في سياق الدورة 18 لمؤسسة حد كورت للثقافة والتنمية، وعلى هامش النسخة الثالثة من دوري مولاي الحسن في كرة السلة، نظم نادي حَدْ كُورْتَ لكرة السلة بشراكة مع ذات المؤسسة ندوة فكرية في موضوع: "لنجعل الرياضة طريقا نحو التنمية" يوم الخميس 8 ماي 2025، والتي شارك فيها ثلة من المختصين والباحثين والإعلاميين والأطر الرياضية، حيث تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" مع قراءها عصارة ورقة الزميل حسن البصري الإعلامي والباحث المتخصص في العمل الاجتماعي، والتي تناول من خلالها موضوع: "المؤسسات الاجتماعية ودورها في احتضان المواهب الرياضية"
لقد كان مدخل الزميل حسن البصري في تناول محور مداخلته القيمة التي خصصها للندوة، توضيحه للحضور بالشرح والتفاصيل بأن مؤسسات الرعاية الاجتماعية كانت تسمى سابقا بـ "الخيريات" قبل أجرأة وتنزيل قانون 14/05، حيث تناول بالدرس والتحليل موضوع: "الرياضة بالخيريات" في زمن مضى مقارنة مع واقع الحال.
لماذا سمح حسن البصري لنفسه بالحديث عن الرياضة في "الخيريات"؟
هناك اعتبارات عديدة ـ يقول المتحدث ـ أبرزها أنه كان مديرا سابقا لمجموعة من دور الرعاية الاجتماعية بعدة مدن مغربية، فضلا عن كونه باحثا في العمل الاجتماعي والعمل الخيري، علاوة على أنه خريج المعهد العالي للعمل الاجتماعي، وكان رئيسا لجمعية مدراء الجمعيات الخيرية على المستوى الوطني، قبل أن يقرر المغادرة الطوعية سنة 2006، ويتفرغ للعمل الإعلامي. وأكد المحاضر في هذا السياق بأن العمل الاجتماعي يحضر دائما ويتقاطع مع العمل الإعلامي. وأوضح بأن هذه الاعتبارات هي التي تشكل معالم أسباب نزول خوضه في هذا الموضوع بمهرجان مؤسسة حد كورت للثقافة والتنمية.
نوستالجيا... ذاكرة البطولة الوطنية لمؤسسات دور الأطفال "الخيريات"
وقال حسن البصري في حديثه أمام الشباب الرياضي الوافد من مختلف الأندية المغربية، بأن الجماعة الترابية حد كورت التابعة لإقليم سيدي قاسم، قد فازت بأول بطولة نظمت لفائدة بنات وأبناء الخيريات سنة 1973، والتي تم تنظيمها آنذاك بمدينة سيدي قاسم من طرف والد الدليمي، موضحا بأنه يتوفر على أرشيف من الصور ذات الصلة بهذه البطولة الرياضية، والتي تعتبر وثائق وذاكرة لأول بطولة رياضية خاصة بالخيريات. وذكر في هذا السياق بأن رياضة كرة السلة كانت حاضرة بقوة وقتئذ بجميع "الخيريات".
خلفية قانون 14/05 الخاص بمؤسسات الرعاية الاجتماعية
وعرج حسن البصري في حديثه الشيق والمفيد، على الزيارة التاريخية للملك محمد السادس لخيرية عين الشق سنة 2004، والتي كانت قد أحدثت استنفارا ورجة حكومية، من أجل وضع قانون خاص لدور الخيريات، على اعتبار أنه لم يكن وقتئذ يوجد قانونا يؤطر هذه المؤسسات الاجتماعية، حيث سيتم صياغة قانون 14 /05 الخاص بمؤسسات الرعاية الاجتماعية وأجرأته وتنزيله. وبعد ذلك سيتم في السنة الموالية تأسيس فيدرالية الجمعيات الخيرية بالمغرب سنة 2005.
