Monday 12 May 2025
كتاب الرأي

محجوب البرش السباعي: الجزائر تعيد ترتيب الأوراق المبعثرة للبوليساريو

محجوب البرش السباعي: الجزائر تعيد ترتيب الأوراق المبعثرة للبوليساريو محجوب البرش السباعي
تتزايد المؤشرات الدالة على تحولات عميقة تجتاح صفوف جبهة البوليساريو، حيث يبرز سياق متصاعد من الاستياء الداخلي يستهدف بشكل خاص القيادة الحالية المتمثلة في إبراهيم غالي. هذا السخط، الذي تجلى في الآونة الأخيرة عبر عريضة مفتوحة، تتضمن جملة من الإخفاقات والتحديات التي تواجهها الجبهة على مختلف الأصعدة.
 
في مقدمة هذه العوامل يأتي الفشل الذريع في إدارة ملف الصراع مع المغرب، والذي لم يسفر عن أي تقدم ملموس بل زاد من تعقيد الأوضاع. كما أن الوضع الأمني المتردي داخل مخيمات تندوف في الأيام الماضية يمثل بؤرة أخرى للاستياء، حيث وصلت الأمور إلى حدوث توترات ومواجهات دامية مع الجيش الجزائري نفسه، مخلفة قتلى في صفوف البوليساريو. وعلى الرغم من مظاهر الدعم العلني والبروتوكولات الرسمية المصاحبة لاستقبال إبراهيم غالي من قبل الرئيس الجزائري تشير تقارير إلى عدم رضى المؤسسة العسكرية الجزائرية تجاه "بن بطوش"، الذي صارت شخصيته مصدرا للشؤم منذ وفاة الزعيم السابق محمد عبد العزيز.
 
وقد تعززت هذه القناعة لدى الجزائر على ما يبدو، مع توالي الأحداث، و هنك تقارير تتحدث عن توبيخ وتقريع الرئيس الجزائري لإبراهيم غالي خلال لقائهما الأخير، حيث تم التركيز على التدهور الداخلي والدبلوماسي والأمني. وفي سياق البحث عن بدائل، يبرز استقبال وزير الخارجية الجزائري لعضو الأمانة العامة للبوليساريو، عبد القادر الطالب عمر، الذي يتم تسويقه إعلاميا كبديل محتمل لإبراهيم غالي. ويحظى الطالب عمر بثقة "الدولة العميقة" الجزائرية، خاصة بالنظر إلى منصبه السابق كسفير لـ "جمهورية الخيام"، مما يجعله الخيار الأوفر حظًا في ظل القيادات المتبقية للجبهة.
 
لا شك أن فترة قيادة إبراهيم غالي تعتبر الأسوأ في تاريخ البوليساريو، حيث شهدت تفجر فضائح جنسية مدوية، أبرزها قضية اغتصابه للشابة خديجتو محمود التي كانت تعمل مترجمة لديه. لكن الأشد وطأة كان القرار الأحادي بإنهاء وقف إطلاق النار والقيام بمغامرة احتلال معبر الكركرات، وهو ما أدى إلى عرقلة حركة المرور والتجارة المتجهة إلى العمق الإفريقي، وفرض حصار غير مباشر على موريتانيا ودول أخرى. وقد استتبع ذلك إدانة من مجلس الأمن وأمر بإخلاء المنطقة. كما شهد عهد ابراهيم غالي أكبر انشقاق سياسي في تاريخ الجبهة، بتأسيس حركة "صحراويين من أجل السلام"، التي تمثل فصيلًا سياسيا معارضا للبوليساريو ويحظى باعترافات دولية وازنة.
 
