تشهد بعض الأقاليم الإسبانية، ولا سيما المناطق الفلاحية ذات الكثافة المهاجرة، موجة مقلقة من الإعتداءات العنصرية الممنهجة،والتي تستهدف بالأساس مهاجرين من أصول مغاربية، وفي مقدمتهم المواطنون المغاربة. وتعزى هذه الأعمال العدائية، في جزء كبير منها، إلى تصاعد الخطاب المتطرف الذي تتبناه مجموعات تنتمي إلى التيارات اليمينية المتطرفة، والتي تسعى إلى توظيف الهجرة كأداة للتحريض السياسي والتأجيج الشعبي، خاصة مع اقتراب الإستحقاقات الإنتخابية أو في ظل أزمات إقتصادية وإجتماعية متراكمة.
على الرغم من سرعة التفاعل الرسمي، الذي تمثل في إدانة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لهذه الاعتداءات وتأكيده على أن إسبانيا "بلد الحقوق لا الكراهية"، فإن الاقتصار على الخطاب الأخلاقي والإدانات السياسية لا يشكل بديلا عن سياسة وقائية متكاملة. فالتنديد وحده لا يوقف الإعتداءات، ولا يضع حدا لتنامي مناخ الكراهية الذي يتغذى من صمت بعض المؤسسات وتراخي بعضها الآخر، ولا يحصن المجتمع من التوظيف الممنهج للمهاجر ككبش فداء لأزمات بنيوية داخلية.
إن ما وقع مؤخرا في بلدة "توري باشيكو" جنوب شرق إسبانيا يعود بنا إلى أحداث "إلخيدو" سنة 2000، حين تحولت إعتداءات فردية إلى موجة عنف جماعي ذات طابع عنصري، مستهدفة المهاجرين في وجودهم وأمنهم الشخصي. مما يطرح تساؤلا حقوقيا عميقا حول مدى فاعلية السياسات الإسبانية في ضمان الحماية الفعلية للمهاجرين، والتصدي للخطابات العنصرية قبل أن تتجسد في سلوك عدواني على أرض الواقع .
وإذا كان القانون الجنائي الإسباني يجرم أفعال التمييز والعنف العنصري، فإن تطبيق هذه المقتضيات يظل غير كاف إن لم يدعم بسياسات إدماج شاملة، تتوافق مع التزامات إسبانيا الدولية بموجب الإتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. كما أن مبدأ عدم التمييز، المكرس في الدستور الإسباني والميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، يفرض على الدولة اتخاذ تدابير إيجابية لضمان المساواة الفعلية، ودرء المخاطر التي تهدد الفئات الأكثر هشاشة.
لقد كشفت تدخلات بعض الفاعلين المدنيين والسياسيين، مثل القنصلية المغربية، وعدد من الجمعيات الحقوقية، وأحزاب تقدمية كـ"بوديموس"، عن حجم القلق المتزايد من تنامي خطاب الكراهية في الفضاء العمومي الإسباني، لا سيما في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي. وما يعزز هذا القلق هو شعور متزايد لدى فئات واسعة من المهاجرين بالخوف الدائم، نتيجة لما يتعرضون له من إستغلال إقتصادي من جهة، ووصم اجتماعي وسياسي من جهة أخرى.
كما أن ربط الهجرة بالجريمة، كما دأبت بعض الأطراف اليمينية على الترويج له ، لا يعكس واقع الإسهام الإيجابي للمهاجرين في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، بل يشكل تحريفا مقصودا للحقيقة، ومحاولة مكشوفة لتوجيه الرأي العام ضد فئات ضعيفة لا تتحمل مسؤولية أزمات هيكلية داخلية. وهو سلوك، وإن جاء من خارج المؤسسات، إلا أن السكوت عليه يمثل تواطؤا غير مباشر، قد يفتح المجال لشرعنة التمييز والإقصاء العنصريين.
وعليه، فإن الرؤية المستقبلية لتدبير ملف الهجرة في نظرنا المتواضع، وخاصة وضعية المهاجرين المغاربة في إسبانيا، تقتضي سن سياسات إدماج عادلة تضمن الولوج المتكافئ إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،فضلا على ضرورة تقوية آليات الحماية القانونية والإدارية ضد جرائم الكراهية والتمييز العنصري ،و مراجعة خطاب الإعلام الرسمي والخاص بما يعزز قيم التعدد والتعايش، ويمنع أي تحريض مبطن أو مباشر ضد الأجانب ،والعمل على
إدراج مقاربات تربوية تعزز ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة العالمية داخل المؤسسات التعليمية ،دون إغفال وجوب التصدي التنظيمي والقضائي للجماعات السياسية التي تعتمد خطابا عنصريا، حتى وإن لم تمارس العنف بشكل مباشر، لأن الكلمة حين تترك دون محاسبة قد تتحول إلى فعل خطير .
فالدولة الإسبانية اليوم ، مطالبة بتحمل مسؤوليتها الدستورية والأخلاقية في صون كرامة كل من يوجد على ترابها، دون تمييز، انسجاما مع المبادئ التي تؤسس لدولة القانون والمؤسسات، وإلا فإن التراخي في مواجهة هذه التحديات يهدد أسس التعايش، ويعرض السلم الإجتماعي لمخاطر يصعب احتواؤها لاحقا.
ختاما ، المهاجر خاصة المغربي، لا يطلب سوى أن يعامل بكرامة، وأن ينصف في إنسانيته، وأن يتم حمايته هو وأفراد أسرته ،فالواجب كل الواجب، أن تظل العدالة والحقوق هي المعيار الوحيد دون تمييز بسبب الجنسية أو اللون او الدين .
ذ/ الحسين بكار السباعي ، محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
رئيس مرصد الجنوب للهجرة وحقوق الإنسان.
رئيس مرصد الجنوب للهجرة وحقوق الإنسان.