لماذا يتم تغييب ألعاب البطولة الوطنية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية؟
استغرب الزميل حسن البصري كون أن الجميع اليوم، يتحدث عن بطولة الألعاب المدرسية، والألعاب الجامعية، والألعاب العسكرية...لكن للأسف الشديد يتم نسيان وتهميش الألعاب الاجتماعية ذات الصلة بالبطولة الوطنية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تقام سنويا تحت إشراف التعاون الوطني، متسائلا عن سبب عدم الحديث عن هذه الألعاب الرياضية وبطولتها الوطنية، ومواكبتها وتحفيزها بالموارد البشرية والمالية؟
وشدد على أن الألعاب المدرسية هي التي تمتص كل الكفاءات التي تفرزها البطولة الوطنية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية، بحكم أن التلميذة أو التلميذ المستفيد الذي يقيم بدار الأطفال أو بدار الطالب، ويتابع في نفس الوقت دراسته بمؤسسة تعلمية مَّا، يفرض عليه حمل قميص مدرسته، والحال أنه من الواجب والمنطقي أن يحمل قميصه ويلعب باسم مؤسسة الرعاية الاجتماعية التي تأويه "الخيريات".
نجوم كرة السلة أنجبتهم "الخيريات"
على مستوى التشخيص لواقع حال دور الرعاية الاجتماعية وطنيا، أوضح المحاضر ضيف مؤسسة حد كورت للتنمية والثقافة والفن، بأن الأولوية في الجانب الرياضي بدور الأطفال والطالب، تعطى لرياضة كرة السلة. وأوضح في هذا السياق بأن إسم مؤسسة دار الأطفال في المغرب كان مقترنا برياضة كرة السلة إلى درجة أن البطولة الوطنية المغربية لكرة السلة تتوفر على خمس فرق أفرزتها دور الأطفال "الخيريات" تلعب في البطولة الوطنية لكرة السلة في القسم الأول.
واستحضر مثال "دار الأطفال البيضاوية" التي لعبت كأس أوروبا بنجومها بمجموعة من الأسماء الكبار الذين حملوا قميص المنتخب الوطني مثل اللاعب حْسِينَةْ الذي أصبح مدربا للمنتخب الوطني للذكور والإناث وكان مدربا لفريق التبغ البيضاوي، بمعنى أن هذا المسار يمثل ذاكرة وسابقة في مجال كرة السلة التي كان يتنافس فيها عدة فرق من "الخيريات" نذكر منها، دار الأطفال البيضاوية، ودار الأطفال الرباطية، ودار الأطفال المراكشية، ثم دار الأطفال الصويرة إلى جانب دار الأطفال طنجة ودار الأطفال الطنطان.
وخلص حسن البصري مؤكدا على أن مشاركة العديد من فرق كرة السلة في البطولة الوطنية هو دليل على أن دور الرعاية الاجتماعية هي التي أفرزت كل الأسماء الوازنة والموهوبة في هذه الرياضة ـ في زمن مضى ـ وبأن "الْبَاسْكِيتْ" كان ميلاده من رحم "الخيريات" بالمغرب.
خيرية عين الشق شكلت سابقا رحم ولادة أبطال كرة السلة بالمغرب
في سياق متصل استحضر نفس المتحدث مشاهد وذكريات من زمن طفولته بالقول: "كان منزلنا بعين الشق قريبا من خيرية عين الشق، وكنت ألج إليها متسللا من أجل متابعة منافسات فرق كرة السلة، مثل فريق الفتح، والنادي الرياضي البيضاوي، ونادي الوداد، والجيش الملكي...وكانوا يلعبون في فضاء مفتوح بحضور جماهير غفيرة". وأكد على أن خيرية عين الشق وقتئذ "كان يقيم فيها 800 نزيل، بالإضافة إلى 1000 شاب من المشجعين أي 1800 مشجع لفريق دار الأطفال البيضاوية التي توزع لاعبوها للأسف بين فرق الدار البيضاء بعد أن تم مسح هذه المؤسسة من خريطة المدينة ولم يعد لها أثر"
تشخيص لواقع أليم ومرّ بوسط مؤسسات الرعاية الاجتماعية
في سياق تشخيصه لواقع حال المؤسسات الخيرية على المستوى الرياضي حاليا، أكد البصري، بأنها للأسف الشديد لا تتوفر على فضاءات وملاعب رياضية، وشدد على أن هذا الأمر يعتبر إشكالا حقيقيا بالنسبة للبنية التحتية الرياضية، حيث لا تجد بها سوى مراقد خاصة بالنوم، ومرافق للطبخ والتغذية، والمخازن والمستودعات إلى جانب الإدارات، لكن المشكل العويص يتعلق بعدم توفر مساحات وفضاءات خاصة باللعب والرياضة للمقيمين بها.
