الأربعاء 2 إبريل 2025
كتاب الرأي

بوناصر المصطفى: ظاهرة التسول بالمغرب بين الحاجة وانتحال الصفة؟

بوناصر المصطفى: ظاهرة التسول بالمغرب بين الحاجة وانتحال الصفة؟ بوناصر المصطفى
عادة ما يوحي مشهد المتسول بالشفقة اتجاه شخص يعيش حالة من الفقر والتهميش الاجتماعي، اذ ان التسول كظاهرة اجتماعية معقدة عادة ترتبط تلقائيا بالظروف الاجتماعية الصعبة من فقر مدقع وبطالة او حالات إعاقة يعاني منها بعض الأفراد، لكن العديد من المتسولين في المغرب دأبوا على استغلال الرحمة والمساعدة التي يقدمها المواطنون لتحقيق أرباح غير معتادة، لذلك اعتمدت في هذا الزمن كمظهر من مظاهر التحايل بل أصبحت حرفة معتمدة منظمة في شبكات خاصة.
 
لم يقف التحايل بالتأثير عن طريق اختلاق أصوات مؤثرة لاستغلال للمشاعر الإنسانية بل اجتهد محترفوها بطريق أكثر تأثيرا بالتظاهر بالإعاقة والمرض، او استخدام الأطفال او النساء الحوامل، وكدا تلفيق قصص مؤثرة كطلب المساعدة في دفن ميت او شراء دواء ... حيل اثبت جدارتها في الكسب الوفير دفع البعض الى الاحتراف وتكوين شبكات تسول مؤسسة تتحكم وتستغل الأفراد الفقراء في عملية التسول والكسب الغير مشروع.  
 
وبالرغم من أن التسول في المغرب يعتبر جريمة يتابع صاحبها بعقوبات قانونية، وفقاً للمادة 633 من القانون الجنائي المغربي، اذ يعاقب كل من يتسول في الأماكن العامة بغرامة تتراوح بين 300 و1200 درهم مغربي، وفي حالة العود، تتم مضاعفة الغرامة، وقد يتم الحكم على المتسول بالسجن لمدة تصل إلى شهرين، الا أن مكافحة هذه الظاهرة بقيت مقتصرة على حملات موسمية لحفظ ماء الوجه خصوصا مع اقتران احتضان البلد لمؤتمر او تظاهرة عالمية  من خلال حملات تقوم بها السلطات لإزالة المتسولين من الشوارع والأحياء وتوجيههم إلى مراكز الرعاية الاجتماعية لذلك لم تعد الظاهرة قابلة للحصر مادامت لم تكن مبنية على سياسة محكمة وبرنامج اجتماعي لهذا صار تناميها و توغلها يطرح اكثر من سؤال حول أي رؤية سياسية للحكومة للتصدي والمعالجة ؟  

بالرغم من كون التسول جريمة يعاقب عليها القانون بالإحالة على الجهات المختصة للتحقيق معهم، والحكم بغرامات مالية وفي بعض الأحيان السجن كمصير أي متسول فقد انتشرت الظاهرة بشكل مستفز ومقلق، نظرا للصور المسيئة التي يسوقونها للأجانب والزوار ، والإصرار في اعتماد تلك المقاربات القديمة والحلول الترقيعية، برامج  إذاعية لتعزيز الوعي بأضرار هذه الظاهرة على المجتمع وعلى الأفراد المتسولين أنفسهم، بقدر ما أصبحت الضرورة تقتضي التصدي بشكل ممنهج للشبكات المنظمة لهذه الجريمة ومعالجة شاملة  تتكاثف فيها جهود الحكومة والسلطات المحلية والمجتمع المدني وقطاع الخاص في خطة سياسية محكمة لاستئصال الظاهرة والحد منها على الأقل وذلك: 
 
