لم يتردد المغرب في المصادقة على " اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي" التي اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو الذي احتضنت باريس أشغاله في نونبر 1972 .
خمسة عقود وأكثر ، لم يلمس أهل وزان من مختلف المتدخلين أدنى اهتمام بالذاكرة الثقافية والبيئية لدار الضمانة الكبرى ، فكان ما تشاهده اليوم ساكنتها كما زوارها . مدينة غابت للأبد الكثير من معالمها التاريخية التي أغنت في فترات تاريخية الموروث الإنساني الثقافي كما الطبيعي. أما ما لم تنجح كثرة المعاول في طمسه بعد مقاومة أسطورية ، فإما أنه اليوم مشوها ، ولم تترك عملية جبر ضرره أثرا ملموسا ، رغم ما رصد لها من اعتمادات مالية تقدر بالملايير ، وإما أن مسلسل تبديد هذا الموروث المادي واللامادي الذي يطبع هوية دار الضمانة مستمرا ، لأنه لا يشكل رقما على أجندة صناع القرار على المستوى الترابي .... ولنا في "شجرة تاشتا" أقوى مثال على تبديد ذاكرة المدينة.
قبل سنتين استفاق أهل وزان على خبر زلزل الأرض تحت أقدامهم/ن... موروث مادي جديد يُغيبه للأبد الاهمال البشري أكثر من الطبيعي ...! لم تكن هذه المعلمة التاريخية غير شجرة تاشتا" التي أثثت المجال البيئي لدار الضمانة ، وشكلت مزارا توافد عليه الزوار من كل أرجاء الوطن ...وتشرفت الشجرة والفضاء المحيط بها قبل أن يلحقه التصحر ، بزيارة الملك المجاهد المغفور له محمد الخامس .... وفي شهر ماي من سنة 1975 كانت على موعد مع الشهيد عمر بنجلون الذي انبهر بشهادة من رافقه من أبناء الحركة الاتحادية في قمة توهجها ، بجمالية المكان ، ودعاهم للرفع من وتيرة الترافع من أجل تأهيل الفضاء وحماية الشجرة المتفردة .... نظرة تنموية استباقية تؤكد بأن بيئة وزان وموروثها المتنوع والمتعدد يشكل مدخلا من مداخل تنمية دار الضمانة ومحيطها ورافعة لها .
سقطت الشجرة في ليلة ممطرة، ولم يعد قلبها ينبض، ولا مسامها يتسلل منها أوكسجين الحياة.... !لكن هل قدر أهل وزان التسليم بالأمر الواقع والبكاء على الأطلال ؟ جبل من الأسئلة تناسلت في أكثر من مجلس من المجالس المدنية بحثا عن مبادرة تجعل "شجرة تاشتا " ذاكرة حية . لم يقابل هذا الانشغال المدني ذرة من تفاعل المتدخلين ، الذين تعاملوا مع ما حدث ببرودة دم ... ! يكفي هنا الإشارة إلى مجلس جماعة وزان الذي يعتبر فاعلا مؤسساتيا أساسيا في تسميد التنمية الترابية .
كل المعطيات المتوفرة لموقع " أنفاس بريس" تؤكد بأن مكتب مجلس الجماعة ولا مرة واحدة تناول في اجتماعاته الأسبوعية موضوع النهاية المأسوية ل" شجرة تاشتا" ، ولا كيف يمكن الحفاظ على هذه الشجرة ذاكرة حية ، خصوصا وأن تجارب دولية ووطنية كثيرة ماثلة أمامنا ، بحيث يكفي إلقاء نظرة خاطفة على "شجرة كورو" بمدينة أزرو التي تجمعها بمدينة وزان جملة من القواسم المشتركة ، بما في ذلك التهميش والإقصاء . شجرة تقف شامخة، نابضة بالحياة، ومزارا حرك السياحة بالمدينة.
من باب الانصاف ، ليس وحده مكتب مجلس جماعة وزان من قفز على نفخ الروح في أوصال شجرة "تاشتا" التي تهاوت ذات ليلة من ليالي دجنبر 2022 ، بل جميع مكونات المجلس سارت على نفس النهج !كما أن لجنة أو لجنتين دائمتين بمجلس الجماعة لم يدركا بأن من بين أدوارهما المساهمة في تدارس جبر الضرر الذي لحق ارثا بيئيا ، فسارعا لرفع مقترح لرئاسة المجلس لطرحه والتداول فيه بدورة من دورات المجلس العادية منها أو الاستثنائية !
الكل يتفرج مجلسا جماعيا كما باقي المتدخلين على موروث بيئي يتبدد! الشجرة ( انظر الصورة ) بجذعها وأغصانها ملقاة على الأرض من أكثر من سنتين... !معرضة للأمطار كما لأشعة الشمس الحارة ...قاومت منفردة كل هذه العوامل الطبيعية، لكن يستحيل أن تصمد في مقاومتها إلى ما لا نهاية ، وهو ما سيعبد الطريق أمام العنصر البشري لتدخل أسلحته على الخط للاجتثاث التام لشجرة ظلت لزمن طويل علامة بارزة في سجل دار الضمانة .
لحماية ما نجا من الإرث الثقافي والبيئي لدار الضمانة من التبديد ، فقد بات لزاما على مجلس الجماعة التفكير في اعادة الاعتبار لشجرة "تاشتا" لجعلها ذاكرة حية شامخة شموخ أهل وزان الكبرى . وفي ها الإطار فقد سبق أن كان هناك مقترحا في الموضوع يقضي بنقلها من حيث تتعرض للإتلاف، والعمل على تثبيتها وسط المدينة، وبالضبط بالفضاء الأخضر الذي يشكل المعبر الأول لحي الملاح، ومنه إلى المدينة العتيقة، ومسجد الزاوية. اقتراح بالإضافة إلى الجمالية التي سيضفيها على القلب النابض لوزان ، فإنه حامل لباقة من الرسائل الانسانية ...
"من اجتهد وأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد" . من هذه الزاوية وجب التفاعل مع المقترح . مقترح يُبقي باب الاجتهاد مفتوحا في وجه الجميع من أجل رد الاعتبار لشجرة "تاشتا" بجعلها ذاكرة حية ، مقاومة لكل عوامل التبديد .... الوقت لا يرحم والتاريخ يسجل ...