الخميس 19 سبتمبر 2024
سياسة

هذه هي حقائق الفيضانات في زمن حكومة الكوارث الإنسانية

هذه هي حقائق الفيضانات في زمن حكومة الكوارث الإنسانية

أكيد أن التطور الحاصل في ميدان رصد تقلبات الطقس وتوقع حدوث كوارث طبيعية بالوسائل العلمية والتكنولوجيا الحديثة أتاح لكل الجهات المتدخلة إمكانية تتبع كل المعطيات المرتبطة بالزلازل والبراكين والعواصف والرياح والأمطار الطوفانية. ومن المؤكد أن أطرنا المغربية الكفأة المتخصصة في الميدان كثيرة وقادرة على التوصل إلى المعلومة التقنية والعلمية واستباق حدوث كوارث طبيعية مهولة مثل ما وقع مؤخرا بالعديد من الأقاليم والجهات عبر ربوع الوطن، وعلى الخصوص بإقليمي ورزازات وكلميم باب الصحراء الذي عرف أكبر نسبة من الخسائر البشرية والمادية على إثر التساقطات المطرية العاصفية وفيضانات الأودية التي ثارت وانتفضت مجددا في وجه المتقاعسين والمستهترين من بعض القائمين على تدبير الشأن الوطني والجهوي والمحلي.. 

فعلا كانت أسوء كارثة طبيعية أزهقت الكثير من الأرواح البريئة ودمرت ممتلكات الناس وعرضتهم للتشريد وعرت واقع منجزات تجهيزاتنا وبنياتنا التحتية المغشوشة على مرأى ومسمع العالم، لكنها دقت ناقوس الخطر للتنبيه إلى أن هناك أمورا عديدة يجب الانتباه إليها يتداخل فيها الضمير المهني والمسؤولية والحكامة الجيدة في التدبير والشفافية في التعاطي مع صفقات الطرقات والقناطر والممرات والنقط السوداء التي كان من اللازم التعامل معها بصرامة وحزم وتتبع خطوات تنفيذها كمشاريع استثمر فيها المال العام.

كل التقارير الإعلامية التي تناولت الفاجعة والكارثة الإنسانية الخطيرة أكدت أن السلطات الإقليمية والمحلية بمختلف المناطق المنكوبة لم تتعامل بالجدية المطلوبة مع الحدث، بدءا بالنشرات الإخبارية الإنذارية للأرصاد الجوية الوطنية حيث كان من الممكن اتخاذ إجراءات احترازية ضرورية للحد من الخسائر البشرية، مثل توقيف حركة السير عن الطرقات التي تشكل خطرا على مستعمليها، ومنع مغادرة وسائل النقل العمومي من سيارات الأجرة الكبيرة والحافلات من المحطات الطرقية إلى حين التأكد من الطرق والقناطر والممرات الخطيرة.

والأغرب من هذا وذاك أن سوء تقدير هول الكارثة، نظرا لتوالي سنوات الجفاف وضعف التساقطات المطرية بالمناطق الجنوبية منذ سنوات وإهمال مجموعة من المعطيات المرتبطة بالحالة المهترئة لبنياتنا التحتية، يضع السلطات الإقليمية والوطنية في قفص الاتهام بعدما تمت تعرية مجموعة من الحقائق الصادمة كان من الممكن التعامل معها بروح المسؤولية والضمير المهني والواجب الوطني.

