تعكس المراسلة الصادرة عن عصبة فاس-مكناس لكرة القدم بتاريخ 18 يوليوز 2025، بشأن قرار إلغاء مباريات السد المؤدية إلى الصعود للقسم الثاني هواة، نموذجاً صارخاً لمنطق الارتجال واللاشفافية الذي ما يزال يطبع جزءاً كبيراً من تدبير الشأن الرياضي الجهوي، خصوصاً على مستوى العصب الجهوية التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. فعوض أن تكون هذه المراسلة خاتمة لموسم رياضي منظم تحكمه القوانين وتوجهه المعايير العادلة، جاءت لتكرس منطقاً مضاداً لقيم الرياضة القائمة على التنافس الشريف، وترسخ الإحباط وانعدام الثقة في المؤسسات الرياضية الجهوية والجامعة الوصية.
أول ملاحظة منهجية وأساسية تهم مضمون المراسلة هو غياب التعليل القانوني والمسطري لقرار بالغ الخطورة في مصير أندية بذلت مجهودات تقنية ومالية وإنسانية طيلة الموسم لتحقيق حلم الصعود. فالمكتب المديري للعصبة يقر ضمنياً بفشله في تدبير ملف مباريات السد، ويعلن عن “سنة بيضاء” دون توضيح الخلفيات القانونية لهذا القرار أو حيثياته. والأخطر من ذلك أن القرار يأتي بعد اقتراح سابق بتنظيم مقابلات نصف النهاية والنهاية بين الفرق الأربعة المتصدرة، ما يكشف بوضوح حجم التخبط والارتباك في التسيير، ويطرح أسئلة حارقة عن الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا العبث الذي يتكرر كل موسم تقريبا بأشكال مختلفة.
أما من حيث الشكل، فالمراسلة تعاني من ضعف واضح في الصياغة اللغوية والدقة الإدارية، ما يكرس انطباعاً إضافياً بأن الجهة المصدرة للوثيقة لا تشتغل وفق معايير مؤسساتية حازمة. ويكفي أن نلاحظ كيف يتم تمرير القرار الخطير بنبرة تبريرية، تتحدث عن "محاولة المكتب حل إشكالية الصعود"، دون الاعتراف بفشل منهجي في البرمجة واتخاذ القرار داخل الآجال المنطقية، وفي ظل غياب أي تصور استباقي مبني على دراسة الواقع الرياضي واللوجستيكي والمالي للأندية.
النتائج السلبية لهذا القرار تتجاوز الموسم الرياضي الحالي وتمتد إلى مستقبل كرة القدم بالجهة. فالأندية المتصدرة، والتي استثمرت مواردها المحدودة في تكوين الفرق وتنظيم المباريات والتنقلات، ستواجه اليوم أزمة معنوية ومادية، لأنها ببساطة حُرمت من حق رياضي مكتسب فوق الميدان. هذا الحرمان لن يؤثر فقط على اللاعبين والمكونات التقنية والإدارية، بل سيمتد أثره إلى المحيط السوسيو-رياضي للأندية، الذي يضم جمهوراً محلياً، داعمين محتملين، وشباباً كان يرى في الصعود أفقاً واعداً لتحسين أوضاعه الاجتماعية عبر كرة القدم. ويكفي أن نتصور حالة فريق قضى موسمه في الريادة وعانى كل الصعوبات، ليكتشف في نهاية المطاف أن لا صعود ولا حتى مقابلات سد ستمنحه حق الدفاع عن حلمه الرياضي.
من جهة ثانية، يخلق هذا القرار سابقة خطيرة على مستوى شرعية القرارات الصادرة عن العصب الجهوية. فإذا كانت المواسم الرياضية يمكن أن تُلغى بهذا الشكل، دون تعرض العصبة لأي محاسبة أو مساءلة من طرف الجامعة أو الجهات الرقابية، فإننا أمام ضرب صارخ لمبدأ التنافسية، وتشجيع للرداءة والزبونية، وربما أيضاً للضغوطات والتدخلات المشبوهة التي تسعى إلى حماية مصالح ضيقة على حساب مبدأ الاستحقاق.
ويبدو أن غياب مسطرة واضحة وشفافة لتنظيم مباريات السد، أو حتى بدائل قانونية عادلة، يكشف أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، التي تمت الإشارة إليها ضمن المراسلة كمستشار في القرار، إما أنها شريكة في هذا التعتيم أو أنها عاجزة عن ضبط تدبير عصبها الجهوية. فكيف يعقل أن نلغي مباريات مفصلية في مسار موسم رياضي دون تقديم تقرير مفصل للرأي العام الرياضي حول الأسباب الموضوعية؟ وكيف يمكن الحديث عن مشروع احترافي لكرة القدم المغربية إذا كانت العصب ما تزال تشتغل بعقلية ما قبل التنظيم المؤسساتي، حيث تغيب المحاسبة، ويُلغى الصعود بجرة قلم دون أي التزام بتعويض معنوي أو رياضي للمتضررين؟
إن أخطر ما في هذا القرار أنه يُعيد إنتاج نفس مناخ انعدام الثقة الذي يشتكي منه الرياضيون في هوامش الجغرافيا الكروية المغربية. فالأندية الصغيرة التي تراهن على الحظ في مباريات السد، والتي تُجسد فعلياً نبض كرة القدم القاعدية، تجد نفسها اليوم أمام حائط مسدود، لا لأنها لم تحقق نتائج رياضية، بل لأن العصبة ببساطة قررت أن لا مباريات سد هذا الموسم. إنها رسالة سلبية مفادها أن مجهودك لا يُحتسب، وأن القواعد لا تُحترم، وأن التخبط يمكن أن يُشرعن بعبارات جوفاء مثل “مشاورات مع الجامعة”.
الخلاصة أن هذه المراسلة تُجسد فشلاً بنيوياً في تدبير الشأن الكروي الجهوي، وتكشف عن غياب استراتيجية رياضية واضحة لدى العصبة المعنية، كما تنبه إلى خطورة استمرار منطق التسيير غير الديمقراطي داخل المؤسسات الرياضية. وما لم يتم فتح تحقيق جدي في خلفيات هذا القرار، ومساءلة الجهات المسؤولة عن هذا التلاعب بمصائر الأندية، فإن مستقبل كرة القدم بالجهة سيظل رهينة مزاجية القرارات، وسيواصل الشباب فقدان الثقة في الرياضة كمجال للتعبير عن الذات وتحقيق الكرامة. إن الرياضة التي لا تحترم قواعدها ولا تنصف مجتهديها تتحول إلى عبء اجتماعي، لا أداة للتنمية أو الانتماء.