الأربعاء 16 إبريل 2025
كتاب الرأي

سعيد ودغيري حسني: "حين يكتب زكرياء بدمه ويوقّع الوطن بالأحمر".. من وحي ما جرى في مدينة القنيطرة

سعيد ودغيري حسني: "حين يكتب زكرياء بدمه ويوقّع الوطن بالأحمر".. من وحي ما جرى في مدينة القنيطرة سعيد ودغيري حسني
حين تسقط المدينة في لحظة ذعر
ويتهادى الخوف في الأزقة مثل دخان ثقيل
حين يلوّح مجرم بسكين
لا يميز بين قلب عجوز
أو صوت تلميذ
أو وجه أمّ تحمل خبز المساء
يخرج من بين الظلال رجل
لا يسأل عن اسمه
ولا يبحث عن بطولة في الأخبار
بل يعرف فقط أن من يلبس هذا الزيّ
قد باع نفسه للواجب
وسلّم قلبه للعَلَم

في مدينة القنيطرة
التي تعرفها القصائد بندى الصباح
عرفتها الدماء مساءً
حين وقف زكرياء
شاب من فرقة محاربة العصابات
أمام جنون رجل أراد أن يُطفئ الضوء بسكين
وأراد أن يُربك النظام بصرخة فوضى

زكرياء لم يكن مكلّفًا بحماية العالم
لكنّه كان مسؤولًا عن مساحة واحدة
هي الوطن في قلبه
وحين اقترب من المشتبه فيه
لم يكن يحمل غير جسده
وقسمه
وإيمانه بأنّ لا مدينة يمكن أن تنام
وسكين يلوّح في الظلام

طعنة واحدة كانت كفيلة بتشويه وجهه
لكنها لم تشوّه كرامته
بل زادت وجهه نورًا
وأسكنت عروقه وسامًا لا يُمحى
نعم
هو الآن جريح
لكنّه حيّ في قلوب المغاربة
كل المغاربة
كل من رأى صورته وقال: "هذا أخي… هذا ابني… هذا وطني حين يزهر في دمائه"

زملاؤه الثمانية لم يسقطوا عن ضعف
بل وقفوا طويلا أمام الجنون
تحمّلوا الجراح
لأنّ الأمن لا يُبنى بالخطابات
ولا بالقوانين على الورق
بل بالرجال
الذين يعرفون أن دقائق الخطر لا تحتمل التأجيل
ولا تحتمل التفاوض الطويل

وحده زميله الذي أطلق الرصاصة
كان يحمل في إصبعه قرار مدينة كاملة
إن أنقذ تأخر
وإن تردد فُقِدَ كل شيء
فاختار أن يكون صوت الدولة
حين تصمت العدالة أمام السكين

الرجل الذي واجههم بسلاح أبيض
لم يكن يحتاج إلى تفسير نفسي
ولا إلى تسامح من ورق
كان يحتاج فقط إلى من يوقظه من وهمه
وقد أيقظته الرصاصة الأخيرة
لا لترسله إلى الموت
بل لتوقظنا جميعًا من سبات التردد

في كل هذا
كان رجال الشرطة هم السدّ الأخير
هم الحائط الذي نرتطم به
كي لا نقع في الهاوية

زكرياء
الذي لطالما دخل الأحياء بخطى واثقة
خرج هذه المرّة محمولًا على الأكتاف
لكن رأسه مرفوع
كأنه يقول: “أنا لم أنهزم
أنا فقط وضعت علامة على وجهي
ليعرف المجرمون أن وجه الأمن لا يخاف الطعنات”

كل شبر نزف منه
هو أرض مُحرَّرة من الخوف
وكل قطرة دم نزلت من جبينه
هي توقيع جديد على عقد الأمن المغربي

زبدة القول
لسنا بحاجة إلى رفع صوتنا كي نُدافع عن الأمن
ولا إلى تنظير طويل كلما اشتبك الشرّ مع رجاله
نحن بحاجة إلى اليقين
أنّ رجال الأمن ليسوا روبوتات
ولا آلهة
بل بشر
لكنهم بشر يصعدون فوق خوفهم ليحموا أرواحنا
حين يقف الشرّ بوجه القانون
لا يُجدي التريث
ولا يستقيم النقاش
بل يكون الحسم هو القانون الأعلى
الذي تُبرّره كل دمعة أم
وكل صرخة طفل
وكل حلم مغربي بالسكينة

فلنُعطِ لرجل الأمن ثقته
ولنضع في يده السلاح لا ليفتك
بل ليمنع الفتك
ففي النهاية
إن خسرنا هيبة رجالنا
خسرنا كل شيء
ولن يبقى من الوطن إلا الحزن