الثلاثاء 1 إبريل 2025
كتاب الرأي

أحمد حضراني: رقابة  القضاء الاداري على الجماعات غير مكتملة 

أحمد حضراني: رقابة  القضاء الاداري على الجماعات غير مكتملة  أحمد حضراني

غيرت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، من حيث  التسمية، الوصاية الإدارية بالمراقبة الإدارية ،انسجاما مع الوثيقة الدستورية  لسنة 2011، التي أناطتها  أو كرستها  للولاة والعمال(الفصل 145) . و تم  تخويل عديد من القرارات الرقابية للقضاء ، والتي كان معهودا بها لوزارة الداخلية وممثليها ، ولكن  دون سحب بساط  - الرقابة كليا - من الولاة والعمال، وبحكم القانون، و الذين يظلون  في كل الأحوال ماسكين بزمام   تحريك المسطرة القضائية والتحكم فيها  ، والتي يكون موضوعها المنتخبون أشخاصا وأعمالا. فالقراءات السريعة أو العامة  لمستجدات  تلك القوانين التنظيمية، اندفعت بنوع من الحماسة  لنزع العمل الرقابي من جهاز الداخلية  لصالح القضاء الإداري، لكن الأمر ليس بالمسألة الخالصة،وبالتمام والكمال. ويكفي في ذلك استقراء البنية الداخلية للنص ( القانون التنظيمي رقم 14-113  المتعلق بالجماعات) ، ودون الخوض  في أداء  جهاز القضاء الإداري (كعلاقة ووظيفة) .

 

مراقبة القضاء لأشخاص الجماعات: العزل والحل

 لا بد من الإشارة بادئ ذي بدء  إلى مقتضيات   المادة 63 من القانون التنظيمي رقم 14-113  المتعلق بالجماعات  التي تنص على ما يلي: " يختص القضاء وحده بعزل أعضاء المجلس وكذلك بالتصريح ببطلان مداولات مجلس الجماعة وكذا بإيقاف تنفيذ المقررات  التي قد تشوبها عيوب قانونية. يختص القضاء وحده بحل مجلس الجماعة".

 أكدت  عدة مواد اختصاص القضاء  في ترتيب جزاءات قاسية في حق المنتخبين ،فرادى( العزل أو التجريد)، أو  في حق المجلس برمته(الحل) ؛بسبب  العناد في النقط التي كانت موضوع تعرض  من قبل عامل العمالة أو الإقليم  (المادة 41). و قد استرسلت مقتضيات القانون التنظيمي في فرض عقوبات العزل، التي يبت فيها القضاء الإداري، وفي الحالات التالية:

-  تعرض الأعضاء للعزل لارتكابهم أفعالا مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل تضر بأخلاقيات المرفق العمومي ومصالح الجماعة(المادة 64). تتسم  هاته الصيغة بالعمومية، فجزاء من نوع هاته العقوبة التي تضع حدا لانتداب  المنتخب ،ناتج   الآلية الانتخابية، يجب أن تكون محددة القواعد وواضحة الأحكام، انسجاما حتى مع المبدأ  الدستوري :ربط المسؤولية بالمحاسبة.

- امتناع أحد نواب الرئيس، دون عذر مقبول، عن القيام بإحدى المهام المنوطة به أو المفوضة له ،جاز للرئيس مطالبة المجلس باتخاذ مقرر يقضي بإحالة طلب عزل المعني بالأمر من عضوية مكتب المجلس إلى المحكمة الإدارية(المادة 68)

- طلب  المجلس  بواسطة مقرر، يوافق عليه بأغلبية ثلاث أرباع (4/3) الأعضاء المزاولين مهامهم ، من عامل العمالة أو الإقليم لإحالته  على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس (المادة 70).

وينضاف إلى العزل تجريد  العضو المنتخب بمجلس الجماعة الذي تخلى خلال مدة الانتداب عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه من صفة العضوية في المجلس، والذي تبت فيه  المحكمة الإدارية( المادة 51).

