الأربعاء 2 إبريل 2025
كتاب الرأي

رشيد صفـَر : البرمجة.. المتهم الأول في دراما رمضان.. هل نحاسبها أم نمنحها أوسكار التكرار !!

رشيد صفـَر : البرمجة.. المتهم الأول في دراما رمضان..  هل نحاسبها أم نمنحها أوسكار التكرار !! رشيد صفـَر 
انتهى شهر رمضان وسيسدل الستار على موسم تلفزيوني آخر، فتحت فيه القنوات التلفزيونية ذراعيها للأعمال الدرامية والكوميدية لتؤثث شاشة ليالي الصائمين، لكنها اعتادت أن تفتح ذراعيها  لنفس الوجوه ونفس المواضيع مع جرعة زائدة من التكرار، ومع كل انتقاد يطال هذه الظاهرة، لا أحد يتحمل المسؤولية... إلا "البرمجة" ! نعم، تلك الكلمة السحرية التي تُلقى في وجه كل سؤال يطرح عن احتكار الشاشة. ويبدو أن هذا الموسم لم يكن استثناء.

ينص دفتر التحملات لقنوات القطب العمومي، بوضوح لا لبس فيه، على ضرورة التنوع في الإنتاجات والالتزام بتقديم البرامج في موسمها المحدد وفق طلبات العروض، لكن يبدو أن هذا "الدفتر" تحول إلى نص مسرحي يُقرأ بحماسة في الاجتماعات الرسمية، ثم يُنسى على رفوف القاعات المكيفة.

فكيف يمكن تفسير عرض أعمال تم تصويرها قبل عامين في نفس الموسم، مع حشر نفس الممثلين في أكثر من عمل، وكأن المغرب يعاني من ندرة في الطاقات الفنية !؟.
 
لقد رأينا كيف أجاب العديد من الممثلين عن السبب في تكرار نفس الوجوه في رمضان بجواب جاهز و هو : " البرمجة هي السبب !!"، فهي، كما يُقال، المسؤولة عن ظهور نفس الممثل في ثلاثة أعمال في ليلة ولحظة واحدة وعن دوران نفس المواضيع في حلقة مفرغة محشوة بالكليشيهات. إذا من هنا يمكن القول أنه إذا كان هناك من احتكار واضح للشاشة، فالبرمجة هي المتهم الأول... إنها متهم محظوظ، لأنه لم يمثل يوما أمام لجنة !!.
 
المدافعون عن هذا التكرار يبررونه بظروف إنتاجية خارجة عن السيطرة، يُقال إن بعض الأعمال تم تصويرها قبل عام أو عامين، لكنها لم تجد طريقها إلى الشاشة إلا هذا الموسم، ومن سوء حظ المشاهد أن البرمجة، في قمة براءتها، لا تنتبه لكون نفس الممثلين يظهرون في العديد من الأعمال التلفزيونية في نفس الوقت في أكثر من قناة وفي نفس القناة أيضا.
 
فهل هو تدوير لمواد تلفزيونية حفاظا على البيئة السمعية البصرية أم بطاقة مرور للوجوه المعروفة فقط !؟.. يبدو أن البرمجة تحرص على "الاستدامة" أكثر من خبراء البيئة !!.
 
يمكن القول أن استراتيجية إدمان البرمجة على تكرار نفس الوجوه الفنية دون انقطاع، نتج عنها قول  : "تفرج فيهم غير هوما ولا بدل القناة الأولى والثانية !!" في المقابل، هناك العديد من المواهب بينهم الرواد و ذوي الخبرة أيضا والطاقات الفنية الشابة تنتظر فرصة ضائعة للظهور، لكن البرمجة تفضل الاحتفاظ بهم في قائمة "الاحتياط" في قاعة انتظار منسية، إلى حين نهاية صلاحية الوجوه الحالية ...
 
 وتبقى الأسئلة التي يجب أن تجيب عنها البرمجة هي : 
لماذا لا تُفرض معايير صارمة على توزيع الأدوار في طلبات العروض على اعتبار أنها صفقات عمومية؟
لماذا لا تُمنح الأولوية لوجوه جديدة وأسماء مقصية في كل عمل على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج ؟
لماذا لا تُلزم القنوات بتنسيق أكثر ذكاء، لتجنب ظهور نفس الممثل في أكثر من عمل في نفس الشهر؟ بل ونفس اليوم ونفس الثانية !؟.
 
قد يكون الحل في منح "البرمجة" جائزة أوسكار عن فئة "أفضل إعادة تدوير للوجوه والمواضيع". فهي تبدع في تحويل المتلقي المتعلق بمنتوجه الوطني إلى باحث عن "الاختلافات" بين الأدوار، وتجعل من القنوات وكأنها مرآة لبعضها البعض. وبينما ينشغل الجمهور بتوجيه الانتقادات، تبقى البرمجة في مأمن، تنعم بالدفء على الأريكة، وتخطط لموسم آخر يعيد تقديم نفس القصة بنفس الأبطال.
 
إلى أن نرى برمجة ينسجم نعتها بوظيفتها حتى لا يقال مرة أخرى " لا برمجة ولا هم يخزنون"، سيبقى المشاهد هو الضحية الأولى ... والمرة القادمة، قد يضطر إلى ترك التلفزيون مشغلا، فقط ليتأكد ما إذا كان يشاهد حلقة جديدة أو حلقة قديمة، لم تعرض قط و انتظرت البرمجة بتاريخ صلاحية قابل للتجديد والتمطيط.
 
لقد باتت الدعوة إلى إعادة النظر في آليات البرمجة وتوزيع الأدوار، مطلبا هاما، لأنها السبيل لضمان تكافؤ الفرص و استثمار التنوع الغني الذي تزخر به الساحة الفنية المغربية، فلا يختلف إثنان أن من حق المشاهد أن يرى وجوها جديدة ويستمتع بقصص مبتكرة، تماما كما من حق الفنانين الشباب والرواد أن يجدوا لهم مكانا بين جدران الشاشة، دون أن يكونوا أسرى الانتظار في قوائم "الاحتياط" وهذا حق وليس امتيازا.
 
الكرة الآن في ملعب البرمجة... فإما أن تخرج من دائرة التكرار وتمنحنا مواسم أكثر توازنا وعدلا، أو تبقى حبيسة "الأرشيف" ولابد أن يأتي من يعيد كتابتها من جديد ولو على صفحات المواقع والصحف الرزينة.
 
 الإبداع لا يحتمل الاحتكار، والتغيير يبدأ من الجرأة على كسر الروتين والسكوت في هذه الحالة ليس حكمة .. نعم لا علاقة له بالحكمة والحكماء.