Sunday 27 July 2025
مجتمع

كراكيز البث الحي.. عن معارضي اليوتيوب وتخريب الوعي في المغرب

كراكيز البث الحي.. عن معارضي اليوتيوب وتخريب الوعي في المغرب جيراندو ، وشنقريحة

في زمن تهاوت فيه جدران التمييز بين الكلمة الحرة والابتذال الممنهج، وبين النقد البناء والتشهير الشعبوي، برزت على الواجهة ظاهرة لافتة تستحق تفكيكًا عميقًا: معارضو اليوتيوب. ليسوا معارضين بالمعنى السياسي النبيل، بل كائنات رقمية طافية على سطح مجتمع رقمي هش، تتغذى من ريع التهجم على رموز البلاد ومؤسساتها، وتتنفس مناخ التشويش والتضليل، في محاولة عبثية لتشويه كل ما يشير إلى مشروع وطني جامع.

إن القاسم المشترك بين هؤلاء ليس فكرة سياسية راسخة، ولا مشروعًا بديلًا، بل غريزة عدوانية تغلفها شعبوية رخيصة، تسكنها رغبة هستيرية في الانتقام من الدولة لا لشيء إلا لأنها لم تصطف إلى جانب أوهامهم في المجد الشخصي. لذلك ليس غريبًا أن نجد جلهم أنصاف متعلمين، وأشباه كتبة، يستعملون لغة هجينة، تفتقر إلى الحد الأدنى من المنطق والنسق، حيث تنوب الشتيمة عن الحجة، وينوب الادعاء عن البرهان.

ما الذي يجمعهم إذن؟ إننا أمام شبكة معقدة من الذوات المتكسرة أخلاقيًا ومعرفيًا، تشترك في ثلاثة ملامح أساسية:

 

رأسمال رمزي محروق: معظم هؤلاء كانوا في الهامش، لم ينالوا تقديرًا لا في الصحافة التقليدية، ولا في المشهد الأكاديمي أو الثقافي، فعوض أن يبنوا ذاتهم، اختاروا أن يهدموا صورة الوطن كي يعلو صوتهم في الفوضى. هم نتاج عقدة إقصاء متخيلة أكثر مما هي واقعية.

 

استثمار في الألم الجماعي: يتغذى هذا الخطاب على تقديم فتات معلومات مسربة من هنا ومن هناك منزوعة عن سياقها، ولقلتها ولعدم دقتها وافتقادها لما يمكن أن يشكل موضوعا حيا للكتابة، يتم تضخيمها وحشوها بالكذب والنفخ فيها بالأباطيل بغاية الرفع من الزيارات والترويج والتقاسم  لأن معظم هذه الفقاعات كانت تعيش على ريع ما في الداخل أو الخارج فانقطعها عنها الكيل فحرفت اتجاها فيما يشبه عارضات روتينهن اليومي على شبكات الفضائح في التواصل الاجتماعي، وبعضها يقتات على نقاط التوتر الاجتماعي الحقيقية، مثل الفقر، البطالة، أو ضعف الخدمات... والتي لا تخلو منها دولة حتى المتقدة ذاتها، والمشكل ليس هنا، إذ الزاوية التي يتم بها تناول هذا الموضع لا يهمها الإخبار كوظيفة أساسية لوسائل الإعلام، ولا تقدم قراءة أو حلاً، بل يتم تدويرها وتلفيقها وتضخيمها الهامشي فيها وإعادة تسويقها كدليل على فساد جوهري في الدولة، مع تجاهل كل المكاسب، وتحويل كل إنجاز إلى مؤامرة.

 

علاقات مظلمة مع أجهزة أجنبية: لا يمكن إغفال ما كشفته العديد من التقارير عن تورط بعض اليوتيوبرز في تلقي تمويلات من المخابرات الجزائرية، بهدف نسف الاستقرار الرمزي للمغرب من الداخل. وهكذا تحول بعضهم إلى كراكيز ببث مباشر، تحركهم أجهزة معادية بقفازات رقمية ناعمة، دون أن يدركوا أنهم مجرد أدوات تنتهي صلاحيتها بمجرد انطفاء تأثيرهم.

من هنا يصبح لزامًا على النخبة المغربية، لا فقط أن ترد، بل أن تستعيد المعنى المفقود في النقاش العمومي، وأن تؤسس لمنصات مضادة، لا للتطبيل، بل لإعادة تعريف الوطنية بوصفها نقدًا مسؤولًا، ومساءلة مؤسساتية، لا سبابًا صبيانيًا.

إن المغرب ليس بلدًا مثاليًا، لكنه بلد يسير بخطى ثابتة في محيط إقليمي هش، ويواجه خصومًا يحيكون له في واضحة النهار وفي جنح الظلام. أما هؤلاء المعارضون المزيفون، فالتاريخ لا يحفظ أسماء من صرخوا من ثقوب يوتيوب، بل أولئك الذين بنوا من الكلمة صرحًا من الوعي، ومن النقد جسرًا للإصلاح، لا منصة للهدم المجاني.