 و بخصوص  حل المجلس الذي يعتبر من أقسى العقوبات  التي تضع حدا نهائيا لكل مكوناته المنتخبة ، فإن القضاء، وكما سلف الذكر، هو وحده  المختص في التقرير في ذلك ، خلافا لما سبق ،حيث كان  الحل يتم بموجب مرسوم، صادر عن الوزير الأول .

 يترتب  حل  المجلس  إذا كانت مصالح الجماعة مهددة لأسباب ،تمس بحسن سير مجلس الجماعة( المادة 72 ) ،أو في حالة  رفض هذا الأخير  القيام بالأعمال المنوطة به  أو رفض التداول واتخاذ المقرر المتعلق بالميزانية أو بتدبير المرافق العمومية التابعة للجماعة، أو إذا وقع اختلال في سير مجلس الجماعة (المادة 73). والحالات المذكورة  قد  تستغل أو تتخذ كذريعة  للجوء إلى الحل أو التوقيف،  في غياب التنصيص على معايير إجرائية  واضحة  لترتيب هذا القرار أو ذاك ،وهو نفس الالتباس الذي كان سائدا قبل دستور 2011.

و إذ يبقى الولاة والعمال في معظم الحالات  هم المحركون لمسطرة مقاضاة المنتخبين والمنتخبات  بشكل فردي أو جماعي ،بسبب السلوك غير السليم أو المقرر المخالف للتشريع. فإن  بعض حالات  العزل والتوقيف، تناط  بوزارة الداخلية  وممثليها الترابيين وغيرهم.

 

2 - قرارات العزل والتوقيف  بموجب قرارات غير قضائية

خلافا للمحور الأول الذي انطلق من حالات فردية  إلى حالات جماعية،  ففي هاته النقطة ،يمكن الإشارة  بداية  إلى القرار الرقابي، الذي يطال المجلس برمته، وبالتحديد توقيف هذا الأخير، حيث أشارت المادة 63  أعلاه ، بصريح العبارة  إلى اختصاص القضاء وحده بحل مجلس الجماعة، دون الإشارة إلى توقيف المجلس الذي كان يتخذ   في حالة الاستعجال  لمدة مؤقتة،  بقرار معلل لوزير الداخلية، ينشر بالجريدة الرسمية ،ودون أن تتجاوز مدته ثلاثة(3) أشهر، لكن القانون الحالي أغفل ذلك ، بل تمت الإشارة فقط  إلى توقيف أو حل للمجلس  ضمن مقتضيات المادة41 السابق الإشارة إليها، بالإضافة  إلى حالات أخرى لا تفي بالغرض،  أو في  معرض ترتيب  حل مجلس الجماعة بحكم القانون  لتوقيف مجالس المقاطعات المكونة  له إلى أن يقع تجديده (المادة 228). وهنا ينتصب السؤال، فمن يتخذ قرار التوقيف هنا. هل هو القضاء أم وزير الداخلية أم عامل العمالة أو الإقليم؟ أم بحكم القانون، الواردة في وسط المقتضى التي قد تعود للحل أو التوقيف(رغم أن الترجيح قد يحيل على التوقيف، ولكن لا بد من رفع اللبس). وعمليا تم توقيف المجلس السابق لجهة كلميم- واد نون بقرار لوزير الداخلية لمدة 6أشهر، ودون الإحالة على القضاء.

- تتم   إقالة رئيس المجلس أو نائبه الذي ثبت، بعد انتخابه، أنه مقيم في الخارج بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، بعد رفع الأمر إليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم (المادة 69).

- حالات التنافي ،حيث  تتم معاينة  المعني بالأمر مقالا بحكم القانون  ،من أول رئاسة أو إنابة انتخب لها رئيس المجلس أو نائبه؛  نتيجة الجمع بين  مهام أكثر من  جماعة ترابية أخرى أو غرفة مهنية، بموجب قرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ( المادة 15).