من جهة أخرى لا تقل أهمية عن ما سبق ذكره، فإن كل المتتبعين يجمعون على أنه أصبح من الضروري إعادة النظر، وباستعجال، في قطاع الوقاية المدنية الذي أوكل له المشرع مهمة الإنقاذ والتدخل السريع لتطويق كل الكوارث الطبيعية والإنسانية، حيث أن واقع الحال يؤكد على أن القائمين على شؤوننا الوطنية لا يعيروا أي اهتمام لهذا القطاع الذي يزخر بالأطر المجندة التي تهب حياتها من أجل الوطن والمواطن في غياب التجهيزات اللوجيستيكة اللازمة والمتطورة لمصاحبة كل عملياتهم الإنسانية، مثل الزوارق المطاطية السريعة، وتوفير وسائل نقل سريعة حسب خصوصية المناطق وطبيعة المجالات الجغرافية، فضلا عن التجهيزات الخاصة بأفراد الوقاية المدنية، وضرورة إدماج وسائل النقل عبر الطائرات والهيلكوبتر، وتوفير العدد اللازم من سيارات الإسعاف ونقل الأموات حتى لا تتكرر مشاهد نقل الجثامين عبر شاحنات نقل الأزبال، كما تم تداوله بصفحات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى ضرورة التعجيل لتحسين الظروف المادية والاجتماعية لهذه الفئة التي تعاني من التهميش والعديد من الإكراهات، دون أن ننسى جانب التكوين المستمر وخلق وحدات متخصصة للتدخل السريع حسب خصوصية الكوارث الطبيعية.

dd

لقد استحسن الرأي العام الوطني تدخل رجال القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة واستنفارهم لكل الوسائل المتاحة لتقديم خدماتهم الإنسانية المستعجلة والحد من الخسائر البشرية والتقليل من هول الكارثة، والمساهمة في عدم تفاقم عدد الضحايا والمصابين وإنقاذ العديد من المواطنين في أعمق النقط النائية التي حوصروا فيها، حيث يستوجب الأمر بعد هذا الامتحان العسير إلى ضرورة خلق وتعميم مثل هذه الفرق المتخصصة عبر كل جهات المملكة بتنسيق مع المصالح الأخرى، وتعزيزها بفرق من الشباب المتطوع من مختلف مناطق المغرب الذين يجب أن يخضعوا لتداريب ودورات تكوينية دورية نظرية وتطبيقية في أفق استثمار الانخراط العفوي للمواطنين في عمليات الإنقاذ، ومنحهم بطائق خاصة في هذا الشأن كما هو معمول به في العديد من الدول الأوروبية، على اعتبار أن هذه المبادرات الفردية والجماعية العفوية كان لها دور مهم في التقليل من هول كارثة كلميم وورزازات ومناطق أخرى.

الأكيد أن حكومتنا الموقرة تعرف كل شاذة وفادة عن حالة بنياتنا التحية عبر ربوع الوطن، حيث أن هناك ـحسب تصريحات الحكومةـ حوالي 7500 قنطرة منها ما يناهز 800 قنطرة في حالة مهترئة، و200 قنطرة محدودة الحمولة، و200 قنطرة مهددة بالانهيار، وما تبقى يجب أن يخضع للمراقبة والتتبع وإعادة الإصلاح والتوسعة، دون الحديث عن الغش الذي طال ويطال العديد من الطرقات والمسالك والممرات.

من هنا نتساءل مع كل المتتبعين لواقع الحال، ألم يكن من الأجدر بالمسئولين الحكوميين الانكباب على هذا الملف الشائك واستباق الكارثة المهولة التي صدم بها الشعب المغربي؟؟ ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر بطريقة جذرية في بنياتنا التحتية بالمناطق الجنوبية الصحراوية من طرق وقناطر ومسالك مهترئة، بعضها شيد في الخمسينيات من القرن الماضي؟؟ ومتى يتم الشروع في وضع دراسة تقنية شاملة للنقط السوداء عبر جغرافيا الوطن؟؟

الأخطر من ذلك، يتساءل الرأي العام عن الأسباب التي حالت دون استنفار ضمائر وزرائنا المعنيين في حكومة بنكيران والتنقل إلى عين المكان لتفقد الوضع الإنساني ومتابعة كل الإجراءات الوقائية والتدخلات العاجلة لفائدة المواطنين المنكوبين واتخاذ تدابير من أجل فك العزلة عن العديد من الجماعات والمناطق القروية وإيصال المواد الغذائية والطبية الضرورية، بعد أن قضى معظم الناس ليال داخل سياراتهم في الخلاء أو في المحطة الطرقية لمدينة كلميم عوض الاكتفاء بإطلاق نصائح توخي الحيطة والحذر من داخل المكاتب الوزارية المكيفة.