإطلاق؛ ذلك أن كل إضعاف للاتحاد، هو إضعاف للسياسة بكل ما تحمله من قيم الحداثة والديمقراطية (والواقع السياسي الحالي خير شاهد على ذلك).

لذا، أتعجب من أولائك الذين يدعون إلى تأسيس جمعية سياسية من الغاضبين من نتائج المؤتمر التاسع. فهل هو قصر النظر أم "ثقة" زائدة في النفس أم غرور أم...؟؟؟  ألا تخاطبهم البلقنة التي يعاني منها "شعب" اليسار؟ ألا يخاطبهم الوضع السياسي الذي تعرفه البلاد؟ ألم يعطوا الدليل، بالدعوة إلى تأسيس جمعية سياسية، بأنهم لم يستوعبوا بعد درس الانشقاقات السابقة؟    

يجب التذكير بأن الاتحاد الاشتراكي دخل، منذ مؤتمره الثامن، مرحلة الشرعية الديمقراطية، بعد أن كان محكوما بما يعرف بالشرعية التاريخية، حيث تنافس، لأول مرة، على منصب الكاتب الأول للحزب 6 مرشحين، اختار المؤتمرون، من بينهم، الأخ عبد الواحد الراضي لتقلد هذه المهمة. ويمكن اعتبار المؤتمر التاسع للحزب تكريسا لهذا الاختيار وتحسينا له،  مهما كانت تقديراتنا ونظرتنا الخاصة للأشياء.  بل يجب الاعتراف بأن الاتحاديين حققوا، بالمقارنة مع المؤتمر الثامن، قفزة نوعية في مجال تكريس الشرعية الديمقراطية للتنظيمات الاتحادية، انطلاقا من مؤسسة الكاتب الأول إلى المكتب السياسي، فاللجنة الإدارية، وصولا، مستقبلا، إلى التنظيمات الجهوية والإقليمية والمحلية والقطاعية، وذلك من خلال تحسين المساطر المعتمدة وتحديد مسؤوليات الهيئات المنتخبة لضمان تحقيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.