-  يتم عزل المنتخبين لمخالفتهم أحكام  القانون رقم 06-54 المتعلق بإحداث التصريح الإجباري (رفض القيام بالتصريحات... أو الادلاء   بتصريحات غير كاملة، و عدم تسوية الوضعية رغم الإنذار ،  بموجب مرسوم صادر عن رئيس الحكومة باقتراح من وزير الداخلية (صدرت بالجريدة الرسمية عدد 6892   في 18 يونيو 2020 مراسيم  تقضي  بعزل مجموعة من المنتخبين، ينتمون إلى جماعات عديدة). وبخصوص هاته النقطة،  وتفاديا لكل خلط، كان بالإمكان استغلال مناسبة تعديل القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، الذي تمم وعدل  بموجب  القانون التنظيمي رقم 06.21 ،  لمطابقة الدستور والقانون رقم 06-54 المتعلق بإحداث التصريح الإجباري لأحكام  المادة 63 من القانون التنظيمي رقم 14-113  المتعلق بالجماعات ، على غرار الفقرة الأخيرة من المادة 159  التي قضت بما يلي:"يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر إلى المحكمة الإدارية المختصة للتصريح بتجريد كل عضو معني"، بمناسبة المخالفات التي  تهم التمويل الانتخابي، وشفافية المصاريف الانتخابية وإيداع حساب الحملات الانتخابية.

- حالة  انقطاع نائب أو عدة نواب عن مزاولة مهامهم بدون مبرر ، التي توجب على رئيس المجلس توجيه إعذار إلى من يعنيهم الأمر لاستئناف مهامهم داخل أجل 7 أيام بواسطة كتاب مع إشعار بالتسلم، إذا تخلف المعنيون بالأمر عن استئناف مهامهم أو رفضوا ذلك، انعقد المجلس في دورة استثنائية بدعوة من الرئيس لإقالة المعنيين بالأمر... فحالة الانقطاع هاته  ترتب إقالة النائب بمقرر للمجلس(المادة22) دون الإحالة  على القضاء الإداري ،بيد   أن الامتناع  فيقضي إحالة طلب عزل المعني بالأمر من عضوية مكتب المجلس إلى المحكمة الإدارية(المادة68).

- يتم الاكتفاء كذلك بمقرر المجلس الذي يعاين إقالة عضو المجلس ، الذي  لم يلب الاستدعاء لحضور ثلاث دورات متتالية أو خمس دورات بصفة متقطعة دون مبرر يقبله المجلس( المادة 67 ).

 يتبين مما سبق، أن الرقابة على المنتخبين  لا يستأثر بقراراتها النهائية و "القاسية" القضاء وحده، بل تشاركه في ذلك  هيئات أخرى خارجية (وزارة الداخلية، رئاسة الحكومة)  أو داخلية (المجلس الجماعي)، ومن خلال رقابة ذاتية. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية  فهي رقابة وصائية  متعددة المساطر والمتدخلين بشكل نهائي ،و يبقى الولاة والعمال الفاعلين الأساسيين في تحريك مساطرها القضائية، علما أن كل  القرارات المتخذة من الهيئات غير القضائية تكون قابلة للمنازعة أمام المحاكم الإدارية  ، هاته الأخيرة التي تبسط رقابتها  في طلب البطلان ، والمنازعة  في المراقبة الوصائية على شرعية قرارات رئيس المجلس ومقررات مجلس الجماعة، وهي مراقبة شديدة الوطأة سواء على مستوى النوع(البطلان، الملائمة) ومن الناحية الزمن(سابقة ،مواكبة، لاحقة). ولكن تبقى هاته الوصاية   مبررة، وبشكل كبير، بالنظر لحجم ونوع  البركة الآسنة للفساد ، وملفات الفاسدين ، التي بدأ ت الأجهزة الرقابية للتصدي لها، ولن تكون ذات جدوى إذا اقتصرت فقط على المنتخبين.