هذه العبارة كثيرا ما تَرِدُ في الخطاب الديني السلفي الذي يردِّده السلفيون المتطرِّفون على مواقع التواصل الاجتماعي. والمقصود منه، هو الرَّدُّ على ما يُداوِله التنويريون les éveilleurs des esprits من خطاب يدعو، أولا وقبل كل شيء، إلى استعمال العقل في التعامل مع الخطاب الديني لبناء هذا التعامل على التفتُّح الفكري épanouissement intellectuel والتَّحرُّر الاجتماعي émancipation sociale.
التَّفتُّح الفكري يعني الانفتاح على أفكار الغير ouverture sur les idées d'autrui لكن، باللجوء إلى تمرير هذه الأفكار من مصفاة filtre الفكر النقدي la pensée critique. بمعنى أن الأفكار ليست كلها متوافقة مع العقل ومع قناعاته الفكرية، أي أنه من بين هذه الأفكار، قد يكون البعض منها غير متوافق مع العقول السليمة، النَّيِّرة والمستنيرة أو تتناقض معها.
أما التَّحرُّر الاجتماعي، فيعني التَّخلُّص من الخرافات les mythes والقيل والقال les commérages والقوالب الجاهزة les stéréotypes والأحكام المسبقة les préjugés… والاكتفاء، فقط، بما يفرضه الواقع الذي يعيشُه الناسُ في حياتِهم اليومية.
وإذا أخصعنا الخطاب الديني السَّلفي التَّطرُّفي le discours religieux salafiste extrémiste للعقل المتفتِّح فكرياً والمُتحرِّر اجتماعيا، سنجد أن هذا الخطابَ الديني يتنافى كليا مع العقل النَّيِّر والمستنير، أي أن تَحليلَ هذا الخطاب يقودنا إلى الإدلاءِ بالملاحظات التالية :
1. عندما يُشير السلفيون المتطرِّفون، في خطابهم الديني، إلى عودة الرذيلة، فهل هذا يعني أن الرذيلةَ اختفت، والتَّنويريون هم السبب في عودتها وانتشارها في المجتمعات الإسلامية؟ علما أن الرذيلةَ ملازمةٌ للبشر، كيفما كانت عقيدتُهم وأينما حلوا وارتحلوا، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10).
في هذه الآيات الأربعة من سورة الشمس، يتحدَّث، سبحانه وتعالى، عن النفس البشرية. لما سوَّى، عزَّ وجلَّ، هذه النفس، أي أحسن صورتَها، فإنه، في نفس الوقت، بثَّ فيها فِطرياً (الآية رقم 8 من سورة الشمس)، الميولَ إلى التَّقوى والميولَ إلى الفجور، أي إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي. وفي الآيتين رقم 9 و 10، يُخبرنا، سبحانه وتعالى، أنه، بإمكان الكائن الحي البشري أن يسعى إلى تزكية نفسِه بالميول إلى الخير. كما يامكانه أن يسعى إلى إخفاءِ نفسه وراء الذنوب والمعاصي. كيف ذلك؟
وهنا تظهر أهمِّيةُ العقل الذي وهبه الله، سبحانه وتعالى، للبشر ليُميِّزوا بين تزكية النفس أو إغراقها في الذنوب والمعاصي. فماذا يمكن استنتاجُه من تحليل الخطاب الديني السلفي المُتطرف؟
ما يمكن استنتاجُه من التَّحليل، هو أن الخطاب الديني السلفي المتطرِّف غير عقلاني، أي لا وجودَ لاشتغال العقل فيه. إنه خطابٌ تُمليه على السلفيين المتطرِّفين العاطفة وليس العقل. فكيف للرذيلة أن تعودَ وهي مُلازمةٌ للبشر بحِكمةٍ من اللهِ، سبحانه وتعالى؟
أليس هذا دليل قاطع على أن السلفيين المُتطرِّفين يُطلقون الكلامَ على عواهنِه، أي بدون تفكير وبدون تبصُّر سابقين. بل إنهم يدافعون عن أفكارِهم المتطرِّفة وعلى مكانتِهم في المجتمع وليس، إطلاقا، عن الدين.
2. وما يُثيرُ الاهتمامَ، أيضا، في الخطاب الديني السلفي، هو أن السلفيين المتطرفين يتَّهمون التَّنويريين بأنهم يتواطئون مع جهاتٍ أجنبية للنَّيل من الإسلام وتهميشه وتحريفه… وهذه الجهات، غالبا ما يختزلها السلفيون المُتطرِّفون في مؤامرة مع الصهاينة وبلدان الغرب الكافرة، التي تُكنُّ العداءَ للإسلام. لماذا؟
لأن نظريةَ "المؤامرة" أصبحت واحدا من الثوابت التي يلجأ لها السلفيون المُتطرِّفون لتبرير مواقفهم إزاءَ التَّنويريين. والحقيقة أن لجوءَهم لنظرية المؤامرة يدل على أنهم، كما سبق الذِّكرُ، يدافعون عن أفكارهم وعلى مكانتِهم في المجتمع. بل إنهم يزعمون أن التَّنويريين يتواطئون مع جهاتٍ أجنبية، لكنَّهم، في نفس الوقت، غير قادرين على الإدلاء ولو بدليل واحد يُثبِت نظرية المؤامرة.
ولهذا، ما نجح وينجح فيه السلفيون المتطرِّفون، هو التَّشهير بالتَّنويريين ومحاولة إسكاتِ أصواتِهم. فكلما واجهَهُم التَّنويريون بالحقائق الدامغة، زاد لجوءُهم لنظرية المؤامرة، وكلما ازدادوا شتماً وسبّاً ونطقوا بكلام غير أخلاقي ولا يليق بناسٍ يدَّعون إنهم مسلمون.
3. السلفية تيارٌ فكري le salafisme est un courant de pensée، هدفه الأساسي هو العودة إلى الممارسات الدينية التي كانت سائدةً في عهد الرسول (ص) والصحابة والخلفاء الراشدين. أقول وأعيد إن السلفية تيارٌ فكري وليس جماعات إرهابية تبنَّت الغلوَّ والمبالغة في فهم الدين وتحارب، بل وتقتل كلَّ مَن يخالف فكرَها ومنهجها في الحياة. وبالطبع، كل تيار فكري مقبول ما لم يلحق أضرارا بالمجتمع ويُزعزع استقرارَه. بل كل شخص أو جماعة أشخاص لهم الحق في تبنِّي المنهج الفكري الذي يناسبهم ويناسب طريقة تفكيرهم، شريطةَ أن لا يُلحقَ الأدى بالآخرين.
وفي الختام، هناك فرقٌ بين السلفية كتيار فكري والسلفية التي تبنَّت وتتبنَّى الجهادَ (القتل) لفرض أفكارها على الآخرين والقضاء الجسدي على كل مَن يخالفها فكراً ومنهجاً. وهذا النوع من السلفية، هو الذي يُطلق عليه اسم "السلفية الجهادية" التي أتت وتأتي على الأخضر واليابس، وتعتبِر نفسَها أنها على صواب بينما باقي العالم كلُّه منحرف ويجب إرجاعُه إلى الطريق المستقيم طوعاً أو كرهاً. وهي التي تدَّعي عودةَ الرذيلة إلى المجتمعات الإسلامية وتزعم أن الإسلامَ مهدَّد بالتَّآمر عليه من طرف الصهاينة والغرب الكافر. وبالطبع هذا لا ينفي أن الإسلامَ ليس مهدَّدا بالتَّآمر عليه وأن هذا التَّآمر قد يأتي من داخل الإسلام نفسه أو من خارجه.