Saturday 26 July 2025
خارج الحدود

سعيد التمسماني: زيارة مسعد بولس إلى المغرب العربي: هل تعود واشنطن لتثبيت تحالفاتها الاستراتيجية من بوابة الرباط؟

سعيد التمسماني: زيارة مسعد بولس إلى المغرب العربي: هل تعود واشنطن لتثبيت تحالفاتها الاستراتيجية من بوابة الرباط؟ مسعد بولس
في توقيت إقليمي ودولي بالغ الدقة، يقوم مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بجولة مغاربية تشمل تونس، الجزائر، ليبيا، و تتوَّج بمحطة بالغة الرمزية في الرباط. وإذا كانت عواصم المنطقة قد اعتادت زيارات الدبلوماسيين الأمريكيين، فإن لهذه الجولة بالذات دلالات استراتيجية عميقة، تتجاوز المجاملات البروتوكولية، وتحمل مؤشرات واضحة على رغبة واشنطن في إعادة ترتيب أولوياتها في شمال إفريقيا، من بوابة المغرب.
 
المغرب.. الحليف التاريخي والركيزة الإقليمية
ليس صدفة أن المغرب يُعدّ أول دولة اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777. وليس تفصيلاً أن التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين الرباط وواشنطن لم يعرف انقطاعًا، رغم تقلبات الأنظمة وتغير الإدارات. هذا الحليف التاريخي لطالما مثّل ركيزة للاستقرار في المنطقة، وفاعلًا استراتيجيًا يُعوّل عليه في ملفات تتراوح من محاربة الإرهاب، إلى ضبط الهجرة، وصولاً إلى لعب أدوار الوساطة في أزمات الساحل والصحراء.
 
الجديد في هذه الجولة، ليس فقط في هوية الزائر، بل في مضمون الرسائل التي تحملها واشنطن. فمسعد بولس، المعروف بقربه من الدائرة الضيقة المحيطة بدونالد ترامب، ليس مجرد دبلوماسي عابر، بل شخصية تنفيذية تكلَّفت في السابق بمهام تفاوضية معقدة في مناطق نزاع شديدة الحساسية، من إفريقيا الوسطى إلى الشرق الأوسط. وبالتالي، فإن وصوله إلى شمال إفريقيا، يحمل أبعادًا تتجاوز الاستماع والمجاملة.
 
الرسائل غير المعلنة: الصحراء المغربية في قلب التحرك الأمريكي
إذا كانت الولايات المتحدة قد أقدمت في عهد ترامب سنة 2020 على خطوة غير مسبوقة عبر اعترافها بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، فإن زيارة بولس اليوم يمكن قراءتها كإشارة واضحة إلى أن هذا الموقف الاستراتيجي لم يكن طارئًا أو مرتبطًا بحسابات ظرفية، بل هو جزء من رؤية أمريكية طويلة المدى لتعزيز استقرار المنطقة من خلال دعم الحلفاء الموثوقين.
 
وفي ظل التوترات الجزائرية المغربية المتصاعدة، والسكون المخادع لملف الصحراء داخل أروقة الأمم المتحدة، تأتي هذه الجولة لإعادة التأكيد على أن حل النزاع لا يمكن أن يتم بمعزل عن الاعتراف بالحقائق التاريخية والسياسية، وأولها أن المغرب أثبت، من خلال مبادرة الحكم الذاتي، جدّيته واستعداده لحل تفاوضي واقعي يراعي السيادة ويضمن كرامة الجميع.
 
تحوّل في العقيدة الأمريكية: من “المساعدات” إلى “الاستثمار والتحالفات”
الجولة المغاربية لبولس ليست فقط سياسية، بل تعكس تحولًا جوهريًا في طريقة تفكير واشنطن تجاه المنطقة. الإدارة الجمهورية، كما يظهر من تحركاتها الأخيرة، تريد الانتقال من منطق تقديم “المساعدات المشروطة” إلى بناء “شراكات اقتصادية واستثمارية” تعزز النفوذ الأمريكي دون الانخراط المباشر في مستنقعات السياسة المحلية.
 
وفي هذا الإطار، تبدو الرباط مؤهلة أكثر من غيرها لتكون منصة انطلاق جديدة للاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا. فالمغرب يتمتع باستقرار سياسي نسبي، ومؤسسات اقتصادية منفتحة، وشبكة شراكات إفريقية قوية تجعل منه بوابة طبيعية نحو الجنوب. وبالنسبة لواشنطن، فإن تعزيز التعاون مع الرباط لا يمر فقط عبر الكلمات، بل عبر تأكيد عملي ومتجدد للاعتراف بمغربية الصحراء، كشرط سياسي أساسي لأي شراكة متكاملة.
 
ختامًا: هل تنجح واشنطن في إعادة بناء توازنها المغاربي؟
لقد تغيّرت موازين القوى في المنطقة، وأصبحت أمريكا مطالبة اليوم بأن تكون أكثر وضوحًا في خياراتها. فالرهان على الجزائر لم يأتِ بنتائج حاسمة، كما أن التردد في بعض الملفات زاد من نفوذ خصوم واشنطن، وعلى رأسهم روسيا والصين. من هنا، يبدو أن زيارة بولس ليست مجرد جولة استكشافية، بل بداية حقيقية لإعادة تشكيل خريطة النفوذ الأمريكي في شمال إفريقيا، بمرجعية واضحة: الشراكة مع المغرب، الاعتراف الكامل بوحدته الترابية، والانخراط في تحالفات واقعية تعزز الأمن والتنمية في المنطقة.
 
إنه زمن الخيارات الكبرى، والمغرب يُثبت مرة أخرى أنه شريك لا يُستغنى عنه. والكرة الآن في ملعب واشنطن.