- توفير فرص عمل قارة للأفراد بشجيع وتحفيز فعلي للمبادرات الاقتصادية للمقاولة الذاتية والصغيرة جدا في مشاريع مدرة للدخل تضمنها وتدعمها الدولة ودعم مكثف للاقتصاد الاجتماعي للحد من الفقر والبطالة في بعض القرى المصدرة للهجرة. 
- تخصيص مداخيل الصناديق ومساعدات وهبات المنظمات الدولية والشركات الخاصة كموارد لدعم المقاولات الناشئة بالمواكبة. 
- تركيز الوزارة الوصية على مراكبة وتقديم برامج ومشاريع للتشغيل وتوفير العمل للأطر والكفاءات، وتحفيز الشركات الخاصة على توظيف الشباب بإعفاءات ضريبية في حالة تشغيل كفاءات، او اشخاص يعانون من صعوبات اجتماعية واقتصادية.

 
هل فعلا للحكومة استراتيجية لمعالجة هده الظواهر المشينة؟
هل ستتجه الدولة الى اعتماد دراسات علمية بالاستعانة بالعلوم الاجتماعية علم النفس و السوسيولوجيا للتقرب أكثر من الظواهر المجتمعية؟ 

 
إنه من السذاجة السياسية النظر الى ظاهرة التسول في وضعها الحالي بنظر أحادية المعالجة لكونها حالة مركبة تتطلب البحث والدراسة من جوانبها المتعددة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. 
 
لابد أولا التمييز بين الأشخاص الذين يتسولون بسبب ظروف قاهرة وحقيقية، مثل الفقر أو العجز، وبين أولئك الذين يستغلون التسول كوسيلة للتحايل وذلك بإجراء دراسات ميدانية لفهم الظاهرة بشكل أفضل وتحديد الفئات الأكثر حاجة وبتسريع السجل السكاني. 
 
كما أن معاجلة الظاهرة اعتمادا على الأساليب الزجرية قد لا يكون الحل الأمثل كونه يزيد من تكريس الفقر، دون معالجة لأسبابها الجذرية، فغالبًا ما تؤدي تلك الغرامات إلى تفاقم معاناة بعض الأفراد الفقراء ضحايا الحملات، لكن قد تعطي فعاليتها في استهداف عصابات تستغل التسول لأغراض غير شرعية.
 
ويبقى الحل الانسب إنشاء سجل اجتماعي للأشخاص ذوي الحاجة، فهو خطوة إيجابية للمساعدة في تحديد الأسر الأكثر حاجة وتخصيص الموارد والبرامج الاجتماعية بشكل أكثر جدوى وفعالية على ان تنزيل برامج الدعم الاجتماعي والنفسي لبعض الحالات والتدريب المهني والتأهيل، عناصر جديرة بتمكين الأفراد وتأهيلهم للخروج من حالة الفقر والتسول، دون اغفال طبعا إشراك المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية في تنزيل هده الخطط اعتبارا للتجربة وثقافة القرب، وثانيا لما لهده العملية من أهمية تعزيز المسؤولية الاجتماعية والقيم الإنسانية. 

اهم ما يمكن استخلاصه هو ان تكون المعالجة متعددة الأبعاد، تشمل الجوانب الزجرية وأخرى علاجية اجرائية، تحسن من الظروف المعيشية للفئات الأكثر حاجة باستثمار فاعل في برامج المبادرات الاقتصادية المحلية وخلق فرص العمل قصد تقليل معدلات الفقر والحد من ظاهرة التسول بشكل مستدام، شريطة ان ترافق كل برنامج او سياسة بآليات للتقييم والمواكبة لضمان فعالية البرامج والسياسات المتبعة لجمع البيانات الدقيقة حول معيقات التنمية.
 
أي مقاربة للحكومة لمفهوم الدولة الاجتماعية؟
هل استأنست الحكومة بأفضل الممارسات في محاربة التسول؟ 
هل هناك إرادة حقيقية لتوزيع عادل للثروة؟ 
لماذا تأخرت الحكومة تنفيذ السجل الشامل للفئات المعوزة؟