كل من ينظر إلى ما حدث ويحدث في الصحراء وغيرها من المناطق من فيضانات ومناطق صنفت بأنها منكوبة، ويقصد هنا باب الصحراء،يحتاج صبر الأنبياء لكي يتابع الأخبار والمواقع الالكترونية. غير أن ما وقع بحر الأسبوع الماضي عندما كدست جثة الضحايا في شاحنة للأزبال هو ما لا يرضي أي ضمير حي.
ففي البلدان التي تحترم نفسها تنكس الأعلام، ويعلن الحداد على الأقل يومين أو ثلاثة أيام بدل السهرات على القنوات التلفزيونية.. ونحن لا نزايد على أحد، فقد علمتنا السنين والأحداث أن فاقد الشيء لا يعطيه وجاهل الأمر لا رأي له فيه، وما بالك إذا سمعت نعيق بعض الأبواق المأجورة في الجلسات البرلمانية المكيفة، حيث ينام النواب ويتقنون فن "تقرقيب الناب"، الذين لا هم لهم سوى التشدق وتحميل المسؤولية للحكومة غير المبرأة أصلا، وتدخلها يأتي دائما متأخرا وارتجاليا.. فهي التي يخرج عليك الناطقون باسمها بألفاظ لا هي عربية فصيحة ولا فرنسية سليمة، خليط من الكلمات لا تجد له تفسيرا في قواميس اللغة.
ما يحز في النفس هو رؤية تلك الجثث وهي تشحن كالأزبال، وتتساءل إذا كان هناك شعب يحمل أمواته بهذه الطريقة بدل النعوش، فلا بد أن تكون له حكومة المرجون لسوق القمامة، في أكثر الأمثلة تجسيدا للتناقض بين القول والفعل، فالمنتدى العالمي لحقوق الإنسان يناقش الحق في الحياة وليست هناك أدنى الحقوق في إكرام الأموات، وبالرغم من كل شيء يجدون لكل كارثة تبريرا.
إن المتتبع لما يجري لابد أن يسأل سؤالا وجيها: هل التنمية التي يكثر الحديث عنها إلى الوراء ليست إلى الأمام أرقام فلكية صرفة، لكن الفيضانات فضحت الغش والتلاعب بالبنية التحتية التي لا يوجد منها سوى الاسم والقشور أوراش كبرى وصغرى ذهبت أدراج الرياح، لكن التاريخ سيحاسب كل مسؤول عن نهب الأموال التي رصدت للتنمية.
يحز في القلب كلما حدث من مشاهد حيث الأبرياء علقت جثتهم بين الطمي والثرى، كل شيء في الحياة يعوض، الماديات والبيوت القناطر، الطرق، المصارف الصحية، فقط إذا توفرت المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة فعلا لا قولا. وحدها الروح الغالية النفس المكلومة لا يمكن جبرها، وحدها قلوب الثكالى والأمهات لا يمكن ترقيعها، فهن يصحن "حسبنا الله ونعم الوكيل".