واستغرب كون أن كل مؤسسات الرعاية الاجتماعية ينعدم فيها التأطير الرياضي، حيث يضطر المدير لإسناد مأمورية التدريب لنزيل سابق وأحيانا يتم استعارة إطار من الشبيبة والرياضة أو من قطاع الجماعات الترابية لسد هذا الفراغ، مما يؤكد أن جانب التأطير مغيب بـ "الخيريات" أي دور ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.
غياب الموارد البشرية والمالية في الرياضة
الأكثر غرابة في هذا الملف الشائك والمقلق فقد وقف حسن البصري عند مسألة الموارد المالية المرتبطة بالرياضة وسط مؤسسات الرعاية الاجتماعية، لأن كل المنح المخصصة لهذه المؤسسات مبرمجة لمصاريف التغذية فقط، وفي أحسن الأحوال تخصيص مستحقات موظفي الجمعيات الخيرية، وأكد بأن الرياضة لا تخصص لها أي منحة مالية من طرف المؤسسات المانحة، مما يصعب مأمورية التأطير والمواكبة والمشاركة في البطولة الوطنية لمؤسسات الرعاية الاجتماعية، حيث تضطر الإدارة إلى توفير البدل والأقمصة الرياضية والأحذية ومصاريف التنقل من ميزانية التغذية؟
دفتر تحملات لا يعترف بالملاعب الرياضية بوسط دور الرعاية الاجتماعية
الغريب في موضوع الرياضة في علاقة بدور الأطفال والطالب، أنه بالنسبة لدفتر التحملات المتعلق بإحداث دور الرعاية الاجتماعية فإن الجمعية ذات الصلة ليست مطالبة بإحداث وبناء ملاعب رياضية وسط "الخيريات" أو على مستودع ملابس أو على قاعة للرياضات، لأن المطلوب هو بناء المراقد والمخازن والمطاعم والإدارات، واعتبر ذلك إشكالا كبيرا يستحق المراجعة.
تخصيص نسبة "أربع ريالات" للكيلوغرام الواحد من اللحم كضريبة للخيرية؟
في سياق متصل تحدث حسن البصري عن مداخيل ضريبة الذبح التي تخصصها الدولة لمؤسسات الرعاية الاجتماعية، لا زالت في أدنى قيمتها والمتمثلة في "20 فرنكا" أي "أربعة ريال" في الكيلوغرام الواحد من اللحم. وقال بحرقة للحضور "تصوروا معي أنه إن تم بيع كلغ من اللحم في حد كورت فإن حق الخيرية لا يتجاوز فيه 20 سنتيم؟" متسائلا بقوله: "فهل بهذه القيمية الضريبية سيتم الإرتقاء بالرياضة وسط مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب، وجعلها فضاء لإنتاج الكفاءات الرياضية"
وزراء ونجوم وأطر رياضية وقضاة وفنانين خرجوا من رحم دار الأطفال بالمغرب
أكد حسن البصري بأن دور "الخيريات" قد أفرزت في السابق أسماء وازنة منهم أبطالا وأطرا ونجوما كبارا، مثل سي الكرسيمي من دار الأطفال الخميسات، وحرس المنتخب المغرب معلوم من دار الأطفال سلا، ثم وزير الصحة السابق البروفيسور الوردي من دار الأطفال الناظور، فضلا عن وزيرة الثقافة الفنانة المسرحية ثريا جبران من دار الأطفال الدار البيضاء، ومن دار الأطفال عين الشق وزير السكنى والتعمير سابقا ادريس التلالي، علاوة عن الفنانين الثاني الداسكين والزعري واللائحة طويلة فيها أيضا أطباء ومحامون وقضاة وغيرهم. وهم خرجوا من رحم "الخيريات".
وختم محاضرته بالتأكيد على أن هناك أيضا معضلة عدم وجود رؤيا شمولية، بمعنى آخر عدم وضع الأندية أطر رهن إشارة دور الرعاية الاجتماعية من أجل التأطير، بل أن الأندية لا تستفيد من كفاءات هذه المؤسسات الاجتماعية.