أما قاصمة ظهر البوليساريو في عهد إبراهيم غالي، فكانت فضيحة دخوله إلى إسبانيا بجواز سفر مزور وبالاسم المستعار "محمد بن بطوش" لتلقي العلاج، وهو ما أثار أزمة دبلوماسية حادة بين إسبانيا والمغرب، انتهت باعتراف مدريد بمغربية الصحراء. هذا التطور، إلى جانب توالي الاعترافات الدولية الأخرى بمغربية الصحراء و بجدية و مصداقية مخطط الحكم الذاتي المغربي، زاد من عزلة البوليساريو وعمق أزماتها الداخلية، والتي تجلت في الاحتجاجات المتكررة داخل مخيمات الرابوني.
 
في هذا المناخ المشحون، لم يكن مستغربا ظهور عريضة تطالب بعقد مؤتمر استثنائي بهدف إسقاط إبراهيم غالي وتنصيب عبد القادر الطالب عمر خلفًا له، وهو ما يؤكد بقوة فرضية "الانقلاب الأبيض" المدعوم من الجزائر. وتضمنت مطالب العريضة إجراء "تعديلات جوهرية على الآليات القانونية المتعلقة بانعقاد المؤتمر الاستثنائي"، و يبدو أن الهدف الرئيسي من ذلك هو إسقاط شرط التجربة القتالية من النظام الداخلي للجبهة، وهو ما يمثل عائقا أمام تولي الطالب عمر للزعامة نظرا لعدم امتلاكه لهذه الخلفية العسكرية.
 
من المعلوم أن الجزائر تمارس نفوذا مطلقا على كافة أجهزة وهياكل البوليساريو منذ اغتيال مؤسسها الوالي مصطفى السيد، عقب الهجوم الغادر على نواكشوط. منذ ذلك الزمن، تقوم الجزائر بتعيين رئيس الجبهة وحشد الدعم له بما يتماشى مع أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية. ويرى مراقبون مطلعون على دهاليز البوليساريو أن هذه العريضة "المدنية"، التي يروجها معارضون لإبراهيم غالي، قد تكون بإيعاز من المخابرات الجزائرية بهدف التخلص من القيادة الحالية وإعادة ترتيب البيت الداخلي للجبهة، واستعادة ما تبقى من "وهج الثورة" عبر تحقيق التفاف جماهيري حول قيادة جديدة.
 
تقدم العريضة تشخيصا قاتما على مرحلة الانحطاط التي وصلت إليه الجزائر و ربيبتها البوليساريو إلى حد تشبيه المرحلة الراهنة بسنة 1975 حين أستعاد المغرب أقاليمه الجنوبية، و هربت فلول الجبهة إلى الرابوني، دخال التراب الجزائري. و قد استعمل أصحاب العريضة عبارات و توصيفات تعكس حجم اليأس و الإحباط الذي يسود داخل المخيمات، حيث يصف الموقعون الوضع الحالي بالترهل وفقدان المبادرة الواعية والشجاعة، واستفحال حالة من العطالة المدمرة مما أفضى إلى ضبابية في الرؤية المستقبلية.
 
هذه الوضعية المتردية التي وصلت إليها الجزائر والبوليساريو هي مؤشر حقيقي على فعالية و نجاعة الديبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك، التي توجت بتجديد الاعتراف الأمريكي والفرنسي والإسباني بمغربية الصحراء ومطالبة المبعوث الأممي دي ميستورا المغرب بتقديم المزيد من التوضيحات حول مخطط الحكم الذاتي، الأمر الذي زاد من قوة الضغط على أعداء المملكة.
 
في هذا السياق، يأتي الانقلاب الأبيض على بن بطوش من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية كمحاولة أخيرة لاعادة هيكلة البوليساريو وضبط أجهزتها التنفيذية للخروج من سياسة الأمر الواقع و فرض الحكم الذاتي كحل وحيد فوق طاولة المفاوضات حول الصحراء، و حتى لا تخرج الجزائر من دائرة الصراع بدون مكاسب سياسية بعد 50 سنة من فشلها الذريع في إدارة الصراع مع المغرب.
 
ذ. محجوب البرش السباعي/ رئيس مركز رأس بوجدور للبحوث والدراسات